صرخه اليأس وسط الحشود

128 5 2
                                    


بدأت رحلة الحقيقه لأنور وها قد بدأ الدوام المدرسي لم يرد أنور ان يقابل زملاءه بملابسه المتسخه وشكله الذي يبدو وكأنه تعارك مع قطيع من الذئاب فهو لا يريد ان يسبب الذعر والأذى لهم، ولاسيما ان الاطفال دقيقوا الملاحظه ، فتحت المدرسه ابوابها ذهب أنور سريعا الى الداخل ، حصل على ملابس من خزانته رآه بعض الطلاب ظنوا ان أنور يريد ان يفعل شيئا، لكنه لم يبدي لهم بالا ، أغمض عينيه وأخذ يجري بتلك القدمين حتى توقف ، توقف امام تلك النافذة التي تطل على ساحة المدرسه نظر الى الطلاب وهم يظحكون ويلعبون ، نظر الى العصافير وهي تتسابق الى الأعشاش والأغصان لتغرد في هذا الصباح الجميل وتلون العالم بطيب الألحان وعذوبت صوتها الرقيق ، أرتسمت على أنور ابتسامه متفاءله بما حدث لعائلته ، بدأت خيوط أشعة الشمس تعطي لوحة رائعه للمكان مع قوس المطر ،كان المنظر في عيني أنور يبعث في النفس القليل من الراحه ، لم يضيع أنور وقته وهو يشاهد مظاهر الحياة اليوميه والتي ستنتهي ولن تبقى .
-٩-
أخذ ملابسه وذهب سريعا الى دورة المياه ، هناك قد تنظف واغتسل وأصبح يشع من الطهاره ، أراد ان يصفف شعره فنظر الى المرآه ، افتقد أمه التي كانت تصفف شعره كل يوم ، أغمض عيناه وأخذ نفسا عميقا ، ثم فتح عيناه ، فإذا بشيء قد جرى أمامه كالرياح التي تهب وقت الإعصار ، عاد الرعب ليلف أنور من جديد ، ظل أنور في ذلك المكان دون حراك تعلو على عينيه نظرات من الدهشه ، لم يصدق ما جرى أمامه ، أخذ يضرب خديه بكفيه ظناً منه انه حلم او شيء من نسج خياله ، عندما فعل ذلك عادت اليه حيويته خرج من دورة المياه ، أخذ حقيبته التي لا يوجد فيها شيء ، فكتبه لا تزال بالخزانه ، لم ينسى أنور ما جرى قبل قليل ، سار بخطوات ثابته والجميع ينظرون إليه بتعجب ، رأوه على غير عادته أخذ أنور يبتسم لهم ولكنه لم يكن بارعا في فعل ذلك ، كان خوفه مكشوفا ، شعر بعض الطلاب بأن هذه التصرفات التي يقوم بها أنور إنما هي من اجل كسب الصداقات والشهرة بالمدرسة .
-١٠-
أتى طالب يركض مسرعا بإتجاه أنور كان اسمه عادل ، ظل أنور يسير ويسير ولم يهتم بذلك ،صرخ عادل وهو يركض : انت تثير اشمئزازي ، لا تدعي بأنك الافضل هنا ، تغيرت نظرات أنور فجأة كانت كنظرة الذئب الى فريسته ، ( عادل اكبر من أنور بسنتين اي انه بالصف السادس يعد الأكثر شعبية بين الطلاب ولا احد يجرؤ على إلحاق الأذى به هو طالب غيور متعجرف أناني ، يحب ان يرى احد يتحداه فذلك يزيد من حماسه ، فالعراك هو الغذاء لهذا الولد ، طويل القامه )
أخذ أنور يركض بإتجاهه أيضاً رفع رأسه بإتجاه عادل وتلك النظرات المتوحشة قد أخافت عادل وجعلته يتوقف ، استغرب الطلاب من أنور وقال احدهم : هذا الفتى قد جن جنونه ، قال أنور لعادل : اطمئن فأنت لا تزال هنا ، تعجب عادل من كلام أنور وجثى على ركبتيه وكأن احدهم قد هدده بالموت ، اكمل أنور السير حتى وصل الى الخزانه ليأخذ كتبه ، نسي أنور نفسه وكأنه لم يعد هو أنور الفتى البشوش الوجه ذو العينين القرمزيتين الجميلتين ، فتح أنور خزانته أخذ كتبه فإذا بشيء قد سقط على الارض التقط أنور ذلك الشيء،
-١١-
فإذا هي بقلاده غريبه ، لا يبدو صنعها محلياً وكأنها قد أتت من الفضاء كان عليها نقش غريب ، لمس أنور ذلك النقش فإذا هو يتحرك حتى صار النقش يحمل كلمه " تغذى " شعر بالرعب ورمى القلادة بالخزانه ، اقفلها بكل قوته ،رجع الى الخلف وركض الى ساحه المدرسه، أراد تفسيرا لما يحدث فجأة بدا الامر يصبح غريبا.
قال في نفسه : يوم أمس اختفت عائلتي واليوم أصادف أشياء غريبه لا اعلم من أين جاءت ما كل هذا وتلك الكلمه " تغذى " بدت وكأن احدا يراقبني . نظر أنور يميناً ويسارا، كان الرعب لا يزال يسكن جسده ، فإذا بطالب ينادي : هييي أيها الفتى تعال العب معي . نظر أنور حوله ثم قال : هل تناديني . قال الطالب : نعم ومن غيرك هنا . شعر أنور ببعض من السعادة ذهب ليلعب معهم بالكره ، لعب معهم حتى اصبح الوضع جادا بالنسبة اليه ، أخذ أنور الكره وبدا يقول : كل واحد منكم هنا جبان ، وان أردتم إثبات عكس ذلك فتقدموا وخذوا الكره مني ، تعجب الطلاب وشعروا بالذعر لأن أنور لم يتصرف كالأطفال كان تصرفه كما لو انه حاقد عليهم ،
-١٢-
لم يرضى الأطفال بذلك فقالوا : علينا ان نلقن هذا الفتى درسا قاسيا لن ينساه طول حياته ، نظر الطلاب الى رحيم وقالوا : كيف تسمح لنفسك بأن تدعو هكذا شخص للعب معنا انه خالٍ من الأخلاقيات ، رد رحيم وقال : رأيته وحيدا فأحببت ان ادعوه ، قال أنور بصوت عال : ما بكم هيا تعالوا الي ام أنكم جبناء حقاً . ركض الطلاب بإتجاه أنور لأخذ الكره فإذا بأنور يسدد الكره على طالب تلو الآخر ليفقد الجميع وعيه ما عدا رحيم فلم يستطع ان يسدد عليه ، مشى أنور بإتجاه رحيم قال له : كنت شجاعا ، شعر رحيم بالسعادة ولكنه شعر بالخوف أيضاً ، لم يصدق ما جرى ، قال رحيم في نفسه : كان هادئا ثم تحول فجأة الى شخص يريد العراك أمره عجيب ، أتى المعلمون الى مكان الحادثه ، وتفاجؤو ، قام المعلمون بالبحث عن أنور بعد ان علموا بأمره من شهود عيان ، كان أنور قد اختفى ، بحث المعلمون عنه ولم يجدوه ، قال احدهم : ستضيع الحصص ان أضعنا وقتنا بالبحث عن هذا الصغير سنبحث عنه فيما بعد ، وافق المعلمون على اقتراحه الا معلم واحد تطوع للبحث عن أنور وقال : افعلوا ما شئتم اما انا فلن اترك طفلا تائها ليتوه اكثر ، وافق الجميع على رأيه .
-١٣-
ذهب المعلم رامي للبحث عنه في كل مكان الى ان وجده على السطح مستلقيا ينظر الى السماء ، شعر المعلم بالسعادة وقال : انت أنور صحيح ، ما رأيك ان نذهب لمكان ما حتى نتناقش ، نظر أنور الى المعلم وقال بكل بروده : كما تريد ، كان شكل أنور يبدو وكأن اليأس قد تمكن منه ، اصطحب المعلم أنور الى المدير ، قام المدير يسأل أنور أسئلة متتالية تخص أفعاله في المدرسه وتخص عائلته ، لم يجب أنور على اي سؤال وكأن فمه مربوط بخيط ، لم يستطع الكلام او حتى قول كلمة نعم - لا ، نظر المعلم رامي في عيني أنور وتعجب وقال : أنور سأصطحبك اليوم الى منزلي ، لم يرد أنور عليه ، قال المعلم : سأعد صمتك موافقه على هذا وابتسم ، في نهاية الدوام المدرسي اصطحبه الى منزله وأثناء السير الى المنزل كان الناس في نظر أنور كالوحوش التي تريد التهامه توقف أنور وصرخ بأعلى صوته : ابتعدوا عني لقد سئمت منكم ، أنتم لستم سوى حشرات غبيه أكرهكم ، اكره هذا العالم ، انه لشيء غبي ان آتي معك ، نظر رامي بتعجب وأخذ يضحك ويضحك ، قال أنور لما تفعل ذلك ،
-١٤-
رد رامي : لا شيء لكني سمعت صوتك اخيراً ، كانت تلك صرخة اليأس التي أيقظت المعلم رامي وجعلته يود ان يعمق علاقته مع أنور لكنه لم يظهر ذلك أمامه ، فالإنسان لكي يظهر اهتمامه لشخص ما، لا يتوجب عليه المبالغة ما هي الا ابتسامة وستفتح قلبه ، شعر أنور ببعض الارتياح مع هذا المعلم وتغيرت تصرفاته وعزم على ان لا يخيب ظن المعلم عندما قرر اصطحابه ، قال أنور في نفسه : كيف يثق بي وقد قمت بتصرف مجنون مع أولئك الطلبه ."" الثقه لا تعني ان تُمنح لأشخاص يستحقونها بل ان تُمنح لأشخاص يستحقون فرصة اخرى لكن للأسف فهناك الكثير منا يفهمها بصورة أعدها أنانيه"" .انتهى اليوم وأصبح أنور متشوقا ليرى عائلة المعلم رامي ويتعرف بهم .

قاتل في عمر الزهورحيث تعيش القصص. اكتشف الآن