السَاعَة الخَامسَة صَبَاحًا وعيوني وكأنما خَاصَمَها النوم،
كل لَيْلَة مُنذُ فراقنا؛ وأنا تقريبا لا أتذكر ليلة هادئة لم يعذبني فيها عقلي، وتؤلمني ضلوع صدري فوق لَهِيب حَريق قَلْبي بِحَطَب أيَّامنا معًا، طوال الليل لَمْ تَغْفَل عيوني لوَهْلة، ولكن لا مشكلة.. أنا بخير، نعم أنا بخير تماما،
تعرف! .. أنا أصلا لا أريد النوم، ..
والسواد تحت عيوني ربما مِنْ شُرب الشاي والقهوة، سأخرج، وأمشي، وأعبر الطرقات، وأمرح حتى أتعب فأنام، خَرَجْت غير مُحَددًا وجهتي؛
فإذا بصداع رهيب يَجْتاح عقلي..
وما هذة النخْذَة التي أشعر بها يسار صَدري؟ لحظة..
لما تقتادني قدماي لهذه الشوارع تحديدًا؟
لما تَتَطلَّع عيوني هناك عند هذا المكان؟
ألَيْس هذا مَكان لقائنا!؟
ألَيْسَت هذه الشوارع التي ملأناها بخطواتنا البطيئة نتبادل الأحاديث ونَتَسَامر، ونَضْحَك حيث كان أول لقاء لنا في هذا المكان هناك، حين اتسَعَت عَيْنَاي، ورَفْرَف قلبي حِين الْتَقَيتكِ في أول موعد غرامي بيننا ..
يالها من دراما.. لما لا أتابع السير ..
هذا المكان جميل جدًا.. سأستريح هنا قليلا
هذه الطاولة تبدوا مثالية
المنظر الطبيعي حَولي مُثِير للمَشَاعر، وكأنه مُمْتَلِئ ومُشَبَّع بدِفْءِ الحُب.. سَأجْلِس هُنا..
وبعد فترة وبينما كنت في أوج تأملي وسرحان أفكاري فإذا بشخص يقطع تلك اللحظة ..
يا فندم .. يا فندم
حضرتك معايا؟
*أنا: إيه؟ ..
كنت جاي عشان أسأل لو حابب تطلب حاجه؟
*أنا: أيوه أها هطلب .. بس ف الحقيقة حاسس اني مش محدد عاوز ايه ممكن تجيبلي المنيو بتاعك ..
طبعا حاضر
*أنا: استني بص ..
حاجه تاني يا فندم؟
*أنا: أها أنا خلاص قررت هاتلي آيس كريم فراوله وشوكولاته وحليب .. .
بَعد فَتْرة لَيْسَت بالكَبِيرة جَاءت المثلجات كما طَلَبْت، وطعمها ليس بجَمَال شَكْلها،
أشْعُر أنَّ شَيْئًا يَنْقُصني، .. ينتابني شعور غريب، ..
ما الذي جَاءَ بِي إلى هُنَا؟
ولِمَا طَلَبْتُ المُثَلَجات أصلا!؟
ألَيْسَ هذا مكان لقاءنا الدائم!؟
وهذا الكرسي أمامي، أتَخَيَّلكِ عَلَيه كما جَرَت العَادَة،
أتَخَيَّل طَيْفَكِ يَمُر مِن حَولي، والآيس كريم طعمه ليس كما تَشْتَهِيه نَفْسِي؛ حَيثُ كُنَّا نأكل من نفس الكَأسِ وتطعميني بيديكِ بالمِلْعَقَة الخَاصة بكِ، فآكل بكل حب، وأتذوق مُثَلجات بطَعم شِفَاهكِ وأنا أتَأَمَّل نَظَراتكِ الحَنونة لوجْهِي؛ فتَهْواكِ جَوارِحي ومعاها قلبي، ..
فحَتى القهوة التي أشربها لم تعد تعجبني كالتي أشربها أمام سِحر عينيكِ، وبَسْمتك التي تَخْطَف كُلَّ أوجَاعي، وهذه الطَاولة حيث تلاقينا وتحدثنا، وضحكنا، وتَشَاجرنا، وتخاصمنا، وتصالحنا ثم افْتَرَقْنا ..
أتَذَكَّر آخر مُكَالمة هاتفية بَيْنَنَا حيث كانت أصواتنا خَافِتة، بالكاد أستطيع إخراج الكلمات من شَفَتاي ..
كانت قصيرة من حيث الوقت الفِعلي أما بالنسبة لي كانت أطول مكالمة أجريتها في حياتي، ..
مازالت كلماتها عَالقة برأسي،
حتى صوتكِ حين كنتِ تُغَني من أجْلِي مازال يَهْمس في أذني، لم أعد كما أعرفني، ..
أُلَمْلِم شتات نفسي مُنْذُ وقت بَعِيد، .. أبحث عن ذاتي القديمة الضائعة،
أحاول الحفاظ على ما تَبَقى مِني، ..
أنا أتألم بقدر كل الحب الذي كان يملأني، .. أتوجع بقدر كل دقيقة قَضَيناها معًا، .. لازلت أنام على تسجيلات أصوات أغانيكِ، .. لازلت أتأمل عيونكِ، وبسمتكِ في الصور التي تَمْلأ خزانة هاتفي الخاصة،
لازلت أقرأ رسائلنا القديمة لساعات، .. مازال القلب يبكي، والروح تتوجع، والعيون تبحث في الأرجاء عنكِ،
أتابع رسائلكِ التي لم أرد عليها وترد دموعي،
أنا حقًا لم أقْسُ إلا على نفسي، سأنام على قرص منوم يجعل العيون تنام، .. لا أعرف لِمَا لم يَصنَعوا أقْراصًا تَجْعَل القلوب تَنَام أيضًا ؟! .. .الكاتب/ أحمد جلال نزيه 🖋️
أنت تقرأ
(يَومِيَّات عَقْرَب ) للكاتب/ أحمد جلال نزيه 🖋️
Romanceالمُحتَوَى غَيْر مُنَاسِب لمَرضَى الاكتِئَاب