2

399 30 27
                                    


الألم ... أكثر شعور واضح ملموس، أكثر إحساس مرتبط بالمادة، ودمار المادة، بدمار الإنسان، دمارًا حقيقيًا مرئيًا ... أكثر شعور أمكن رؤيته بالعين المجردة، بالجروح، بالدماء والموت.

أكثر شعور وحّد مادية الجسد بمعنوية الإحساس.

الألم دائمًا ما كان اللغز المتجذر في أصول الكون الذي يربط بين المادة والمعنى، بين المفهوم التجريدي والتجسيد الواقعي ...  وذلك اللغز، كان قدرته.

مُسكن ألم ...مُهدئ، عقار قادر على التخفيف من وطأة القدرات الخارجة عن رغبات أصحابها، سواءً طبيعة القدرة، أو شدتها.

لا يمكنه القول أنه لم يحلم بشيء كهذا في طفولته ومُراهقته، هذا الخلاص البعيد جدًا.

لم يكن يفهم كيف تعمل قدرته بالضبط، وما زال عاجزًا عن الفهم تمامًا، إلا أنه أدرك ... شحنات وكهربائية جسده ودمه على المستوى الخَلوِي الدقيق، تختلف عن سائر المخلوقات ... عن سائر البشر، الأماثيست، السحرة.

في أحيان كثيرة شعر أنها تخيفه جدًا، وأنها أكثر من مجرد قدرة ... أنها خارج نطاق الفهم والمعرفة.

فمن ذا الذي استطاع توحيد تعريف دقيق للألم؟

البعض فكر بالألم ككيان مرعب، الآخر اختاره كفلسفة وعلامة حيوية للوجود، الشعور والحياة، والبعض بحث عنه واستلذ به ... وجزء لا بأس به ممن عرفهم ادعاه، عاشه كدور، واستجلبه لنفسه، راقب روي ذلك بأكمله من بعيد ... واستدار، التفت خائب الظن.

لا شيء من ذلك بدا سردًا حقيقيًا عن الألم، كلها كانت مجرد ردود أفعال انعاكسية عن كائنات يختلف تفسيرهم للأشياء عن بعضهم بعضًا ... وفي النهاية، كان الألم مجرد شعور، ولا شيء أكثر تغايرًا وإرباكًا من الشعور.

كثيرًا ما بحث، ليفهم، ليجعلها نقطة انطلاقة في محاولة لاعتناق قدرته ... لماذا امتلكها؟ لماذا هو دونًا عن غيره؟ شعر أنه موشك على فقدان هويته وأصوله إن لم يفهم المعنى من وراء هذا بأكمله، راودته أسئلة كثيرة جدًا.

لم يجد إجابة ... لذا، قرر دفن السؤال ومسببه، المُضي قُدمًا، والتخلي عن جزء من حقيقة قدرته، قاطعًا عهدًا على نفسه ألا يستخدمها أبدًا، مهما ساءت الظروف، مهما حصل، لن يجعل ذلك الجزء الممحي ذاتيًا من قدرته ولا حتى بطاقةً رابحة ... إن كان سيخسر دونه، فهذا هو، فليخسر، على أنه لن ينقض وعده ويخسر أمام نفسه.

أراد أن يبقى في نطاق السيطرة الذاتية ... ولم يعلم إلامَ قد تقوده قدرةً كاملةً جملةً وتفصيلًا، كل ما يعرفه، أن دمه كان يرتعش داخل شرايينه وأوردته، يغلي، يشعره أنه بركان ثائر ... يحرق ما حوله، يذيبهم بالألم، لكنه لا يحرقه هو ذاته. 

لم يعلم أحد شيئًا عن القدرة التي أضمرها ونسي أمرها لأكثر من خمس وعشرين عامًا، سوى والده، وكيلارد ... صديق الطفولة الذي راقبه يستسلم عن محاولة السيطرة ... وينسى حقيقة أنه تمثيل حي متنقل لكل فكرة ألم أو وجع غُرست يومًا في أي كائن.

مُتفرّد: أزرقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن