Entro:مقدمة

3.2K 151 497
                                    

لم أشأ إلقاء نفسي من الأعلى...
أردتُ فقط أن أحلق!

مدريد / بقايا روح على الجسر...

ᚔᚔᚔ

من الغريب حقا أن يضحك المرء في أكثر لحظات حياته وجعًا!

ترنحت «آمبرا» ضاحكة، صوت قهقهتها الناطق بالعذاب يعلو فينافسُ ولولة طيور النورس و زعيق أشباح السُّفن البعيدة...

"أيُّها العالم العفِن! تبا لك!".

صاحت بجنون... و أشهرت إصبعها الأوسط في وجه صور مبهمة لا أحد يبصرها سواها، صورٌ حبيسة في عقلها المهترئ، السيجارة بين أسنانها المشدودة تكاد تنفذ، و المياه الرمادية بالأسفل تناديها، ساقاها المتأرجحتان من فوق الجسر تسبحان مع تيار الهواء، و الكحول الذي أسرفت في تناوله قبل لحظات يسبح بعروقها مع الدم...

ها هي تعود إلى الدم اللعين الذي تحمله... و لا تعرف لمن يعود؟ دحرجت زجاجة الخمر بعيدًا بحنق، و استرجعت ثانيةً كلمات السيدة البدينة «ديبي» :

"لا أعرف شيئًا عن والديكِ آمبرا، للمرة الألف أكرر أن رجلاً غريبًا أحضركِ إلى الملجأ و لم يخبرني أي شيء عن أصلكِ و عائلتك!"

"هل أنتِ واثقةٌ أنه لم يترك إسمه أو عنوانه؟".

"كل ما قاله أنه يُدعى فرانكو".

و كان ذلك ما تسمعه آمبرا منذ إثنتين و عشرين سنة في كل حوار عقيم عن أهلها مع صاحبة الملجأ...

تأملت انعكاسها المرتجف في صفحة النهر أسفلها، أطلقت ضحكة عصبية أخرى عقب ما تذكرته، لتفاجأ بدمعة لعينة تسافر على طول خدها، هل من العدل أن تعيش فارغة إلى هذا الحد؟ سئمت آمبرا البحث في فائدة عائلتها طيلة سنوات، عاشت سنواتها الثمانية عشر في ملجأ، كانت تشعر دائما أنها فرع بائس مقطوع... يبحث بيأس عن جذعه ليجد سببًا كي يستمر على قيد الحياة! لكنها لم تفلح، و بات الفرع الآن شاحبًا أكثر من ذي قبل، يتيبس فيجف من الحياة، و يقسو كل يوم أكثر، منتظرًا لحظة يدوس عليه القدر أقوى فيتهشم!

لا يتعلق الأمر بالمتنمرين الذين يطالعونها بخوف أو نفور كونها غريبة الأطوار في نظرهم... ترتدي الألوان الداكنة... و غالبا الأسود، تقص شعرها الفحمي باستمرار حتى لا تتذكر أنها ٱنثى ناعمة... و تجد نعيمها حين تدخن سجائرها قرب هرتها السوداء «كليوباترا»... و تغرق أصابعها في فروها الأملس... أو حين تحتسي الخمر... و تتعاطى حبوب المهدئات التي تضمن لها هروبًا ممتازًا من الواقع الأليم...

اليُتم... الوحدة... التنمر... و العيش وسط الأحياء الشعبية... لا يشجع فتاة مثلها على الحياة، لكن آمبرا تحيا... تحيا بعناد... و فقط بفضل عقاقيرها العظيمة و خمرها المبجل!

كهرمان و زمردحيث تعيش القصص. اكتشف الآن