أنت تملئ صندوقك الحديدي الذي تدعوه ثلاجة بطعام تشتريه من مستودع كبير كالمتاهة تسميه سوبر ماركت. اتذكر أنني دخلته مرة واحدة في عمري برفقة عمي مسعود الذي تخلى عن حياة الجبال وقرر النزول لسهول. كان مستودعكم أكبر متاهة نخيل دخلتها في حياتي، كان مليئا بالأشياء التي لم تراها عيني من قبل، أشياء ملونة، كبيرة وصغيرة في كل مكان، بعضها توضع فوق بعضها البعض كالجبل، والأخر ترتب فوق ألواح معدنية تشبه الخزائن ولكن من دون أبواب، أما خضاركم فهي لا تعد ولا تحصى مرصوصة فوق بعضها البعض، وفي الجهة المقابلة أمر حيرني كثيرا فأنتم تضعون السمك واللحوم في صناديق حديدية _مبردات_ تملئها قطع الثلج..حقاً كيف طاوعتكم قلوبكم كي تفسدوا طعم السمك واللحم الطازح الذي امتصه ذلك الثلج، كل هذا معقد وبلا فائدة كان عليكم وحسب تقطيعه لنصفين وتمليحه.
ليس هذا فقط ما أذهلني، فقد أذهلني برود عمي وهو يتمشى في هذه المتاهة بكل أريحية، وكأنه بعد رحيله من الجبل قد استبدل دماغه بأحد أدمغة سكان السهول..كيف يعرف أعجمي مستوطن الجبل مصطلح كلمة دماغ..حسنا كل الفضل لأختي سامية فهي تعلمني بعض الأشياء التي تتعلمها من المدرسة.
حسنا بعض سكان الجبال يدرسون أيضا، هل يبدوا ذلك غريبا؟!..إذا يوجد صدمة أخرى بإنتظارك..هل أنت جاهز؟!.. حسنا أنتم تشترون أغراضكم من ذلك المستودع الكبير، أما نحن فتأتينا أغراضنا بالهليكوبتر
تلك الهليكوبتر يقودها رجلان وإمرأة..إمرأة تبدوا وكأنها ملكة سكان السهول، كانت الراحة واضحة على وجهها الأبيض المستدير، صدقني أنا لم أرى وجها أبيض كوجهها، و بعض شعرها يلمع من تحت غطاء شعرها. إنه يذكرني بشعر ماعزي "حرير" الذي مات غرقا في مهبط الوادي السنة الماضية.. إن شعرها بني حريري كشعره، لذلك في كل مرة تأتي هي ورجالها محملين بالأقمشة والأطعمة..تنظر إلي وتبتسم بينما خصلات شعرها الأمامية تتراقص بين أشعة الشمس ونمسات بيكو الباردة، حينها لا أستطيع التحمل فتبدأ دموع الطفل الذي يكرهها أبي بالنزول، فتأتي ملكة السهول لتحاول إحتضاني ولكنني وكالعادة أجعل يدي درعا بيني وبينها..لتمسك هي يدي برفق وتقوم بإنزالها..تلك اليدين..هل هما حقا يدين..كانتا أنعم من ملمس طين الفخار الرطب..إنهما ليسى مثل يد أمي القاسية الخشنة جراء تكسير وتقطيع الخشب..حسنا هنا شعرت ببعض الإفتخار فلو هجم ذئب على أمي لأستطاعت تلويح الفأس في وجهه، أما ملكة السهول ما بيدها سوى أن تلوح بيدها وتصرخ..فملكة السهول لا تقوى إلا على الإبتسام والإحتضان ولكنني لن اسمح لها بإهانتي فسيسخر أخوتي مني ليلا ونهارا إن فعلت، ولكن ما يأتي بعد هذه اللحظة هي المفضلة عندي فبعدما تنزل يدي..تمد يدها داخل جيبها الطويل فتخرج قطعة ملكية مغلفة بغلاف معدني رقيق، إنها لذيذة أكثر من قطع التمر الذهبية المغمسة في روب الماعز الحامض..إنها ألذ من شمع العسل..هي أكثر لذاذة من كل شيء ذاقه لساني سابقا..تذوب بين أسناني دون مجهود في القضم، تشعر بحلاوة تتراقص في فمك..إنها حقا قطعة ملكية فخمة أو كما تدعوها ملكة السهول قطعة شوكليت
وبينما أنا انغمس في هذا المذاق، تداعب هي فروة رأسي قليلا ثم تتجه نحو أمي وزوجة أخي لدردشة..ولكن أتعلم ما شيء المزعج في تناول تلك القطعة الملكية؟!..حالما تنتهي من تناولها سترغب في آخرى، ولكنني أخجل من أن اطلب المزيد من ملكة السهول..لذلك أثبت مكاني أحدق بالرجلان وهما يستمران بأنزال الأشياء التي أحضرتها ملكة السهول لنا والتي في الغالب سيبيعوها أبي لأنها ليست مفيدة أو خطيرة كما يزعم..ففي الغالب تكون أشياء يلعب بها أطفال السهول ولكن أبي لا يجد فيها أي نوع من التسلية، فهو دائما يقول أنها مضيعة للوقت وهي هدر للعقل وتلهينا عن إتمام أعمالنا ورعي الغنم..لذلك ملكة السهول تتعنى كل سنة في شراء تلك الاجهزة والألعاب والملابس دون علم أن حالما ترحل هي ورجالها بالهليكوبتر ينزل بها أبي في اليوم الآتي ليبيعها ومن بيعها يأخذ تلك الأموال ويأخذها ليضعهم مع إخوتهم الأخرين في علبة معدنية يخبئها تحت ملابسه
...
أنت تقرأ
بيكو
General Fictionفتى عاش نصف عمره بين الجبال وسفوحه، ولكن رغم فساحة الجبال و وساعتها إلا أنها ضاقت عليه فلم يطق البقاء في أرجائه..فهل سيتخلى الجبل عن مستوطنه أم أنه سيحبسه بين جدرانه