" القصة الثانية - رحــيــل "

52 6 8
                                    

_ أسعيد وأنت بمفردك الآن؟ هل هذا ما أردته؟ أن يكرهك الجميع!، لم أرى شخصاً واحداً حزيناً على موتك، من كانوا هنا منذ قليل، أتوا فقط من باب الواجب لا أكثر، أنت لم تضع فى حساباتِكَ هذهِ اللحظة اليس كذلك؟ وإلا ما كانت لِتُصبح هذه حياتك!، ما كنت لتترك صلاتك وتبعتد عن ربك وتقصر فى واجباتك هكذا، ما كنت لتعامل كل من حولك بهذا السوء والجفاء، بالتأكيد ما كنت لتفعل أى من هذا لو وضعت فى حساباتِكَ هذهِ اللحظة التى تكون فيها وحدك فى قبر مُظلم موحِش وأنيِسُك الوحيد هو القرآن ودعوة من قلب مُحب تغفر لك عند ربِك، مهلاً! أنت هاجِر للقُرآن، قاطع للرحم، لم تفعل خيراً لأحد قط حتى يتذكرك بهِ، لم تترك إلا ذكريات سيئة فى ذاكِرةِ كل من عرِفك، حتى أبنتك! حتى أنا يا أبى لم تترك ليّ شيئاً جيداً اتذكرك بِه.

بدء المطر بالهطول، نظرت لِقبره نظرةً خالية، لستُ حزينة ولا سعيدة! لا أشعر بأى شىء سوى الشفقة! هو يُسأل الآن وحده! هل سيُجيب؟ لطالما كان بعيداً عن ربه، لم أرهُ يصلى يوماً، ولا يقرأ القرآن، كان يَسُب الدين كثيراً، ماذا سيقول لِربه؟ ما عذره؟ أى حُجة قوية ستغفر له؟ لماذا ينسى الإنسان أنه فى النهاية سيقف بين يدى ربه ويحاسب على الصغيرةِ والكبيرة؟ اعتقد لو وضع المرء تِلك الحقيقةِ نصب عينيه لتغيرت الكثير من الأشياء.

بقيتُ واقفةً تحت المطر أدعو له، لم يعاملنى جيداً ولم احبه يوماً لكنه يبقى أبى فى النهاية!، توقف المطر بعد وقت طويل غابت معه الشمس وبدء الليل بإسدال ستائره، أصبح المكان مُوحِشاً لدرجة تُقشعر البدن وتقبِضُ القلب، يجب أن أرحل الآن!، قطفتُ وردةً حمراء من تِلك الورود المزروعةِ عند قبر أمى ووضعتها على قبرِه، اسأل الله أن يغفر له.

عدتُ للمنزل بعدما أوصيت عم " لطفى " بزراعة الأشجار حول قبره والأهتمام بالورود عِند قبر أمى.

وقفت فى صالةِ المنزل، أجول بنظرى فى أركان تِلك الشقةِ الواسعة، ما هذا الهدوء؟ لم أعتد البقاء بمفردى هنا أبداً! ألن يصرخ الآن ويوبخنى حتى أحضر الطعام! مهلاً! هو لن يوبخنى مرةً أخرى! سأفعل ما أشاء وقتما أشاء، لن استيقظ باكراً حتى أُحضر الفطور، سأفتح كل منافذ المنزل صباحاً لـتدخل أشعة الشمس الدافئة دون أن يصرخ بوجهى، سأفعل كل شىء دون توبيخ من أحد، سأعيش حياتى كما أريد ليس كما يريد هو!

ظننتُ أنى سأكون سعيدة، فأنا لم اعد مُقيدة، يمكننى فعل كل ما أشاء، يمكننى العيش بِحُرية، لكن! أنا افتقده.
كنت أناديه عندما أحضر الطعام وكأنى لم أكن عند قبرهِ ادعو له، توهمت أكثر من مرة أنه ينادينى! أنا حقاً افتقد صوته حتى لو كان يصرخ فيَّ، أفتقد رؤيته! افتقد كل شىء كان يفعله، أنا أريده بجواري!

لم أكن أكرهُه، لم أكرهُ يوماً! أنا فقط كنت غاضبةً من معاملتهِ ليّ، لكنِ أُحبه! أنا أُحبه يا الله! أُحبه حتى لو كان يوبخنى ويصرخ بوجهى دون أن أفعل شىء، أحبه رُغم كل القيود الذى كان يفرضها عليّ، كيف يمكن أن يكرهَ المرء والِدَه! ليتهُ يعود، يعود فقط وأنا سأفعل كل شىء يريده ولن اغضب وسأتقبل كل شىء بإبتسامة، أنا خائفة ووحيدة بدونك يا أبى! أنا أُحِبُك وأُسامِحُك على كل شىء.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jul 26 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

عـشـوائـيـات ✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن