لا تنسى أن وحدة الإنسان قد تكون رحمةً له
و قد لا تكون
لأن في الغرفة هنالك من هو متوارِ
عن العيون في الحندس
ينتظر صوتك الحزين ليخبره بكل شيء
يترقب و هو مندس
فيرد عليك و يظهر لك و سينقذك حتماً
ولكن ثمة باب فلا تتردد بقرعه ، نعم
كي يفتح لك على عالم جميل
فتدخله ينتشلك من وحدتك و كل كئيب
الآن ، سترى النور فيا ضوء أنر السبيل
ستؤانسك السعادة إن كنتَ ميسور النصيب
فهُنا الروضُ الأريض
لقد انسرح بابه
و بسقت أغصانه
و رف بوحي النسيم نبته
و تطلعت من أكمامها أزهاره
فيا أرض أنضجي بذرك ليزكو زرعك
ويطيبُ للآكلين ثمرك و يعنك
على أديمها ذاك الجبل الأشم
و هذا الصخر الأصم
و تجلى لك الجمال و البهاء في كل مكان
بدءاً من مضيفك المليح طلق الوجه بهيَ المحيا
ناعم الحُسن مونقُ من اللين تجلى
الذي استقبلك بترحاب و دعاك ببشاشة
لقيكَ بالبشر و كفلٌ من الود زاده هشاشة
التمسَ منك بنبل أن ترافقه؛ فأنت ضيفه الكريم
بدا لك رقيقُ الطبعِ سمحُ الجوهر حلو الشمائل
حدثك بصوته العذب الهادئ عن هذا الفضاء المنير
و أنه العدنان ولي عهد هذه المملكة و الأمير
حارسُ الليل و حامي الغيهب الغفير
تعجبتَ و أعجبت و تسائلت فسألت عدة أسئلة
أجابك برحابةِ صدرٕ ثمّ دعاك للجلوس على مائدة
بها من أشهى و أطيب الثمار
تطل من جهة على جداول تتعاطف و تتمايل
و من أخرى على أزهار اختلفت الوانها
و سطعت بالعبير أردانها
و أثناء تسامركما لاحظت على صدره قلادة متدلية سوداء و متوهجة
تضاربت مع بياض ثيابه و بدنه و نصاعته
كذلك تناقصت مع المكان المشع و وضاحته
لكن زادت مضيفك هيبة و وقار بطريقة ما
بعد برهة من الزمان آثرتما إكمال المسير
فمررتما بجسر زجاجي شفاف دقيق
على يمينك
منظر البحر تتدفق أمواجه بانسياب
و على شطئه بدت حبات الرمال كعسجد مذاب
و من يسارك
بسيطة تمتد عليها التلال الخضراء تنحسر في الأفق
تزورها الرياح من حين لاخر يتخللها نسيم عليل
و على أفنان دوحاتها تتشادى البلابل و تتزاجل
و من أمامك غير بعيد
حسناء بضة و رقيقة متوردة تحييك بأجمل بسمة على ثغر
تجلس وسط الزهر مرتدية ثوباً أبيض حريري
خُيلت إليك البدر تحُفهُ النجوم
و أعلى هامتك
هذه الشمس تصحو بسحرة و تتبدى
و تتهادى في مشرقها و تتأنى
و هذه السماء الزرقاء الممتدة
تلاغيها الطيور و هى تتغنى و تتهدى
فوقفت و تأملت و اغتبطت نفسك
أهذه جنة النعيم و رغدها قد بان؟
أهذا ما كنتَ ترنو له منذ أمد الزمان ؟
لتطيب نفسك به وتستقي السلوان
ثم طلبت بلباقة من رفيقك الصبوح الفتان
المكوث هنا إلى أبد الدهر فلقد أسرك المكان
فضحك ضحكة برقة النسيم
مثيلة للنغمات و شبيهة بالترنيم
ثم سألك بلطف : أأنت متيقن من طلبك ؟
أبديتَ قبولك بفرحة عارمة و حبور
فطاوعك على طلبك و امتثل لك
لتتهلل أساريرك بسرور
فبعد طولِ عناء ها قد زارك الرخاء
ثم أكملَ ظعنه بك
حتى اذا حاذيتما الأفق
قَدِمت من أجنحة الليل مدد فانقبض ضوء النهار
حتى اذا ادبر النهار أقبل الليل
و اختفى مضيفك على عجل
فجعلت تتعجب و تتلفت بوجل
تحيرت و سألت نفسك هل من صحبتك مل ؟
و لكن كيف اختفى ؟
بغتة
على يمينك البحر التج
و صخب عجيجه و هرج
و من يسارك
رمضاء موحشة قاحلة على سطحها شجرة وحيدة جرداء
و أسفل ما تبقى من الشجرة طيور نافقة في منظر قبيح
أما أمامك من قريب
شمطاء جَهبلة دميمة تسير نحوك متثاقلة على عصا تبتسم بكدر و شناعة
أعلاك ليل بهيم و سماء ظلماء انسل بدرها توجسا
و التفتَ خلفك
فإذا الباب جعل ينغلق رويدا رويدا
انقبضت نفسك لما كانت تنبسط إليه من قبل
اختلجت أحاسيسك و تنبهت فيك غريزة الخوف
فزادتك وحشة و اضطرابا
ها انت تعود أدراجك بخطى حثيثة مهرولا
سرعان ما أصبحت ركضا
و ما تفتأ ان تجتاحك جيوش الظلام
و التف حولك أسود الضباب
أحسستَ انت بذاك الكيان الغاضب
الذي ما لبث حتى حضر أمامك مكشرا عن أنابيه
كان مهيبا شامخا بشعا يحمل قرنين عظيمين على رأسه
مريع أسود اللون مسخ أطمس العين مستهجن
نفرت و فزعت من شناعته
صرخ صرخة مدوية صدحت و جلجت حتى فقعت أذنيك
ثم أمسك بك بغلظة و شراسة
فهشم اكتافك و طحن عظامك
و مدد جسدك ليقطع أطرافك
و بيده سكين أعقد مذرب
فأمرها على حلقك مرارا وتكرارا حتى قطع الودجين
فإذا دمك يشخب و يتفجر
و جعلت تنتفض و تدحض
ثم سكنت و بردت ففصل الكائن عنقك
و شق فيك شقا طويلا و أدخل يده بين الجلد و الصفاق
و كشط و سحف و حطم قوامك
و بقر بطنك فأخرج ما فيها
و في لمح البصر انتهى كل شيء
و كنت أشلاء متكالبة على بعضها
ختاما
أخرج جوهرك الدامي
ثم هُمس بصوت رديء جانبه : " أخيرا إكتمل العدد "
فإذا بها تلك الهردبة المشوهة
افتلذ الكائن من قلبك مضغة في مفازة
و من قلادة سوداء مألوفة التفت على عنقه الخشن أنما التفاف
الحية على ضحيتها ،أخرج مسمار
فدق به قلبك بواسطة يده على الباب الذي ولجت منه
و في ثغرة على ظهر الباب ادخل القلادة
لينغلق الباب و يندثر بها كأنه لم يكن
ثم نظر لمكان بعيد فإذا هو رتاج عظيم مبين يُفتح على مصراعيه
تتصاعد من داخله نيران ملتهبة
و صرخات غريبة متعذبة
سار الكائن في نصر و مهابة
ثم وقف على بعد منه
فإذا به ينسلخ و يتحول و يتضائل حجمه
حتى أضحى و ارتد لما كان سابقا
مضيفك اخاذ الجمال مشرقا
و صوبه تلك الطاعنة البشعة المكفهرة
تبدلت من جلال الشيخوخة إلى رونق الشباب
فاستحالت لشابة غادة قسيمة
و آضت لصورتها صبية
حسناء الزهور ذات الثوب الأبيض البهية
على حين غرة
شع بريقُ سناء شديد الوضاحة و غدا مستقر سعير النيران
و هدأت الصيحات المتعذبة في آن
ثم تراءى لك مخلوق مهيب من خلف الرتاج يضاهيه حجما
ماجد عظيم الشأن يسمع لوقعه صدى و له تهتزُ الأرض
و هو من اجتماع قوته و جبروته أشبه بالقلعة يعلوها من هامته
كالبرج الحربي فيه مدفعان بارزان
تسلم منه قاتلك تاجا خلابا مرصع بأبهى الحلي تتوسطه ماسة سوداء
ليضعه على رأسه بفخر و كبرياء
و تسلمت الحسناء إكليلا من الياقوت و الزبرجد ، ثم فعلت المِثل
عندما أفلا في ذلك الرتاج الجسيم
لاح في الافق إيوان واسع جذاب مشرق
تسيل داخله أودية تحتفل بالعذب السايغ من الأنهار
يتوسطه عرش مظلل باغصان زيتونية متشابكة و افترش البان
على مناكبه تراص شجر البيلسان
و انتثرت بين طياته الاحجار الكريمة و الكهرمان
يقود إليه بساط أحمر مديد
سار قاتلك بأناة و خُيلاء يتقلد منصبه الجديد
و استوى بزهو ملكاً على عرش عظيم
يتبوأ مجلسه بوقار و رصانة
لجواره الحسناء تجلس بأنوثة و تؤدة و رزانة
ملكة ،لها من العرش نعم الجزاء المُقيم
أُوصد الرتاج ليُمحي أثرهما و يتلاشى ظلهما
ثم زارك الظلام السرمدي الدامس
و قتام الليل الحابس
ها أنت تعود وحيدا في غرفتك ، هذه المرة دون حياة او حرية
لم تكن ميسور النصيب فجُعلت سجينا ضائعا بلا هوية
ويحك تنبه ، إن شعور أنك لست أنت وأنك غريب عن نفسك الذي
هاجمك كثيرا و تصارعت معه و مع وحدتك قد عسفك
نعم تلك النوبات من الصراعات المؤلمة تجعلك ضائعا
لكن كان يتوجب عليك ردع و صد ما وقف في طريقك كالغصة
ومن وسط الظلام الأدهم في هدأة الليل أنتهت القصة
الان،،،،أيا إنسان هل وحدتك تكونُ رحمة ام لا تكون ؟
نعمة أم نقمة و هل ستهون ؟!
أنت تقرأ
كيان مندس
Short Storyهل وحدتك تكونُ رحمة ام لا تكون ؟ نعمة أم نقمة و هل ستهون ؟! -تحتوي القصة على بعض المشاهد العنيفة التي قد تكون حساسة لبعض القراء.-