الحياة تسير وتمضي دون ان يتغير روتينها ونحن لا نستطيع ان نفرض قوانين على الحياه لتسير كما نريد نحن، ولكن نستطيع ان نفرض عليها صبرنا وتفاءولنا وثقتنا بالله تعالى فبتلك الصفات سنستطيع تقبل المر وتجرعه دون ان يضرنا ونستطيع تقبل الحلو وتطعمه فنشعر بالرضا ، اصطحب المعلم رامي أنور الى بيته المتواضع ، وصلوا الى البيت لكنه كان مظلما وكئيبا كما لو انه قد تعرض للصدأ الذي ازال بريقه ، ظن أنور انه سيقابل عائلة المعلم وانه سيلقى ترحيبا كبيرا
كون العائلات تنتظر الاب ليعود من المنزل دائماً فتفرح ، لكنه تفاجأ بعدم وجود احد بالمنزل ساور أنور الفضول بشأن المنزل فسأل المعلم : أيها المعلم رامي لما المنزل يبدو هادئا هل تسكن هنا حقاً ، أجاب رامي بكل هدوء ومحبه وبابتسامة
عريضه كالعاده : نعم هذا منزلي لا تقلق سأفتح النور حالا ، ارتاح أنور كثيراً عندما رأى رامي ووجهه البشوش ولكن منظر المنزل لم يكن مريحا بالنسبة اليه ، فتح رامي النور وأصبح المنزل مضاءً ولكن ذلك لم يكن كافيا لإزالة الكآبه التي تلون المنزل وتعيبه ،
-١٦-
عاد أنور ليسأل المعلم مرةً اخرى : أتظن انهم تأخروا لسببٍ ما ؟ اقصد عائلتك ، نظر رامي الى أنور وهو متفاجئ بسؤاله هذا وقال : أنور ليس عليك ان تسأل عن عائلتي لأني لست متزوجا ، استغرب أنور من المعلم وقال : هل تعيش وحدك بمنزل كبير كهذا ، انا آسف ، اجاب رامي : نعم لكني لا أملك الوقت لتنظيفه ثم ان هذا المنزل هدية لي من والدي قبل وفاته ، شعر أنور بالإحراج لأسئلته التي تبدو غبيه بالنسبة اليه وقال للمعلم : لما أردت اصطحابي إذاً ؟ أجاب رامي : لأنك ... لم يستطع ان يجاوب على السؤال وأخفى نظراته الكئيبه عن أنور حتى لا يراها ، ظن أنور بذلك ان المعلم رامي يكره الاسئله فتوقف عن طرحها ، ومن جهة اخرى كان المعلم رامي يبدو سعيدا بوجود أنور مع انه لا يعرف شيئا عن أنور ، أمسك رامي رأسه وقال : آه كيف نسيت ذلك ، نظر أنور الى رامي بتعجب ، اكمل رامي وأمسك بيدي أنور ، دُهش أنور بتصرف المعلم ، قال رامي : لقد نسيت ان آخذك الى بيتك فلا شك ان والديك يبحثون عنك الآن ،
-١٧-
طأطأ أنور رأسه وقال : لا داعي لذلك ، رد المعلم : لما يا أنور إنهما والديك ؟ قال أنور : لا اعلم شيئا عنهما ولا لؤي أيضاً ، لم يفهم المعلم رامي كلام أنور وتصرفاته عندما ذكر عائلته فظن ان أنور يريد البقاء معه حتى يوم غد ، فقال : لا بأس يا أنور ستمكث الليلة هنا وغدا سنرى ماذا سيحدث ، شعر أنور ببعض الغربه عندما سمع المعلم يقول ذلك ظن انه منبوذ في هذا العالم ، لم يكن يرى سوى استفهامات عديده تحتاج الى نقاط لإنهائها ، شعر بأنه يحتاج الى شيء ما يكون رفيقا له في وحدته ، ذهب رامي ليحضر العشاء وقال لأنور : سأعود لا تذهب الى اي مكان ، وها قد بقي أنور لوحده ، لم يتمالك أنور نفسه حتى بدأ يأخذ جولة حول المكان ، رأى أنور في هذا المنزل الكبير أشياء جميله رغم انها مليئة بالغبار ، انجذب أنور الى غرفه من إحدى الغرف كان بابها كبيرا ويبدو فخماً ، غلبه الفضول وأخذ يمشي بإتجاه تلك الغرفه ، فتحها فإذا هي مظلمه ، سمع أنور صوتا بداخل تلك الغرفه مما زاد فضوله ليكتشف ما كان ذلك الصوت ،
-١٨-
بحث عن مفتاح الاضاءه ففتح النور ، كانت تملأ الغرفة صناديق مبعثره ، ذهب أنور ليفتح احد الصناديق الذي يملأه الغبار ، فإذا به يرى ألبومات لصور أشخاص غرباء كان من بينهم المعلم رامي ، أخذ أنور البوماً ليتفرج عليه ، تفاجأ بوجود صوره لرامي وهو يمسك طفلا رضيعا وبجانبه فتاة شابه ، سقط الألبوم من أنور ، وعاد لهلوسته الغريبه وقال في نفسه : هل كان يكذب علي ليقوم بتقطيعي ورميي في النفايات لا شك بأنه القاتل الذي حذرت منه الصحف وحذرتني منه امي ، سمع رامي صوتا فأرتعش جسمه ، ظن انه المعلم قد عاد فخرج من الغرفه وأغلق النور وأخذ معه الألبوم الذي وجده ، نزل الى الأسفل مسرعا ووضع الألبوم في حقيبته ، ذهب ليتفقد المكان فلم يجد احدا ، ظن أنور ان شخصا ما يراقبه مرة اخرى ، نظر مع النافذة فإذا بالمعلم قد أتى ومعه العشاء ، عاد مسرعا ليستلقي على الأريكة وكان مرتعبا ظنا منه ان رامي قاتل متسلسل ، فتح رامي الباب ونادى أنور ، لكن أنور لم يرد ان يتحرك أدرك انه في مثل هذه المواقف عليك ان تطبق فمك وتبقى هادئا وتتبع الأوامر ،
-١٩-
لم يجب أنور النداء ، فخشي رامي ودخل الى غرفة الجلوس مسرعا : أنور هل انت هنا ، وجد أنور في مكانه حيث تركه لكنه كان مستلقيا ، فرح رامي وقال : الحمد لله لقد جعلتك تتضور جوعاً هيا تعال لتتناول عشاءك ، تغيرت نظرت أنور الى رامي اصبح هادئا لا يتكلم وعيناه أصبحتا كالجليد من شدة خوفه ، سار أنور الى رامي وأخذ عشاءه ، لكن رامي لم يلاحظ ان أنور بدا مرتعبا ، تناول أنور عشاءه ونام لكنه استغرق وقتا طويلا في نومه ، ولذلك تغيب عن المدرسه في اليوم التالي لكونه لم ينم ليلتين كاملتين ، ترك رامي أنور نائماً لم يرد ان يسبب الإزعاج له ، فذهب الى الدوام ، بعد فتره استيقظ أنور ولم يجد المعلم ، عرف ان هذه فرصته في الهرب لكن أصابته الحيره أين سيذهب ؟! قال أنور في نفسه : ليس علي البقاء فهو سيقتلني بكل تأكيد او سيقوم بإستغلالي لمصلحته ولكن ماذا لو خطف طفلا آخر غيري ، ثم عاد ليقول في نفسه : لا تقل ذلك يا أنور عليك ان تهتم بنفسك فقط .اخذ أنور حقيبته وخرج مسرعا ، توقف عند رصيف الشارع وأخذ ينتظر حتى يفرغ الطريق من الزحام ،
-٢٠-
سار أنور وسار حتى أصابه التعب ، كان كلما يسير يفكر في عائلته ، سقط أنور من شدة التعب وفقد وعيه ، بعد عدة ساعات عاد رامي متحمسا ليصطحب أنور الى منزل عائلته ،اخذ رامي ينادي لأنور وبحث عنه في المنزل فلم يجده ، خاف رامي وقال : أين يكون قد ذهب ، علي بالبحث عنه في الحي ، بحث في الحي حتى مغيب الشمس وأنور لا يزال فاقداً للوعي ، اخذ رامي يبحث في الحي المجاور حتى رأى احداً ظن انه من المشردين وقال : هيي انت هل رأيت طفلا مرّ من هنا ، لم يرد ذاك المشردعلى سؤال رامي والذي كان مستلقيا على بطنه ، اقترب رامي منه فإذا هو أنور ،أمسك به ووجده نائماً ظن رامي ان أنور يسير في نومه فقال رامي : أنور أنور أنور هل تسمعني ، لم يستيقظ أنور فعرف رامي انه قد فقد وعيه فأعاده الى بيته وعندما وصل اخذ يعتني بأنور ، سقطت حقيبة أنور فإذا بألبوم الصور على الارض ، استغرب رامي من أين جاء أنور بألبوم الصور هذا ، فتحه فإذا بصوره وصور زوجته وطفله ، جن جنون رامي فأخذ برميه على الجدار ، وأنور لا يزال فاقدا لوعيه ،
-٢١-
نظر رامي الى أنور وقال: من تكون يا أنور ، لم يشك أبدا بأن أنور قد فتح تلك الغرفه التي كتب عليها ممنوع باللغه الانجليزيه وقام بتفتيشها ، اخذ رامي يفكر بعمق بزوجته وطفله اللذين ماتا بحادث طائره ، سقطت دموعه التي بدت كقطرات حارقه لم يستطع ان يمنع تلك الدموع التي أعادت ذكريات الماضي المؤلمة ، استيقظ أنور وسمع نحيب شخص حزين ، تعجب أنور ما الذي أعاده الى هذا المنزل ، ولماذ يسمع صوتاً كهذا ، سار أنور فإذا برامي واضعا رأسه على مكتبه الخاص اقترب أنور من رامي ليرى هل هو من يصدر ذلك الصوت ام لا فإذا برامي يلتفت اليه ويقول : أنور اخيراً استيقظت لقد قلقت عليك قالها وهو مبتسم أيضاً ، اصبح ذلك الصوت لغزا بالنسبة اليه أمعن النظر بمكتب رامي فإذا بالالبوم الذي بحقيبته ، ارتعب انور ، رأى رامي ذلك في عينيه فقال : لقد وجدت هذا في حقيبتك انا آسف لأني كذبت عليك فهذا الألبوم لي وتلك الفتاه الشابه زوجتي والطفل كان اسمه سهيل لكنهما رحلا عن هذا العالم الآن ، عرف انور اخيراً صاحب النحيب ورد : أسف لأني أخذته خلسة ،
-٢٢-
وأخبر انور المعلم بقصة حصوله على الألبوم وسبب إيجاد رامي له في الشارع فاقدا الوعي ، ضحك رامي كثيراً لخيال انور الواسع وارتاح انور معه كثيراً وزالت عنه الشكوك والأوهام التي ساورته حول رامي ، قال رامي لأنور : حان الوقت لآخذك الى المنزل فلا شك بأنهم انتظروك طويلا ، لقد اتصل والدك على إدارة المدرسه اليوم وأخبرنا بعنوان المنزل ، أراد في البداية ان يأتي ليأخذك لكنني قمت بالتحدث معه وأخبرته بأنك في منزلي وأني سأصطحبك إليه حالا وشرحت له القصه كامله ، شعر انور بفرح شديد أعادت له الأمل حتى صار متحمساً لرؤية والديه ولؤي كان هذا الخبر بالنسبة لأنوركالزهرة النادرة الوجود تتفتح بين ركام من الجليد وتتغلب على صعوبات الطقس من صقيع وهواء بارد ، " ان أردنا ان نبحث عن الحب الحقيقي فإنا لن نجده الا مع عائلاتنا التي تشغل بالها بالاعتناء بنا وان بحثنا خلف أسوار الحقيقه سنجد الكثير من الأشياء التي نعدها بسيطه ولكن في نظر اليائسون هي كنز عظيم "
-٢٣-
الى متى على أولائك الأشخاص ان يناضلوا في التمثيل بمسلسل السعادة لما لا نرسم لوحاتٍ جميلة لهم ليشعروا بأنهم لا يزالون في قلوب بعضٍ منا وان الانسانية لم تنقرض " هل يمكن للخيال ان يصبح حقيقه ، سأقول لا ولكن يمكنه ان يصبح دوائا فعالا ضد أمراض الاكتئاب واليأس" هكذا كان الخبر على انور وهكذا كان شعوره ، ولكنه لا يعلم ماذا ستقدمه الأيام له من مفاجئات ، فكثير ٌ من تساؤلاته لا تزال غامضه .
-٢٤-
أنت تقرأ
قاتل في عمر الزهور
Actionنحن نعيش في عالم متغير ،لا يثبت هذا العالم على حال فكل يوم نرى قصصا وروايات مختلفه وتتعجب منها وتعتبر لكن لم نعلم يوما بأن كل واحد في هذا العالم يملك قصه ... لطالما ظننت ان الحياه بحر واسع من السعاده وان الناس هم من لوثوها بأفكارهم البشعه فالإنسان ي...