سفينة الهلاك!
ترتد أمواج البحر بشراشةٍ محدثة أصوات ترعب الأبدان، وكأنها بصراعٍ تسابق به مصير تلك السفينة التي تنحر مياهه نحرًا، بسياجها الأبيض المرتفع، تحمل على متنها قدر مكتوب لمستقبلٍ بلدًا ظن أهلها بأن النجاة خارج حدودها، فسعوا لتلك السفينة علها تكون أخر أملًا في النجاةٍ، كلٌ يرسم حُلم وآمال بالعبور بأمانٍ للدولة الغربية الثرية، يظنون وكأنهم برحلةٍ لبلد الأحلام، المصباح السحري الذي سيستقبلهم مارده لتحقيق الاماني، سعيًا بالحصول على مستقبل أفضل، ومن بينهم كان يجلس منكس الرأس، يحمل بين يده حقيبته القماشية السوداء، وعلى ظهره سترة النجاة ذات اللون البرتقالي، تحاط بصدره وبالمجموعة بأكملها، أغلق "أحمد" عينيه بألمٍ، وهو يجاهد الخوف الذي ينهر أوصاله، فتلك المجازفة لم تكن بالهينة، ولكنه لجئ إليها بعدما أغلقت الأبواب من أمامه، وماذا كان سيفعل؟ فحاله كأغلب الشباب، توفى والده منذ أن كان عمره السابعة عشر، أصبح رجل يعيل والدته وأخته التي تصغره بأربعة أعوام، فاضطر لترك دراسته والعمل بأحد ورش السيارات، ولكن ما جناه لم يكن ليسد احتياجات منزله ومصاريف دراسة شقيقته، لطالما استمع من الاصدقاء والكثير من المحاطين به عن السفر للخارج، وخاصة الدول الاوربية، نسجوا له أحلامًا شراعها كجناح بعوضة لا تقوى على حمله بجناحها الهاش، فكان من الصعب السفر بطريقة شرعية تضمن سلامته وتحقيق ذلك الحلم الأهوج، وما يذبح نياط قلبه معشوقته،حب الطفولة، "أسمهان"، يا ويل قلبه حينما تطل من شرفتها التي تقابل شرفة منزله،مازال يتذكر اليوم الذي رفضه أبيها، كونه لم يكن على استعداد للزواج بها، وها هو يغامر بأخر شيءٍ يمتلكه، حياته التي لا تعد ذات قيمةٍ بالنسبة إليه، ولكنها ذات قيمة لاحياء عائلته وحبيبته، وكونه الرجل كان عليه التضحية، استند بجسده على سياج السفينة من خلفه، وكأنه يلقي بأحماله عليها، هموم العالم بأكمله تكاتفت لتزيد من أوجاع ذلك الشاب الذي تجعد وجهه لما يحمله بداخله من ظلمة حالكة تبتلعه يومًا بعد الأخر، وعلى الرغم من كونه شابًا بأواخرٍ العشرين من عمره الا أن ما يحمله على عتاقه، جعله كَهَلَ اكتسب تجاعيد الوجه وخبرة الحياة السوداوية، أرخى أهدابه قليلًا واستكان بجلسته وهو يتابع حركة السفينة، فابتسم بتهكمٍ وهو يرسم صورة باهتة لغرق تلك السفينة، فأمامه بتلك اللحظة ثلاث احتمالات، أولهم أن تغرق السفينة بأي لحظة، وثانيهم أن يقعوا بين براثين قوات شرطة الحدود، وأخر الاحتمالات أن ترسو السفينة لبرٍ أمن، وربما يستبعد ذلك الاحتمال لما رأه بحياته فأصابه بالتخبط واليأس، حانت منه نظرة متفحصة لمن حوله، فازداد عمق الألم بنياطٍ قلبه وهو يوزع نظراته بين الوجوه، كان منهم الصغير الغير قادر على تحمل الافتراضات التي وضعها أمام مقترحات حسبته، والشاب الذي لم يبلغ من العمر الخامسة عشر، والكهل العجوز الذي بات حائرًا بأمره فلماذا يلقي بذاته إلى التهلكة وهو في أواخر أيامه!
ظل على تلك الحالة حتى تبددت الغيوم بالسماء المظلمة، فتخفى القمر خشية من ضوء الشمس التي توسطت كبد السماء لتعلن عن يومٍ جديدٍ، ورغم أنها تحمل باشراقتها أملًا ملموسًا الا أنها أتت بإشارةٍ لم تكن بالحسبان، حينما صاح أحد أفراد طقم السفينة بهلعٍ:
_ هلكنا جميعًا..شرطة الحدود تحيط بالسفينة من جميع الاتجاهات ماذا سنفعل الآن؟
انزلق قلبه بين قدميه وهو يستمع لصراخه المهيب، فترك حقيبته ونهض فزعًا يتأمل تلك السفن التي تقترب منهم من على بعدٍ، وصوت الشرطي يصدح عبر ميكرفون ضخم يحمله بين يده:
_الجميع على أقدامهم..لا مفر من الهروب.
ابتلع ريقه الجاف بصعوبةٍ بالغة، وهو يتابع ما يحدث بترقبٍ، للحظةٍ توقف العالم من حوله، لا يملك الحق في نفسه حتى، ان اعتقلوه كيف ستحتمل والدته سماع ذاك الخبر المقبض! ومن الذي سيعيل عائلته، لا لن يستسلم بتلك السهولة، ولكن ماذا بيده لفعله بتلك اللحظة؟
هل سيلقي بذاته بتلك المياه ليواجه مصير أبشع من ذلك؟ عساه يقاتل الموت ومن ذاك العاقل الذي يختار مجابهته!
ومع ذلك اختار ذلك الخيار الذي يحمل ثلاثون بالمئة من النجاة، فألقى بذاته دون تفكير بالمياه، وأخذ يسبح بكل ما امتلكه من قوةٍ، حتى ابتعد عن مرمى البصر، فأصبح بأمانٍ، ومع ذلك لم يتوقف عن السباحة حتى ارتخت عضلات جسده، فاستسلم للسترة التي رفعت جسده عن المياه، وأخذ يعافر الا يفقد وعيه لما بذله من مجهودٍ شاقٍ، مرت عليه أكثر من أربعون دقيقة، ومازال يحاول تحريك ساقيه للعودة للسباحة مجددًا، للحظة شعر وكأنه أحمقًا باختياره لذلك الاختيار، هو الآن يواجه موتة قاسية، أما أن يموت غرقًا أو جوعًا، ربما إن استسلم للشرطة مثل البقية كان سيحظى بالحياة على الأقل، أغلق عينيه البنية، ورفع يده بالمياه وهو يردد بصوتٍ يغلبه البكاء:
_فوضت أمري لك.. أنت وحدك تعلم ما الذي فعلته حتى هذا اليوم.. وأنا أعلم بأنك ستشمل عائلتي برحمتك ولطفك يا الله.
وفجأة تسلل لمسمعه صوت لسفينةٍ تقترب من على بعدٍ، جحظت عينيه في دهشةٍ يطوفها فرحة وعدم تصديق، فتمسك بأخر أمل يمتلكه وسبح بكل عزيمته تجاه قشة نجاته الوحيدة وسط تلك الامواج العاتية، وقد غمره الله عز وجل بلطفه مجددًا حينما رأه أحد طقم السفينة فتمكن من الصعود على متنها، والعودة مجددًا لمصر، مُنح فرصة لا تقدر بثمنٍ، هو وحده يعلم كم تعني له، إن كان يظن أن مصيره بين بلده ووسط أحبائه هلاك فأي جحيم كان يسلكه الآن؟
لا هو فقط عاجز، عاجز عن خوض تلك المعركة، ربما لم تكن سهلة بالمرةٍ، ولكنها ليست بصعوبة ما وضع نفسه به لأجل لقمة العيش، أي لقمة هذه التي تعتبرها الدول الغربية فضلات زائدة عن حاجتها! إن اختار كل هؤلاء الشباب الهروب للخارج من الذي سيعمر تلك البلد، هل ستقوم باستيراد الايدي العاملة من الخارج مثل الماكينات وأغلب المأكولات؟
غلبه النفور والسخط لما كان يغلب عصبة تفكيره، وأقسم بعد ما مر به بأنه لن يخوض تلك التجربة ما دام حيًا، لا يعلم كم قضى من الساعات برفقة تلك السفينة حتى وصل لبر الأمان، فعاد لمنزله وهو يحمد الله بأنه لم يصارع الغرق ويصبح جسده لقمة صائغة لاسماك البحر، بل منحه فرصة وهو الآن على أتم الثقة بتحملها، لا يعلم كم طال بسجوده شكرًا لله بعد أن نعم بدفء فراشه بين شقيقته ووالدته التي استقبلته بالدمعات الحارقة وقلبها المفطور الذي يلتاع للاطمئنان عليه بعد عدم استطاعتها للوصول لهاتفه المغلق، كان من المحال عليها خوض تلك التجربة القاسية التي تخوضها أغلب الامهات، فتضرب أخماسًا بأسداسٍ وهي تفترض كونه معتقل بين سجون الخارج، أم أصبح روحًا تحوم بين مياه البحر المتعطش للارواح، وما أطاح بمشاعره سماعه للزغاريد في أحدى الأيام تطوف منزل جارة قلبه ووجدانه، فعلم بأن اليوم هو خطبتها، هزمه القدر للمرة التي فشل في التعرف على عددها، هرب من منزله وهو يرفض سماع أصوات الموسيقى والزغاريد، كانت تلدغ جسده دون رحمة، لجئ لأكثر مكان أحب الوجود به، فصعد للمسجد القريب منه، وسجد لله عز وجل وهو يردد ببكاءٍ وعويل طفلًا صغيرًا:
_اللهم إنزع حبها عن قلبٍ لا يحتمل بعدها عنه، يا الله أرح قلبي التعيس، أنت وحدك تعلم بأنه لا مجال لأحتمل ألمًا مجددًا بعد فراق أبي حتى أحتمل فراقها عني!
واستطرد وهو يحاول التقاط نفسًا يعاونه على الحديث:
_إرحم عبدك البائس يا الله، ضاقت بي الدنيا وأنا بمفردي عاجز عن المحاربة..أقسم لك بأنني راضٍ ولكن قلبي لا يهون عليه فقدان حبيبته، يا ربي لا تجعلها لغيري إن لم تكن لي فأنزع حبها من أوردتي،انزعها وإن كنت لن استطيع الحياة من بعدها.
انتهت صلاته التي شكى بها ما يضيق صدره لله، فجذب أحد المصاحف ثم جلس بالمسجد يتلو بصوته العذب ما يسكن جرح قلبه، لا يعلم كم ظل بالمسجد حتى انتهاء الحفل الذي يعد حفل أوجاعه، وحينما انتهى من صلاة الفجر جماعة بالمسجد،عاد لمنزله وعينيه المتورمة مازالت تتعلق بشرفتها، حفظها من نفسه فكان يرفض حتى الحديث اليها عبر الهاتف، مع انه يعرف صفحتها الشخصية على (الفيسبوك) جيدًا، فأحيانًا كان يراقب منشوراتها خلسةٍ، ولم يجرأ يومًا على مراسلتها رغم أنها يعلم بأنها تبادله نفس الحب والمشاعر، صعد أحمد لغرفته، فاضاء نورها واتجه لجانب فراشه المقابل لنافذتها بآلية تامة، وحينما تمدد عليه لمحت عينيه ورقة مكورة بحجر صغير جوار شرفته، جذبها بدهشةٍ، وفتحها ليتفاجئ بما دون بها
«أحمد.. فعلت كل ما بوسعي لاقنع أبي إنني لا أريد سواك، ولكنه مازال عاجز عن فهم قصة حبي الغامضة بك، أعلم بما تعيشه الآن واريدك أن تعلم بأن ما تشعر به لا يجابه ما أشعر به الآن، أكتب اليك وقلبي تزداد ضرباته كلما استعاب بعده عنك، أنا أحبك وحبي عاجزًا عن الصمود أمام جبروت أبي، راقبتك من الشرفة وانتظرت عودتك ولم تعد، كنت أود رؤيتك للمرة الاخيرة قبل رحيلي، نعم أنا اكتب لك أخر رسالة لي، فلقد قررت الرحيل عن هذا العالم القاسٍ الذي يقاس به كل شيء بالمال وبما تمتلكه..»
جحظت عينيه صدمة، فحاول ان يهدء أنفاسه العارمة وهو يستكمل قراءة
«سأرحل وأنا اخبرك بأنك كنت سكنة روحي، وعشق طفولتي الأول والاخير، ظننت بأنني حينما فشلت باستعطاف أبي، بأن الامر سيمر، علني سأمضي قدمًا مثل أي فتاة احبت شخصًا ورفضه أهلها ومنحوها لرجلٍ أخر، ولكن اليوم حينما وضع خاتم الخطبة باصبعي تأكدت بأنني لست مثلهن، شعرت بأنني ارتدي حلقة من نار تطعن روحي وتحرق جسدي، لمست يده ليدي ليضع الخاتم جعلت جسدي يشمئز بنفورٍ منه، ربما لم أشعر يومًا بلمسة يدك، ولكن نظرة عينيك الحنونة كانت تكفيني لارتوي من غرام عشقك، أنت كنت حلمي الذي اُنتزع مني عنوة، والآن سأغادر واترك بين يدك أخر ما أفاض به قلبي، وأوصيك بنقل رسالتي لابي عساه يعلم كم ظلمني بقراره هذا، يظن بأنه اختار الانسب لي، فليعلم بإنه اختار هلاكي وموتي السقيم!..»
شعر بدوار حاد يضرب جسده العتي، وجل ما يراوده متي قذفت الرسالة لغرفته؟
ترى هل ما زالت على قيد الحياة؟
لا يعلم ماذا عليه فعله بتلك اللحظة، جذب الورقة وهرع مسرعًا لمنزلها، صعد لشقتها القابعة بالطابق الثاني، واخذ يطرق مرارًا ويده الاخرى لم تترك جرس بابها، وهو يحارب فكرة كسره للباب بصعوبة، الى أن فُتح الباب من أمامه، فوجد أبيها يردد بغضبٍ بالغ:
_أجننتُ أنت... من تظن نفسك لتطرق بابي بتلك الطريقة وفي ذلك الوقت؟
إجبر لسانه الثقيل على النطق:
_أرجوك يا عمي انقذ اسمهان..فلتناديها في الحال.
لف يده حول رقبته واجبره على الخروج من المنزل وهو يشير له بعداونيةٍ:
_ارحل في الحال... أخبرتك بأن تبتعد عن ابنتي والا اقتلعت عنقك.
أخرج أحمد الورقة من جيب بنطاله، ثم قدمها له وهو يرجوه:
_انقذها أولًا ولتفعل ما شئت.
صعق مما قرأه، ولولا معرفته بخط ابنته لكان اتهمه بالكذب، هرول مسرعًا لغرفة ابنته ولحق به أحمد غير عابئ بدخوله لمنزل ذلك السليط، فتح باب غرفة ابنته على مصرعيها، فاندهش حينما وجدها ترتدي اسدال صلاتها وتمسك بيدها كوب من المياه وباليد الاخرى قرص (الغلة) ، تستعد لتناوله، عينيها المتورمة من البكاء نقلت له بنظرتها ما خاضته طوال تلك الساعات، انتقلت عينيها البنية لمن يقف خلف ابيها، فابتسمت وهي تهمس بصوتها الشاحب:
_أحمد!
تخطئ ابيها وأسرع اليها، فابعد ما تحمله عن يدها وهو يعاتبها بوجعٍ:
_ماذا تفعلين بحق الله؟ هل جُننتي!
تدفقت دمعاتها بحرقةٍ وهي تتأمله، وقال بصوتها المحتقن:
_سأفعل أي شيء حتى لا أكون لغيرك..حتى وإن اختارت الموت.
واستطردت ببسمة صغيرة تعاكس دمعاتها:
_ألم تفعلها من قبل.. اختارت السفر للخارج بتلك الطريقة من اجل الزواج بي!
خانته دمعاته،ومع ذلك جاهد لخروج صوته الثابت:
_أنا لا أناسبك أسمهان..فلتنسي أمري وامضي حياتك مع من اختاره لكِ أبيكِ.
جذبت الحبة عن يده وهي تواجهه بانكسار:
_ حسنًا.. الموت أهون لي حينها.. ولا تظنها المرة الاخيرة التي سأحاول بها التخلص من حياتي.
كادت بوضعها بفمها وأحمد عاجز عن انتشالها منها، فلم تتوقف الا حينما تحرك أباها وقال بدموع انهمرت لتزيح قسوته حينما شعر بأنه على حافة فقدان ابنته الوحيدة:
_لا تفعلي يا عزيزتي.. لست امانع ارتباطك بأحمد.. سأفعل أي شيء لأجلك.. والآن القى ما بيدك.
تطلعت اليه بعدم تصديق، فوزعت نظراته بينه تارة وبين أحمد تارة اخرى، وضعت الكوب عن يدها وابتعدت لتسجد على سجادة صلاتها سجدة شكر لما نجدها الله من ارتكاب ذنب كبيرًا كالانتحار، انقاذها من الموت وهي تحمل اثمًا كبيرًا هكذا..
خرج أحمد من غرفتها وقبل أن يخرج من منزلها قال لابيها:
_أعلم بأن رفضك لي من البداية لاجل ابنتك،لك الحق باختيار الصالح لها،لذا أعدك بأنني لن أعود لخطبتها الا وأنا أستحقها حتى وإن تطلب الأمر أن أعمل ليلًا ونهارًا.
وخرج لمنزله وعقله عاجز عما سيمضي به، فعاد لعمله الذي بغضه يومًا لمبلغه الضئيل الذي يمنحه له صاحب الورشة، ومع ذلك لم يشعر بالضجر مثلما كان يفعل، كان يحرص كل شهرٍ أن يوفر جزء من المال، حتى تمكن بعد عامًا كاملًا من شراء مستلزمات مهنته بتصليح السيارات، وقام بفتح الچراج الخاص بمنزله، وحوله لورشة كاملة جاهزة لاستقبال السيارات، قضى أول شهرًا محطمًا كليًا حينما لم يجني افتتاح ورشته ثمارها، ومع ذلك لم يستسلم وبرقبته وعدًا لحبيبته ومسؤولية عائلته، ومع أول (زبون) زاره رسم بسمة الأمل، وخاصة حينما أخبره:
_لقد بحثت عنك كثيرًا.. وعندما أخبرني العم ممدوح بتركك لورشته سألت عنك حتى دلني أحد المارة.
ابتسم وهو يشير له:
_لقد انتقلت للعمل بمفردي.. ومنذ اليوم ستجدني هنا إن أردت أي شيء سأكن بخدمتك سيدي.
بسمة الأمل لم تكن الأخيرة التي زارت وجهه بذلك اليوم، أصبحت رفيقته مع كل خطوة كان يخطوها، زاد رزقه واشترى سيارة متهالكة ثم أعاد تجديدها، وقام بعرضها على وسائل التواصل الاجتماعي وقد لاقى على عدد من الاعجابات، ووصلت به لمتابعاتٍ لا بأس بها، حتى أتاه عرضًا مغريًا لبيعها، فقام بتكرر الأمر ومع الوقت والمُثابَرة أصبح يمتلك عدد كبير من العمال، ومعرض خاص بالسيارات التي يقوم بتجديدها، وفوق كل ذلك أنشأ صفحة خاصة به على السوشيل ميديا وامتلك أكثر من ستون ألف متابعًا يتفاعلون بحماسٍ مع منشوراته، وما يطرحه من صور لما قبل وبعد اعادة التعديل للسيارات، وها هو الآن بعد مرور ثلاث سنوات من وعده القاطع لوالدها، يحقق وعده وتزف اليه بفستانها الأبيض الملائكي، يعلنها المأذون زوجة له وسط حشد ضخم وعلى رأسهم أبيها، اليوم أصبحت له بعد أن تحدى قدره للمرة الثانية، وخاصة بعد أن خاض تلك الرحلة التي تعد له بمثابةٍ "رحلة للجحيم"، والآن وبعد أن مر باختبارات كالعلقم يدون بمنشورٍ على صفحته على الفيسبوك
«ربما يظنني البعض ولدت وبفمي ملعقة من ذهب، لا يعلمون كم عانيت وماذا حاربت لأصل لما حققته الآن، ربما كنت ذلك الشاب الذي لعن حياته ومصيره، ونفس الشاب الذي فكر بالرحيل عن بلده حتى وإن لجئ للهجرة الغير شرعية، وأنا نفسه الذي رأى الموت يرفرف بجناحيه من فوقه، ولكني لم أختار ذلك الخيار اللعين، اخترت البقاء ومحاربة كل تلك العوائق، حتى من الله علي وأصبحت مسؤول من عدد ضخم من الموظفين، ربما اختار الله لي ذلك الطريق لأكون سببًا في رزق هؤلاء حتى لا يسعون لما سعيت بفعله، ولكن استوقفني سؤال هامًا لماذا يسعي أغلب الشباب للرحيل والعمل خارج البلد، ربما هنا سيحقق ما يظن بأنه سيتمكن من فعله، وإن فشل بذلك ألا يكفيه وجوده بين أفراد عائلته!
يكفيه فخرًا بأنه يحاول ومازال يعاند للصمود، ومحاربة كل تلك الضغوطات التي تعيق طريقه، ولكنني على ثقة بأن الله سبحانه وتعالى لن يسحب رداء عطفه عن عبدًا يرتجف طمعًا في كرمه،فمن عليه بحبه المفقود وزاد في كرمه بمنحه رزقًا عوضه به عما واجهه بحياته، إعمل واترك التوفيق لله عز وجل وتأكد بأنه لن يهون عليه تعبك سيعوض مكافحتك وصبرك خيرًا»
تمت بحمد الله..
الكاتبة آية محمد رفعت..