3

3 1 0
                                    

مكتب "بركات"

انتفض من على كرسيه مضطربا، ورقة كانت موضوعة على مكتبه تحت مرأى عينيه المفتوحتان على مصراعيهما، نظرات قلق و خوف و وجه بائس، مهزوز النفس، ضرب مكتبه براحتي يديه، يفكر، لا يعرف ماذا يفعل...

________

كان صباحا آخر مشرقا، و العصافير تستمتع بالتغريد تحت ظلال الأشجار، إلا شخصا واحدا،
نورجهان، كانت متموضعة على كرسيها المصنوع من الفرو الناعم أمام نافذتها و ذقن وجهها المكتئب يستند على كلتا يديها المتشابكتين، تفكر، كيف يمكنها أن تغوي آدم بأنوثتها، كيف تجعله يلاحقها و يغرم بها، بل يعشقها حدّ الجنون، فحبها لآدم سرعان ما أنساها التساؤلات حول كلمات والدها... تغمض عينيها و تردد اسمه بين الفينة و الأخرى، ثم تتنهد تأففًا من الحال الذي وصلت إليه بسببه، ثم تتساءل في نفسها: ما الذي ينقصها كامرأة حتى يتجاهلها بهذه الطريقة الباردة، ثم تحادث نفسها بصوت مسموع قائلة: أنا لدي كل شيء، المال، و الجمال، و كذلك الحسب و النسب، من المفترض أن تكون هذه هي كل المعايير التي تقاس بها المرأة أليس كذلك يا نورجهان؟...

بدأت تصدر منها أصوات الشعور بالضجر و لكن هيهات أن تستسلم بهذه البساطة، خطرت ببالها فكرة، قالت ببسمة كبيرة على محيّاها:

- سأذهب إلى المكتبة، سأبحث عن كتاب ما قد يساعدني في جعله ينجذب إلي..

_________

المكتبة:

كانت المكتبة ضخمة جدا و مليئة بالكتب من جميع زواياها و متراصة فوق بعضها البعض بشكل مرتب و منظم.. شعرت نورجهان بالاحباط، لأنها لم تكن من النوع الذي يحب القراءة أو يهتم بالكتب، بل كانت ترى أن قراءة الكتب مجرد مضيعة للوقت و يشعرها بالملل، فكل اهتمامها كان عن كيف تكون جميلة و تحافظ على مظهرها الأنيق و نظافتها و ملابسها، فقد اقتصر اهتمامها على هذه الأشياء فقط،... أخرجت أول كتاب وقعت عيناها عليه متذمرة، قرأت عنوانه " من البداية حتى النهاية " من غلافه السميك، فأقرت بأنه ليس ما تبحث عنه و أعادته إلى مكانه...

مضت ساعة و مازالت تبحث و تقرأ عناوين الكتب على الرفوف السفلية دون جدوى تذكر....شعرت باليأس ثم تنهدت و قالت تخاطب نفسها:  لم يعد لدي حل آخر... نظرت إلى الأعلى...أحضرت سلما و ظلت تفكر بينها و بين نفسها هل تصعد أم لا... فهي كانت منذ صغرها تخشى المرتفعات و الأماكن العالية و لكن مجرد التفكير بآدم شجعها و أنساها رهابها من المرتفعات... ربطت فستانها حتى لا يشكل عثرة تحت قدميها ثم صعدت السلم درجة درجة، و كانت كلما تجاوزت ثلاث درجات تنظر نحو الأسفل حتى وصلت إلى منتصف السلم، نظرت تجاه الأسفل ارتجفت قدماها و شعرت بدوار أصابها فتمسكت بالسلم تعانقه و هي خائفة و لكنها بعد لحظات تشجعت و واصلت طريقها على مضض... و أخيرا وصلت و رمت قدمها على درج الرف و بدأت تبحث بين الكتب.. مضت نصف ساعة و هي تذهب و تجيء يمينا و شمالا بحثا عن مبتغاها و أخيرا حملت كتابا بعشوائية فقرأت عنوانه " كيف تكونين امرأة يحبها الرجال" فرحت و كادت تطير فرحا لولا أنها تذكرت أين تطأ قدماها فتكورت حول نفسها...استنشقت الهواء بعمق ثم زفرته بهدوء ثم جلست و بدأت بقراءة الكتاب مباشرة...

أغلقت الكتاب و السعادة تغمرها..

قالت: أخيرا اقتربت من هدفي، و لم يبقى سوى تنفيذ ما يقوله هذا الكتاب و بهذه الطريقة سوف أجعله يحبني و لا يرى غيري... ضحكت بنشوة ثم أكملت قائلة: انتظرني يا آدم .

وقفت مباشِرة بالنزول فلفت انتباهها كتاب ما فمدت يدها إليه و أخرجته، كان غلافه سميكا، أبيض ناصع قد امتزج قليلا بالغبار و الغريب فيه لم يكن يحمل عنوانا أو اسما لكاتبه أو دور نشر أو حتى موقعا ما يشير إليه، أرادت فتحه و لكنها لم تستطع كما لو أنه تم اغلاقه بالغراء اللاصق، لكنها سرعان ما تذكرت هدفها الذي جاءت من أجله، فأرجعته إلى مكانه مخاطبة نفسها: هم، لا يهمني، ليس هو ما أبحث عنه..هزت كتفها قائلة..

____________

نورجهان في غرفتها تقرأ الكتاب و تحاول تدريب نفسها على ما تقوله تعاليم الكتاب...

في الليل على مائدة العشاء اجتمع الأب بآدم، تطل عليهما نورجهان من الشرفة مبتسمة و هي تردد قائلة: سأفعلها، خطوتي الأولى... نزلت السلالم تتقدم نحوهما و هي تتمايل و تتبختر بفستانها الطويل و المزخرف، اقتربت منهما ثم ألقت التحية على الطريقة الارستقراطية.. تفاجأ والدها مما فعلته و كذلك آدم، فنظر آدم إليها نظرات سخرية و اشمئزاز جلست بهدوء و قدمت لها الخادمة الطعام بالسكين و الشوكة و بدأت تأكل بنفس الطريقة الإتيكيتية الاطالية القديمة... مازال والدها متفاجئا ينظر إليها و آدم لم يعرها أي اهتمام و باشر فورا بطعامه...

نورجهان: حسنا حان وقت الخطة الثانية... قالت في نفسها

بعد الانتهاء من طعام العشاء طلب والدها من الخدم تنظيف المكان و ازالة الصحون ثم نهض متوجها إلى مكتبه، بينما طلب من آدم الذي أنهى طعامه من بعده مباشرة أن يلحق به إلى مكتبه و هذا ما فعله...

بركات رمى الورقة التي كانت بحوزته  قبل قليل فوق الطاولة ليلتقطها آدم و يفتحها و يقرأ السطور بين طياتها فيتفاجأ هو الآخر و يصدم مما قرأ...

كانت الورقة عبارة عن رسالة موجهة إلى بركات من كبير عائلتهم يطلب منه فيها أن يزوج أحد ابنيه على الأقل و إلا فإن الميراث سينتزع منه و يمنح لشخص آخر من العائلة و يحمل دمها، كما أنه لا هو ولا أحد من أفراد عائلته يقبل بآدم كفرد من العائلة

و لنا من الحياة هدفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن