بسم الله
°°°أمسك الطفل الجزء الأول من قصة بعنوان (غزلان) قرأ الصفحة الأولى، كانت الصفحة تصف مشهد تعثر أحد الغزلان أثناء بحثه عن أخيه، فأغلق الطفل القصة وألقاها بعيداً ساخطاً وأخذ يبكي بحرقة متمدداً على الارض ضارباً اياها بقدميه ويديه يصرخ باستياء
《لماذا، لماذا تعثر الغزال لماذا! هذه القصة بشعة جداً جداً، يا له من كاتب قاسٍ لا يعرف الرحمة!》كانت أمه تراقبه واقفة عند الباب تهز رأسها تبتسم من تصرفه العجول وهي تفكر
《 يا لك من طفلٍ عجول قصير النظر يا صغيري، لم تقرأ سوى الصفحة الاولى فقط من الجزء الأول لسلسلة من ٧ أجزاء كل جزء به ٧٠٠٠ صفحة وحكمت انها قصة بشعة وكاتبها قاسٍ!》ذلك الطفل يشبهنا والقصة التي يقرأها تشبه حال غزة الآن
نحن نتصرف مثل ذلك الطفل تماماً عندما نرى أشلاء الأطفال في غزة فنصل الى استنتاج سريع: 《يا لها من حياة بائسة التي عاشوها، لقد انتهى امرهم في هذا العمر الصغير دون ان يحققوا احلامهم او يعرفوا طعم الحياة، يا لها من قصة حزينة بنهاية مأساوية لا خاسر فيها سواهم!》
لكن في الحقيقة نحن نقرأ صفحة الدنيا من حياة أولئك الأطفال وهي الصفحة الأولى فقط من سلسلة حياتهم المكونة من عدد أجزاء لا ينتهي إسمه الآخرة، وهذه عجلة منا وقصر نظر
قصة أولئك الاطفال هي دنياهم وأُخراهم معاً لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى إذا أردنا فهم القصة حقاً، قراءة الصفحة الأولى فقط (مثل مشاهد تعرضهم للقصف والقتل) ليست كافية للحكم على قصتهم، القصة واضحة عندما نقرؤها كاملة لا المشهد الأول فقط ..
هذه الدنيا أقل حتى من أن تُشكل الصفحة الأولى في قصة الإنسان فبضع سنوات يعيشها على هذه الأرض قد تكون ٦٠ سنة او ٣٠ سنة او حتى سنة واحدة مقارنة بمليارات بل بعدد لا محدود من السنوات في الآخرة تجعل الدنيا بالكاد تشكل السطر الأول من القصة لا أكثر .. فمن الحماقة والظلم أن نكتفي بقراءة السطر الاول ثم نظن اننا فهمنا كل القصة
أما اذا قرأنا القصة كاملة فإن هذا الطفل عندما استشهد بذلك القصف غادر الدنيا دون ألم إلا ما يشبه قرصة النملة مهما بدى لنا منظر مقتله شنيعاً(كما اخبرنا رسول الله عليه السلام) وانتهى من تعب الدنيا ونقصها بل نسيّ كل ما عاناه مهما كان مع أول قدم وضعها في الجنة (كما وصف رسولنا عليه السلام) وبدأ فصل السعادة بالنسبة له
بدأت الآن حياته الفعلية بكل ما يحمله النعيم من أوصاف فلا وجع هناك ولا يتم ولا خوف ولا بكاء ولا جوع ولا نقص ولا برد، إنه يعيش أفضل من أفضل أغنى أغنياء هذه الدنيا الآن، أفضل من ما كان والده سيوفر له لو عاش .. هناك يكفله نبي الله ابراهيم عليه السلام
وليس وحده بل سينتظر والداه على باب الجنة (كما اخبرنا رسولنا عليه السلام) فيشفع لهم ليجتمع شمله بهم فيتنعمون للأبد معه بأجمل تفاصيل الحياة كما شهدوا ذات يومٍ ألم مقتله
يظهر في الحقيقة أنه فعلياً لم يخسر باستشهاده شيئاً بل ربح كل شيئ حتى ما لم يحلم به يوماً، فكلنا سنموت على كل حال لكن الميت لن يحصل على ما يحصل عليه الشهيد
وعلى الطرف الآخر الصهيوني الذي قتله عندما يموت (اذا مات كافراً) فإنه لن يُقتل في جهنم مرة كما قتل الطفل مرة وانتهى الأمر بل مراراً وتكراراً كلما ذاب جلده من حرارة جهنم خُلق له جلد آخر ليكمل عقابه (كما ورد في القرآن)، سكنه جحيم، طعامه أسوء من أسوء فقراء ومتشردي الدنيا، لباسه وحده عذاب على عذاب، لا واسطة أمم متحدة ولا إعلام يقف في صفه، فلا راحة ولا أمل ولا فائدة للجزع أو الصبر، ألم وخوفٌ وعذاب إلى الأبد
ذاك الطفل أو أهله لو تمكنوا من الانتقام ما كانوا ليبلغوا معشار هذا ..
في النهاية يظهر انها قصة بنهاية سعيدة بل سعيدة جداً جداً لذاك الطفل ويظهر بوضوح أن رحمة الله كانت تحتويه من البداية وعلى مدار القصة
لنتذكر ان رحمتنا مجرد جزء من ١٠٠ جزء عند الله انزل واحد على الارض وبقي عنده ٩٩ (كما ورد في الحديث) لذلك من المستحيل ان نكون ارحم بهؤلاء الاطفال من ربهم، من خلقهم ووهبهم الاب والام والنفس الاول، من منحهم حياتهم واخوتهم وطعام كل يوم وصحة كل ثانية، من فاض عليهم بالضحكات واللحظات الحلوة اليومية مع اسرتهم قبل الحرب .. هم ينتمون لله اساساً قبل الانتماء لأهلهم او أنفسهم، الله من أرادهم فخلقهم وهو من اختار لهم الاب والام .. نحن لسنا ارحم بهم من الله مهما بدى ما يمرون له الان غير مفهوم للعقل البشري، ثقوا بالله كم يثقون هم به
ولا تنظروا للدنيا كأنها كل شيء ونهاية القصة
الدنيا لا تساوي جناح بعوضة فلا تعطوها أكبر من حجمها
ولا تكونوا كالطفل قارئ قصة (الغزلان)