.بدأت كلماتي تنفذ ومخزون الفرحه صدأ , اي لم يكتفي بالانتهاء فقط حتى اعتراهٌُ الصدأ
,مجازرُ ترتكب , اطفالٌ يملئون ثلاجات الموتى واشلاء تجمعُ في اكياسِ باليهان الوضع مأساوي هنا , حيث لا انت ولا انا , نراقب , نشاهد, نبكي ونتفاجئ وصولاً الى تخطي هذه المشاهد المروعه ولكن هناك شعبٌ يتعدى المليوني شهيد منتظر , يعيشون هذه الاحداث بكل تفاصيلها , حتى تلك التي لم تصور او توثق .ان الوضع بات مؤلماً للحد الذي يخجل فيه الانسان من وصفه لان التعابير المجازيه لم تعد تكفي لمداركه الموقف .
تحت ركام منزلي فوق الاحجار وتحتها أناظر قطرات الماء وأبكي إنه المنزل الذي احتضن ضحكاتي، دمعاتي، نجاحي وفشلي والأهم من هذا كله احتضن عائلتي، عائلته عادية متوسطة الأفراد أب وأم أختان وأخ وجدة كنا نحتمي بهذا المنزل الصغير، لم يكن يتسع لأحلامي ,لم يتسع لي ، حتى هذا اليوم الذي أنا فيه أشارف عامي الثالث والعشرين ثلاثة وعشرون سنة دون وجهه مع العديد من الأحلام الوردية التي تقترن بعالم آخر أقل قسوة وأكثر جمالا.سأحدثكم عن شبح القرية ,شبح ذو وجهان ستفهمون وجها منهم والوجه الآخر سيبقى سرا مؤلما أتجرعه لوحدي حتى الممات فلا أنا ساُعرف ولا أنتم ستكترثون ، إنه الواقع المر الذي حتى بعد هدم منزلي سأحمله إلى الشوارع, إلى خيمة ,ولربما إلى الجنة , فنحن هنا لسنا إلا أرقاما يشاهدها العالم بانبهار
أيكون من الدراميي جدا أن أقول أنني فقدت كل عائلتي ؟ ولم يتبقى منها سوى جدتي مبتورة القدم عجوز قاربت الثمانين عام أكبر من دويلة العدو أجوب بها ركام الشوارع خاطفة نظرات متبدلة من اللاشعور رغم الحزن والقهر.وكم مرمن الوقت منذ شرارة النصر الأولى حيث كنا نظن ونظن وخاب ظننا....
ان الحزن يمر بثلاث مراحل قاسية جدا ,بداية بتلقي الصدمة حتى استيعابها ثم اعتيادها وإن القسوة ,كل قسوة تكمن في اعتيادها فلا موت يوجع ولا مجازر تبكي ,إنني في حالة لا أظن أنها توصف فأنا محاطة بكل المشاعر السيئة والسلبية ,ولكنني أتسمُ بالفراغ بتُ مكسورا, فارغا ,قاسيا ولاعلم ليه عم أعلن الحداد على عائلتي؟ على شعبي؟ أم على نفسي؟ لن أضيف إن كنت سأحزن على ضمائر العرب فقد مضى وقت طويل منذ أن فقدنا إيماننا بكلمة عرب ..بات كل شيء هنا يضمحل ملامح الحياة ،الأمل، الأكل، البشر حتى سراديب الطيور رحلت لم أرى حتى الآن سوى قطة ونصف الأولى عرجاء والثانية أشلاء, أسند جدتي حتى مراكز الإيواء لاؤمن عليها ثم أعود إلى ذات الجدران المنكسرة، المدمرة، المحترقة.
هل سبق أن شعرت بالخجل من كون أحد أفضل منك حالا؟ أنا أجل, أخجل من جدران منزلنا المدمر فقد أصبحت موضع الملكهِ وأنا موضع الخدم ,من شدة أنكساري و برودة أعصابي ,احتراق قلبي وصولا إلى تمزق أفكاري ,أجل لقد فقدت القدرة على التفكير أصبحت أملك حبالا ممزقة ,محروقة ,مقصوصة ولكن لا فكرة يحملها عقلي في جعبته ,لا فكرت لدي، لا حلم ,لا أمل لا شيء في عقلي ولاجيبي أحمل أوراقا بللها المطر وأقلام يتخللها الحزن تساعدني على استعادة المشاعرالتي ذابت من شدة الحزن والقهر إنها أوقات عصيبة تسمع فيها صرخات النساء والأطفال وحتى الرجال ذوي العزيمة , انفجارات، بكاء، ودماء تصبغ الطرقات .
اُلملِمُ ما تبقى من أثاث منزلي ، غرفتي ,ثلاجاتنا اُلملم واجمع حتى أملأ اللا شيء , فلا شيء يجمع , لا شي يؤكل لا شيء ابداًيقيني برد الشتاء القارص ولا طعام يملئُ معدتي المهترئهِ من الجوع .