حكاية شحّات

583 23 11
                                    


بقلم نهال عبد الواحد

لأجل عينَيكِ أحببتُ الهــوى   
ويا ويل مَن سقط في الهوى! 
هل سبح فيه أم غرق وانتهى

أصواتٌ وصخبٌ متداخلٌ ومألوفٌ وسط النّهار، خاصةً لو كانت في منطقة شعبية، أصوات المارّة والبائعين، وبالجوار طرقات لعبة (الدومينو) وتقليب الأكواب الزّجاجية بمقهًى شعبيّة... ثمّ صوت فرقعات الزّيت حين لقائها بكُرات (الفلافل) وبالإناء الآخر حين احتضان شرائح البطاطس بالزّيت... كلّ هذا مختلطًا بصوت الزّبائن منادين عليّ «يا شحّات! يا شحّات!» مع عدد من الطّلبات، مَن يريد الفول، (الفلافل)، البطاطس، أقراص عجّة أو الباذنجان...

لكن فِكري صِدقًا في مكانٍ آخر، حتى ويداي تعملان تلقائيًّا بينما أقلي البطاطس و(الفلافل)... اليوم يوم مميّز، ليس لأنّه عيد الحب الّذي هبط علينا لا أدري من أين؟! فاحتلّ فِكرنا وصبغ أسواقنا باللّون الأحمر لمختلف الأشياء مع المزيد من الورود الحمراء والدُّمَى المحشوة...

بل لأنّه ذكرى خاصة، هو أول يوم ألتقي بغرامي، أول مرة رأيتُها وأعجبتني... وبعدها أسابيع أحاول التّعرّف عليها، تبعتُها أسابيعًا أخرى أحاول التّقرّب منها ثمّ أسابيعٌ بعدها وقد قررتُ خِطبتها... لم يكن الأمر بهذه البساطة، فوقتئذٍ كنتُ أعمل في مطبخ أحد الفنادق وقد كثّفت فترات عملي لأجمع ثمن خاتم الخِطبة، حتى جاء نفس اليوم من العام التّالي وتمّت خِطبتنا.

كنتُ مبتهجًا بلقائنا متسع الابتسامة معبّرًا عمّا ادّخر قلبي من حب غرامي، ولم تختلف عنّي في مشاعرها وسعادتها بل رأيتُ دمعة الفرح تسبق ابتسامتها الصّادقة، رقصت على خدّها فمسحتها خِلسة ثمّ تلامست كفوفنا مصافحةً لتزيد من نقل مشاعرنا...

كان كلّ شيء جميل حتى بُترت ساقي في حادث قطار لم يكن في الحسبان...

نظر الشّحّات للأسفل نحو بنطاله المغطِّي لساقه الاصطناعي بينما يده تجمع (الفلافل) بمقصوصةٍ كبيرة ثمّ بدأ بتعبئة وحداتٍ منها حسب مراد الزّبائن وقد تبدّلت ملامحه وغطَّى عينَيه طبقة رقيقة من الدّمع متذكّرًا آلامه ومشاعره الأليمة... كم تمنّى الموت حينئذ! من شدّة الألم وكمّ اليأس الّذي اقتحم حياته فجأة! ثمّ عقبه تسريحه من عمله من ذلك الفندق لأنّه لم يعد يليق بهم رغم أنّه كان يعمل بالمطبخ!

أكمل حديثه الدّاخليّ رغم استمرار عمله: كنتُ شديد الحزن دائم الصّمت، وإن تحدّثتُ كنتُ شديد الغضب والثّورة، حد الفظاظة والوقاحة أيضًا... لدرجة أن طردتُ غرام كلّما زارتني بدل المرّة مرارًا وألقيتُ خاتم الخِطبة خاصتي في وجهها صارخًا فيها أن لا أريدها!

لكن العجيب أنّها لم تكلّ أو تيأس وكانت تعاود المجيئ بإصرارٍ على وجودها جانبي ولو رغمًا عنّي... كنتُ أضعف ما يكون وخشيتُ أن تستغل ضعفي، لكنّها احتوتني بنجاحٍ متمسّكةً بي حتى تعافَيتُ من أزمتي وإن كنتُ قد فقدتُ ساقي للأبد...

(شحّات الغرام) قصيرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن