الفصل الثامن
طرقات على الباب جعلت كيان وشهد ينظرون لبعضهما بتوجس وهم يجلسوا حول سفرة العشاء يشاركهم والدهم عثمان الذي هتف عابساً.......
يأمرهم بغضب...
"ما واحده فيكم تقوم تتزفت....... تفتح الباب...
ولا اقوم من على الاكل افتحه......"
اومات شهد بانصياع ناهضة... ثم اتجهت الى
الباب وفتحته....
اتسعت عينا شهد وهي تبصر اخيها يقف أمامها.. ينظر لها نظرات مبهمة غير مقروءه......مما جعلها
تتقدم منه هامسة بخوف.....
"اي اللي جابك هنا ياحمزة..... انا اتصلت بيك الصبح وقولتلك ان ابوك في البيت......"
رد حمزة بحسم.....
"ماهو عشان هو في البيت انا جيت....."
همست شهد من جديد بحنق أشد.....
"انت ناوي على مشاكل يعني..... مانت عارفه..."
انتبهت شهد أخيراً لمن تقف خلف ظهر اخيها..
تسمرت مكانها مشدوهة.... عاقدة الحاجبين فاغرت الفم.... ثم زاحت اخيها جانباً وهي تبصر الفتاة الواقفة خلفه بدقة أكبر.... همست وهي تتفحصها
بعيناها من أول رأسها حتى اخمص قدميها وقد انتبهت أيضاً للحقيبة بين يداها مما جعلها
تسأله ببطئ.......
"مين دي ياحمزة......"
أشار حمزة بيده بأن تبتعد وهو يجيب
ببرود....
" ماهو ده اللي جبني.... وسعي خليني اعدي...
عشان نعرف كلنا مين دي........ "
لم تتحرك من مكانها بل سألته بعدم
فهم....
"نعرف من مين بظبط؟......."
"من ابوكي....... ماهي دي تبقا قمر بنت عمتك اللي
انا معرفش اسمها إيه لحد دلوقتي....."أشار حمزة على قمر التي اخفضت راسها بحرج ممزوج
بالصدمة من كونهم أولاد خالها عثمان !!...
صدرت من شهد صيحة استنكار...
"انت بتهزر ولا شارب حاجة........"
زم حمزة شفتاه مستهيناً.....
"ياريت.... حتى الصدمة تكون اخف من كده....."
ثم دلف من باب الشقة وأشار لقمر بيده قائلاً
بشكلاً مسرحي ساخر.......
"اتفضلي ياقمر وقفة ليه... دلوقتي هتقابلي عثمان الدسوقي.... أبونا.... اللي هو خالك زي ما بتقولي
إتفضلي......"
تخطت قمر عتبة الباب بخطوتين وهي تحني رأسها
بحرج وشعور الرهبة والاضطراب يموج بحلقها يكاد يخنقها......
فسحبت شهد اخيها جانباً...وهتف من
اسفل أسنانها.....
"فهمني لقتها فين دي... وبنت عمتنا إزاي....."
ثم القت نظرة عابرة على قمر معقبة بشك.....
"وبعدين مين عمتنا دي... احنا ملناش عمات.....
دي شكلها نصابة......"
لوى حمزة شفتاه هازئاً.....
"يعني لو نصابة هتطلب تقابل ابوكي بالاسم.. ونفرض انها نصابة.... هتاخد إيه مننا....."
مجدداً نظرت اليها وعادت الى اخيها مضيفة
بعدم ارتياح.......
"معرفش بس مش مطمنة.... يعني إيه بنت عمتنا..."
"دلوقتي هنعرف اتقلي......" قالها حمزة وهو يغلق الباب ويشير لقمر بتقدم....
ظهر عثمان الدسوقي أمامهم.......وواجه ابنه بغضب
وبنظرة سوداء وكانه من الد اعدائه.......
"اي اللي جاب هنا يالا....انا مش طردتك...."
بنظرة عدائية قال حمزة.......
"انا جايب اسلم الامانه لأهلها...وماشي علطول...."
"امانة إيه......ومين دي......"أشار عثمان على قمر
باستعلاء.....
فالقت شهد نظرة على اخيها تأكد حديثها السابق
عن قمر.........بينما خرجت كيان وهي تقترب من
شهد هامسة بتسأل......
"في اي ياشهد....ومين دي......"
ردت شهد ممتعضة.....
"دي واحده نصابة..... بتقول انها بنت عمتنا....."
تشدقت كيان بصدمة وهي تنظر للفتاة
بقوة.... "عمتنا مين ؟!...."
هزت شهد كتفيها بحيرة وهي تتابع مايحدث....
أخيراً رفعت قمر عينيها وتوجهت للحديث لعثمان
الدسوقي والتي قابلته عدت مرات في صغرها
وفي فترة المراهقة....وآخر مرة راته بها كانت
منذ خمس سنوات في عزاء والدها.....
"انا قمر سلامة ياخالي.... بنت وفية الدسوقي... أختك..... معقول مش فاكر أختك....."
تاملها عثمان بدقة أكبر...فقفزت صورتها القديمة
في ذاكرته......فكان غير مرحب وهو يقول....
"قمر... آه..... افتكرتك......وامك عاملة اي ياقمر..."
بلعت غصة مختنقة بالبكاء وهي تجيب
بانكسار.......
"أمي...... امي ماتت من تلات شهور ياخالي....."
ادعى الدهشة وتأثر ببراعة مردداً....
"بجد...... الله يرحمها....."
شعرت قمر بوخزة في قلبها وهي تقول
بحزن......
"انا كلمتك وقتها وعرفتك... بس حضرتك مجتش حتى تاخد عزاها......"
ردد عثمان مبرراً......
"مشاغل ياقمر.... مانتي عارفه الدنيا مشاغل...."
نظروا الاشقاء الثلاثة لبعضهما ثم عادوا يتابعوا
هذا المشهد المخزي والمؤثر.......والذي زاد
بغضهما على ابيهم....بل نزل من أعينهما أكثر مقاماً
واحتراماً........
احتد صوت قمر تدريجياً بعد أسلوبة المجرد
من الانسانية ونظراته الخالية من اي تعاطف
معها او حزن لأجلها......
"كان الله في العون ياخالي..... بس حتى المشاغل
دي منعتك تاخد عزاها... ونفس المشاغل خلتك تبطل تبعتلها الشهرية بتاعتها.... حصتها من العمارتين اللي ورثتوهم سوا من جدي الله يرحمه......."
اتسعت اعين الأشقاء الثلاثة بصدمة.....
فقال عثمان ببرود.....
"بطلت ابعت الشهرية لانها باعت حقها ليا من
عشر سنين....."
صاحت قمر مهاجمة.......
"محصلش... امي لا باعت ولا اشترت منك حاجة...
وانا معايا الاوراق اللي تثبت ده......"
تافف عثمان هاكماً.....
"هو انتي جايه لحد هنا عشان تطلبيني بورث أمك......."
اومات براسها بصلابة.....
"دا حقها وحقي من بعضها....... وصاحب الحق
على حق......"
سالها عثمان بنظرة سوداوية..... "يعني إيه......."
قالت مهاجمة بنظرات كاسحة....
"يعني انا عايزة ورث امي الشرعي في العمارتين..."
قال عثمان ببرود.....
"وان قولت ملكيش حاجة عندي....."
قالت قمر....بعيون تقدح شرراً وصوتٍ مهدداً......
"هرفع عليك قضية وهتهمك بتزوير ..... لانك كاتب العمارتين بأسمك ومزور بيع حق امي فيهم... ودا اقدر اثبته بسهولة...... لاني معايا صورة بالأوراق الأصلية..... دا غير المحامي اللي هيترفعلي عن القضية واللي معاه كل الأوراق اللي هيحتاجها
ولي بيها هيجبلي حقي ويسجنك.... "
انقلبت ملامح عثمان مائة وثمانون درجة ببراعة
وهو يقطع المسافات بينهما قائلاً بتملق......
"تسجني خالك ياقمر......اخص عليكي......"
اندهشت قمر ونظرت اليه بتوجس....لتجده يتابع
حديثه وهو يعانقها بحفاوة......
"فلوس إيه وورث إيه......انا أهم حاجة عندي اني شوفتك واطمنت عليكي....تعالي ياحبيبتي في حضني تعالي......."
ثم أمر بصوتٍ حاني وهو يربت على ظهر
قمر.....
"شهد....حضري العشا لبنت عمتك.....دي جايه من سفر..........اكيد جعانه......"
ثم ابعدها عن احضانه برفق قائلاً بتملق....
"انتي تاكلي دلوقتي وتغيري هدومك دي وتدخلي
تستريحي وبكرة ان شاء الله هنتكلم تاني...عشان
اعرف اللي ليكي ولي عليا اتفقنا......"
ثم استدار ناظراً الى ابنه قائلاً بإبتسامة
مصطنعة....
"أدخل ياحمزة انت كمان......كل مع بنت خالك...وبات
في اوضتك...وبلاش سرمحة......الدنيا ليل يابني..."
ابتعد عثمان الدسوقي داخلا غرفته مغلق على نفسه
بهدوء...تارك العيون تحملق في الفراغ والكل يشعر
بالقلق من هذا التغير الجذريّ....والذي يُدعى للريبة
من القادم ؟!.....
همست شهد شاردة...... "هو في ايه بظبط......"
مالت عليها كيان وقالت بشك....
"ابوكي اتجنن........او بيخطط لحاجة......"
نظرة شهد للفتاة بشفقة....
"أكيد بيدبر حاجة للبنت الغلبانه دي......"
همست كيان بهجوم....
"غلبانة ؟!......دي سهونة...شوفتي فضلت سكته قدامنا إزاي وعملت فيها مكسورة الجناح واول ما شافت ابوكي طلعت فيه....البت دي مش سهلة لازم
نتجنبها لحسان تكون ناوينا على نية...."
هزت شهد راسها معترضة بطيبة
قلب.....
"لا ياكيان....حرام عليكي...شكلها غلبانه....."
اصرت كيان وهي ترمق اختها بجزع....
"ولله مافي حد اهبل وغلبان غيرك....اسمعي مني النوع ده بيفضل يتمسكن لحد مايتمكن...انا عرفاهم......."
تململت شهد زافرة.....
"ماعلينا.....انا هروح احطلها تاكل دي مهم كان ضفيتنا......"
دلفت شهد للمطبخ....ودخلت كيان الصالون تشاركهم
الجلسة......فكانت قمر تتوسط الاريكة بينما حمزة
يجلس على المقعد المجاور يفرق في عيناه
بضيق......جلست كيان جوار قمر وقالت
بإبتسامة صفراء.....
"منورة يابنت عمتي......."
ردت قمر بحياء...... "بنورك........."
عرفت كيان عن نفسها والباقية
بعفوية...
"انا كيان أصغر واحده فيهم وده حمزة اكبرنا
وشهد اختي الوسطانية......"
اومات قمر بإبتسامة هادئة ولم
تعقب.....فسالتها كيان بتطفل....
"هو انتي معندكيش أخوات....."
هزت راسها بنفي..... "لا معنديش......"
سالتها كيان مجدداً..... "طب وابوكي فين....."
ببحة حزينة اجابتها..... "مات من خمس سنين......."
ارجعت كيان رأسها ثم ازداد فضولها......
"البقاء لله.......هي عمتي كانت حلوة زيك كده...."
ابتسمت قمر بحزن...... "احلى كمان......."
اومات كيان قائلة.....
"ااه ربنا يرحمها...كان نفسي اشوفها وقعد معاها....
يلا النصيب........"
تدخل حمزة بملل وهو يرفع عيناه
عليهم......
"بطلي رغي ياكيان...وقومي شوفي أختك
بتعمل إيه......."
برمت كيان شفتيها ناهضة على مضض ثم سألت
قمر سريعاً متذكرة....
"ماشي.......قولتيلي اسمك إيه......."
اجابتها بهدوء........ "قمر......"
اردفت كيان بنظرة مستهينة.....
"قمر ؟!......مش اوي يعني........"
عندما ابتعدت هزت قمر رأسها باستياء
معقبة....
"هو انتوا كلكم كده......."
سالها حمزة بعدم فهم....... "كلنا إيه....."
ردت مقتضبة..... "خفاف الدم........"
اوما ممتعضاً.... "وراثه....... ورثنها اكبر عن جد...
عقبالك.... "
لم ترد بل سالته بهمساـ... "هو ابوك راح فين........"
رد بملل...... "دخل اوضته....."
"ليه......"
بملل أكبر..... "معرفش روحي اسأليه......"
مطت شفتيها واكتفت بالصمت.....
"شكراً......"قالتها بخجل......
فسالها حمزة..... "على إيه......"
ابتسمت بحزن...قائلة بامتنان.....
"على كل حاجة عملتها معايا لحد دلوقتي......بس صدفة غريبة.......ان اللي ينجدني في طريق مقطوع
زي ده هو نفسه....يبقا ابن خالي....."
"الصدفه بتيجي مرة واحده....ساعات حلوة
وساعات......"
ترك كلامه مفتوح مما جعلها تساله
منزعجة...."تقصد إيه......."
بعينين شاخصة سالها وهو يستشف الإجابة
من بنيتاها المنطفئ بريقها......
"ولا حاجة.......بس انتي فعلاً معاكي أوراق تثبت
انك ليكي ورث في العمارتين......"
اكدت بثبات.... "ايوا طبعاً يعني بضحك عليه......."
من زوايا واحده ابتسم حمزة قائلاً بغرور.....
"انتي تقدري تضحكي على الناس كلها إلا اتنين..
انا وهو..........."
تدخلت شهد قائلة بعد ان ظهرت
امامهما....
"العشا جاهز..........اتفضلي ياقمر......يلا ياحمزة
انا حطتلك معاها..... "
نهضت قمر من مكانها واقتربت منها
بحرج.... "شهد مش كده....."
اكدت شهد وهي تمد يدها لها
بترحيب...
"آه......نورتينا ياقمر......"
بادلتها قمر السلام معتذرة لها وحدة....وهي تشعر بالارتياح والالفة معها عكس كيان وحمزة
المتحاملا عليها بزيادة من أول لقاء بينهما....
"بنورك....معلش أزعجتك في وقت زي ده....."
ربتت شهد على كتفيها قائلة بمحبة......
"حبيبتي دا بيت خالك...يعني بيتك.....يلا لحسان الأكل يبرد......."
انها طيبة وتشع ذوق ورقي....وكانك تقف امام ملكة
محبوبة......تحب ذاك وتعطف على هذا......وترضي
ذلك....من نظرة واحدة وعدة كلمات تشعر إنك
تعرفها منذ زمن........
قالت قمر باعجاب وهي تجلس على مقعد حول سفرة الطعام........
"ريحت الاكل حلو اوى تفتح النفس....."
جلس حمزة كذلك وافصح بمحبة.....
"انتي مش بتاكلي من ايد اي حد...انتي بتاكلي
من ايد الشيف شهد الدسوقي......."
ابتسمت قمر بدهشة سائلة....
"بجد.....انتي طباخة.........عندك مطعم......"
اجابتها شهد ببسمة لطيفة....
"آآه حاجة بسيطة كده......اكيد هورهولك
في يوم........"
"وانتي بقا معاكي شهادة إيه......"وضع حمزة معلقة من الأرز وهو يسالها هذا السؤال.....
فقالت قمر بحرج.....
"معايا دبلوم.......وكنت شغالة في مكتبه...."
جلست شهد جوارها
قائلة بود...
"شكلك مثقفة وبتحبي القراءة....."
قالت قمر بجذل ممزوج بالحرج....
"اوي أوي بحب الأدب و روايات الرومانسيه عموماً....وكنت مبسوطه بشغلي في المكتبه.....بس النصيب خلاني اسيبها واجي هنا....عشان ادور
على حقي... "
تغيرت ملامح شهد قليلاً وكذلك امتقع وجه
حمزة فبلعت قمر ريقها قائلة بحرج.......
"هو انتوا زعلانين اني جايه اخد حق امي....."
هزت شهد راسها سريعاً بنفي...
"لا طبعاً.......انتي لسه قايله ده حقك......"
لمعة عينا قمر بتمني وقالت......
"انا محتاجة الفلوس أوي.....نفسي افتح مكتبه وديرها بنفسي........"
تدخل حمزة متحدثاً بقتامة.....
"كلنا محتاجين الفلوس مش انتي بس...الفرق بينا وبينك انك معاكي الكارت اللي تلعبي بيه.....ام إحنا
فاحنا قعدين نتفرج وبس......"
سالت قمر بحاجب معقود
ببراءة...
"مش فاهمة قصدك..... "
تدخلت شهد بينهما بعدم رضا.....
"حمزة.....مش وقته الكلام ده....احنا على الأكل..."
نهض حمزة من مكانه متشنجاً.....
"انا شبعت....تصبحوا على خير......."
تابعت قمر ابتعاده عنهم بعينين مشدوهتين
بينما سألت شهد........ "هو ماله......."
ردت شهد باختصار...... "مشاكل مع أبوه......"
قالت قمر بريبة.....
"واضح ان خالي عثمان صعب......"
بابتسامة باهته اجابتها....
"بكره تعيشي وسطنا وتعرفي....."
هزت قمر راسها معتذرة......
"لا انا مش هطول هنا....انا هاخد حقي وهرجع
مكان ما جيت......."
غمغمت شهد متيقنة من القادم.....
"ياريتها سهله كده......"
سالتها قمر.... "بتقولي حاجة......"
هزت شهد رأسها ....
"لا ولا حاجة........كملي أكلك بالف هنا......."
.......................................................................
زفرة كيان بغل وهي تمسك بين يداها وسادة ولحاف.....
"انا مش فاهمة اشمعنا انا اللي حكمتوا عليا
اديها اوضتي........."
تنهدت شهد قائلة برزانة......
"أهدي ياكيان دي فترة مؤقته....لحد مانشوف
ابوكي هيعمل معاها إيه......."
قالت كيان بغيظ.....
"واشمعنا انا ياشهد......ماتاخد اوضتك أنتي....."
اتجهت شهد الى الفراش بعد ان بدلت
ثيابها..... بقميص قطني مريح......
"اوضتك صغيرة وسريرك كمان.....لكن هنا الاوضة اكبر وسرير كبير وهياخدنا احنا الإتنين......"
هزت كيان راسها بتزمت....
"مش موافقة اسيب اوضتي واجي ابات معاكي هنا......."
اقترحت شهد بملل.....
"تحبي اخرج انام على الكنبة...وتنام انتي هنا...."
تاففت كيان..... "يسلام وتنامي في البرد....."
ابتسمت شهد وهي تهز راسها بتعب....
"انا تعبت معاكي.......تعالي نامي جمبي وسكتي.. "
استقلت كيان جوارها على الفراش..... وقد خلعت شهد السماعة وارتاحت على الفراش واطفأت النور........ "شهد......"
سمعت شهد كيان تتحدث بصوتٍ يصل لها
بشكلاً منحفض جداً....
"تفتكري ابوكي هيعمل إيه معاها......"
ردت شهد بفتور....
"هيديها قرشين ويمضيها على تنازل......"
تشدقت كيان في الظلام.....
"قرشين إيه....العمارتين ويساوى ملايين....."
هزت شهد رأسها مؤكده وهي تقول بيقين.....
"عارفه.......بس تفتكري ابوكي هيديها حقها...كان ادانا
ورث أمك.....اللي مطولناش منه حاجة.....كان صرف
علينا ولبى احتيجاتنا زي اي اب مقتدر بيعمل مع ولاده....ابوكي سبنا يامولايا كما خلقتني......وادينا
اهوه كل واحد فينا الدنيا عماله تلطش فيه يمين وشمال......."
قالت كيان بريبة......
"انا مش مطمنة للجاي......وخايفة من حمزة...لو ابوكي ادى لقمر حقها احتمال حمزة يوقفلهم
ويطالب بحقنا في ورث أمك........وتبقا مجزرة.. "
قالت شهد بقلق أكبر.....
"ربنا يستر.....انا كمان قلقانه من ناحية حمزة... خصوصاً ان جوازته اتفركشت بسبب انه مقدرش يجيب الشقة...... "
صمت الاثنين معاً في الظلام الكاحل.... فقطعت
كيان الصمت مجدداً........ "شهد....."
اصدرت شهد همهمات بسيطة....فقالت كيان بفضول....
"هو اي حكايتك مع عاصم الصاوي....."
خفق قلب شهد في لحظة.....وتلعثمت بوجهاً أحمر
يختفي في الظلام........" حكاية ايه......"
قالت كيان بتطفل......
"حكاية الأوردر اللي بعتهوله بنفسك....مش
قولتي انك هتحكيلي......"
ضحكت شهد....... "لسه فكرة...."
"دي حاجة تتنسي....احكيلي مخبي ايه عني...."هزتها
كيان في كتفها......
قالت شهد بنفي........ "ولا حاجة....."
صاحت كيان مجدداً....
"طول عمرك لئيمة......احكيلي... "
تذكرت جملة عاصم فضحكت وهي تسأل
أختها... "كيان هو انا فعلاً لئيمة......."
ضحكت كيان معها....
"هو في حد لاحظ ده غيري......."
"لا انا بسألك بس......"
قالت كيان بمراوغة.....
"أحياناً بتستهبلي بمكر كده......فده يدل على انك لئيمة سيكا......."
قالت شهد ببراءة... "سيكا.......يعني مش أوي......"
سالتها كيان...."مين قالك انك لئيمة هو......"
لكزتها شهد بحنق..... "بس بقا......"
أضاءت كيان المصباح مصممة.....
"والله أبداً لازم تحكيلي......."
قالت شهد ضاحكة بوجها مختضب
بالحمرة...
"هحكيلك إيه يامجنونة.....كلام جاب كلام مالك..."
اتسعت عينا كيان بلؤم وهي تبتسم....
"مالك ؟!....انا اللي مالي....ولا انتي اللي مالك.....
من امتى شهد بتكلم مع حد...... "
تجاهلتها شهد عن عمد فلكزتها كيان
مجدداً...."ها من إمتى......"
حركت شهد كتفيها ببراءة....وقالت بمواربة...
"عادي......يعني مضطرة اتعامل معاه لانه صاحب المطعم اللي بشتغل فيه......"
هتفت كيان..... "يالئيمة........"
عبست شهد بحنق.... "متقوليش الكلمة دي......."
قالت كيان غامزة... "واضح ان الصنارة غمزت........"
وضعت شهد راسها على الوسادة قائلة بشفاه
مقلوبة.......
"وحتى لو صح....انا مش فاضية للهبل ده.....انا جاية
اشتغل أشتغل وحقق اللي نفسي فيه....بس.....ونامي
بقا وبطلي رغي........"
اومات كيان براسها باستياء منها... واطفأت
النور....
وبعض لحظات من الصمت في الظلام نادت شهد
تلك المرة.... "كيان......."
همهمت كيان بخبث...... فسالتها شهد بحيرة....
"هو انا بجد لئيمة......"
ابتسمت كيان وادعت التهكم.....
"نامي وطلعيه من دماغك.....مش قولتي انك مش فاضية للهبل ده......."
اكدت شهد بثبات على المبدأ....
"آآه مش فاضية......"
قالت كيان بضحكة ذات مغزى....
"طيب تصبحي على خير يالئيمة......"
"بس يارخمة........"لكزتها شهد بضيق ثم اغمضت عينيها وعلى محياها ابتسامة خاصة.....
.......................................................................
على الجانب الآخر من الغرفة المجاورة...تفحصت قمر بعينيها الغرفة التي ستقيم بها الأيام المقبلة كانت
غرفة لطيفة بحيطان وردية اللون بها سرير صغير
وتسريحة وخزانة ملابس......واريكة بيضاء بالفراء تقبع جانباً وهناك بعض الدمى المتنوعة مرصوصة على الفراش والاريكة الصغيرة....وكانها دخلت غرفة طفلة في السابعة من عمرها...
لكن لم تندهش كثيراً فـ(كيان) رغم طريقتها الجافة معاها إلا انها أمرأه تشع طفولة وبراءة....نوعاً يعشقه الرجال وأصبح نادراً هذه الأيام.........
بعد ان بدلت ثيابها باخرى مريحة استلقت
قمر على الفراش وعلقت عينيها على السقف وهي
لا تعرف...... مالذي ينتظرها الايام المقبلة....
لم تشعر بالالفة بينهما حتى خالها كان بارد... مصتنع
المشاعر عندما قامت بتهديدة... ولولا هذا لكان طردها برا باب منزله فوراً.......
الوحيدة التي تشعر بدفئها ومحبتها شهد.... رائعة شخصيتها هادئة لينة التعامل عكسهم.... لها عينين
جميلتين تشعان رحمةٍ بالغير..... عكس اخيها هذا
العدائي والمتحامل عليها بزيادة لمجرد انها
تطالب بحقها في ورث أمها......
عينيه العسلية حادة لكن بريقها الاجرامي ياخذ
العقل عند النظرة الأولى !!.....شعره الأسود الناعم بخصلاته المتناثرة قليلاً على جبهته......ملامحه الرجولية الصلبة......قامة طولة....جسده الصلب وصدره العريض ، ذراعه القويتين.....هدوءه رغم اشتعال عيناه.....وحديثة المحمل بالف معنى....
شخصاً له جوانب كثيرة عندما يبصرها المرء
يقف مشدوهاً عقلاً وقلباً......
اغمضت عينيها وهي تحاول طرده من عقلها....
وتتنظر الغد باحداثه القادمة......
في الصباح....
فتحت عينيها وهي تسمع صوت الأذان ييقظها
من غفوتها ظنت انه الفجر...فمسكت هاتفها ورات الساعة تشير للثانية عشر.......فانتفضت جالسة في مكانها وهي تنظر حولها والى المكان الغريب الذي تبيت فيه....
غرفة وردية واريكة بيضاء بالفراء...هل تبيت في
شقة باربي !!....
حكت في رأسها وهي تسترجع أحداث الأمس رويدا
رويدا........حتى نهضت بعد لحظات.......وهي ترجع شعرها الغجري للخلف.....متجهة الى الخارج وهي تنظر حولها بتراقب........
لتجد المكان خالي منهم.....بل وهادئ أيضاً......حانت منها نظرة على سفرة الطعام لتجد ورقة بخط يد انثوي مكتوب بها.....
(قمر...... معلش انا محبتش اصحيكي بدري اقولك ان
احنا ريحين الشغل....قولت اسيبك تنامي وترتاحي
احنا كلنا روحنا شغلنا بدري...حتى خالك نزل بدري
وانا عملتلك فطار قبل ما نزل وجهزته في المطبخ عندك....انا ان شآء هرجع بعد العشا..... وكيان
هترجع الساعة أربعة العصر.......شهد......)
ابتسمت قمر بحزن.... وهي تطوي الورقة... ثم بدأت تفتش عن دورة المياة....... حتى تغتسل وتنزل هي
أيضاً.........
.......................................................................
دلف عاصم من باب المطعم فوجدها منهكة في العمل
هي وبعض الفتيات المراهقات التي يواظبوا على العمل معها...... للمساعدة وتقديم الطلبات.....
عندما ابصرته لانت شفتيها في إبتسامة جميلة تخصه واحده..... فابتسم لعينيها وسلاما الى
عينيها الذائبة في الشهد الحلو كاسمها عند
النطق.....
وضعت الاطباق على الطاولة ثم اتجهت اليه تقطع المسافة بينهما وهي تحتضن الصنية تلقائياً بخجل كتلميذة تعانق كتابها وهي في أول موعد غرامي !.....
"صباح الخير......."
انهال من جمالها ولعينيها روى ألف قصيدة شوق قبل ان يخبرها بصوتٍ أجش........ "صباح الشهد......"
اطرقت براسها محمرة الوجه وهي
تقول.....
"جاي متأخر نص ساعة.... انا قولت انك نسيت
تعدي علينا........"
خفق قلبه مع الشوق المتبادل بينهما..فقال
بعذوبة........
"الطريق زحمة.... وبعدين انا انسى كل حاجة إلا معاد الساعة عشرة......أصله مهم عندي اوي.... "
لم ترد بل ازداد خجلها... فمال براسه قليلاً....
"ولا انتي اي رأيك......ياشــهــد... "
كفاك عبث رجاءاً.......ثم سألت.....
"في إيه بظبط......"
تبرم عاصم...... "بطلي بقا......"
نظرت اليه بعدم فهم..... "ابطل إيه....."
قال بصراحة........ "لؤم واستهبال......."
اتسعت عينيها وهتفت تلقائيا تحذره....
"عااااصم......."
جن القلب بين اضلعه فسالها بدهشة ممزوجة بالفرح........ "إيه....."
أسبلت جفنيها بتوتر..... "قصدي استاذ عاصم......."
كشر عن انيابه تلك المرة قائلاً بغيظ....
"استاذ في عينك....انا اسمي عاصم....عاصم وبس..
زي مابقولك ياشهد....تقوليلي ياعاصم......"
كبحت ضحكة خائنة وقالت بثبات...
"مينفعش......"
سارت عيناه على قسمات وجهها بتأني
سائلاً....
"ليه مانتي لسه قايلهالي ......"
قالت بحياء.....
"لا يعني........ دي طلعت غصب عني......."
رد بعيون ذائبة في شهدها
الخالص....
"يارب تطلع علطول غصب عنك........"
نظرت اليه وحاولت الهروب من عيناه وكلماته
لذا اشارت له على أحد الطاولات
قائلة.....
"تعالى قعد......هتفضل واقف كده......."
"انا جاي متأخر وعندي شغل.....بس ماشاء الله...."
ثم نظر على عدد الزبائن الموجود بالمطعم
وقال...
"الزباين بدات تهل.....مبروك......."
ابتسمت شهد وقالت بمناغشة...
"بجد فرحان........دانا قولت انك هتزعل انك
خسرت الرهان......."
طاطا براسه ضاحكاً....
"لسا فاكره يـاشـهــد ؟!..... انا كمان فاكر الهدية...."
سالته باستفسار...... "هدية إيه......"
ذكرها محاولا اعتناق الصبر عند النظر
لعينيها......
"أول مرة شوفتك فيها هنا...قولتلك لو مشروعك
نجح ليكي عندي هدية حلوة......"
اومات براسها متذكرة وهي تجيبه....
"بس هو لسه منجحش.......دي البداية......"
رد ببساطه وهو ينظر في اتجاه
آخر.....
"يبقا استنى شوية....اهو أكون عملتهالك......"
ابتسمت باندهاش..... "عملتهالي....مش فاهمة....."
رد بإختصار....... "بكرة تفهمي....."
"صحيح.......كويس انك فكرتني......"اخرجت شهد من جيب المريول الذي ترتديه مبلغ من المال.......
فسالها عاصم عاقد الحاجبين...... "اي ده......"
وضعته على الرخامة والوقفين بينها......
"ده الإيجار.....احنا داخلنا في الشهر الجديد....ودا
إيجار الشهر اللي فات....."
أزاح المال ليكن امامها مجدداً.....
"شيلي الفلوس ياشهد......"
سالت متعجبة...
"ليه.....دا حقك......لازم تاخدها....."
رفض بتزمت شديد..... "مش وقته.........مرة تانية......"
رفضت شهد تخبره بتلقائية....
"لا ونبي لحسان يدخل في اي حاجة ويتصرف..."
رد عاصم ببساطه.. "طب ما تصرفيها اي المشكلة......"
اتسعت عيناها ذاهلة....
"انت بتقول إيه......دا حقك......."
رد عاصم بعدم إهتمام.....
"انا مستغني عنه الشهر ده......."
سالته باستفهام......
"طب ليه...مانا معايا الحمدلله والأمور ماشيه
تمام....."
اخبرها عاصم بهدوء.....
"خلي بس معاكي.....مش وقته......"
اومات برأسها ووضعته مجدداً في جيبها...فقال
عاصم......
"على فكرة انا كلمت الحاجه عنك...وهي مستنياكي آخر الاسبوع ده....عشان تتفقوا سوا على الاصناف
اللي هتتعمل يوم السنوية......"
عضت شهد على باطن شفتيها قائلة
بتردد......
"ليه عملت كده....يعني انا لحد دلوقتي مكلمتش
حد ولا اتفقت مع حد......."
نظر لها وقال.....
"لسه في وقت تكلمي وتتفقي......"
اتت خلود بصنية فطار صغيره ووضعتها على الرخامة امامهم.....ثم شكرتها شهد قبل ان
ترحل.....
"تسلم ايدك ياخلود.... تحب تفطر معايا....."
نظرت لعاصم.....فقال ممتنعاً........
"فطرت من بدري......انتي ليه طالعة من غير
فطار.... "
هذا الاهتمام وتلك النظرة.....تذكرها باستمرار
انها تغرق معه في أعمق مكان داخلها حيثُ ان
طوق النجاة منه يعد انتحاراً !!........فاجابته
بفتور.......
"انا مبحبش أفطر أصلا.....بس مضطرة عشان
أقدر أشتغل وقف على رجلي........"
اوما برأسه فبدأت هي تضع أول لقمة في فمها
امام عيناه الثاقبة والتي تسجل أقل حركة
تصدر منها......بلعت القمة بصعوبة وهي
تساله بتردد..... "بتبصلي كدا ليه......."
نظر لها عاصم طويلاً.... ثم لم يلبث الى ان قال
بعذوبة.......
"إمبار نسيت اقولك ان عنيكي حلوة أوي......"
صوته جعل قلبها يخلتج بين اضلعها فتركت
القمة من بين أصابعها... وهي تئن بعذاب
حقيقي منه....
"وبعدين معاك......."
اقترح عاصم بهدوء....
"ينفع نتقابل في نفس المكان مرة تانيه......"
واجهت عيناه الصقريتين بتساؤل....
"ليه........ في حاجة نسيت تقولها عن الشغل...."
رد مؤكداً....... "في حاجات......"
لم ترد بل ظلت تنظر اليه بتردد.....فقال
هو حاسماً....
"هستناكي اخر النهار ياشـهـد....."
تلجلجت قليلاً.... "مش هينغع ياعاصم......"
سلب قلبها برجاءٍ حاني.....
"حاولي ياشهد....... حاولي نص ساعة بس
مش هأخرك....."
اومات برأسها كالمنومة مغناطيسياً..... ثم شعرت ان
نظرة الاحتواء في عيناه تعانقها دون ان تلمسها...
لتجده بعدها يغادر وتغادر خفقات قلبها معه....
....................................................................
وقفت على الرصيف في نفس المكان الذي صادفها
به أمس.........بثوبها الربيعي الأنيق وحقيبتها
الصغيرة.....وشعرها التي جمعته خلف ظهرها
تاركه خصلاتها القصيرة كالعادة تغطي جبهتها...
ظهرت سيارته سريعاً في الوقت المتفق عليه
واوقفها قائلاً بهمساً لا يسمعه سواهم....
"على البحر ياسطا......"
فلتت ضحكة حلوة من بين شفتيها....ثم اقتربت
من السيارة وصعدت جواره قائلة.....
"آه على البحر......."
سحب أكبر قدر من عطرها الطيب وهو يؤما برأسه
منطلق بسيارة بسعادة لا توصف...شاعراً بانه لا
يسير على الأرض بل يطير....يطير معها.....مع
(سيدة الحُسن...)
لم يتحدثا الاثنين عن شيء طوال الطريق...ظل
الصمت قائم بينهما والمشاعر تهفو حولهما....
كيف فعلتها تسنكر جرأتها....ومجارتهُ....ماذا لو علم
حمزة او والدها كيف سيكون وضعها وهي تقف أمامهم كالمذنبة......
أصبحت في عمر السابعة والعشرون ولم تتلقى
دعوة شاب......لم تحب....او تهتم......او تنبهر
بأحد........رغم انها كانت جذابة وجميلة كما
يمدحها كل من رآها.......
فكانت لا تهتم تهرب من كل شيءٍ يضعف عزمها.....ويجرح كبرياؤها.......الحب....سلاح ذو حدين...ام الموت منه او النجاة به........وهي لا
تحب المجازفة في قصص عاطفية بائسة ؟!...
حانت منها نظرة على عاصم الصامت والذي يعطي كامل تركيزة للطريق أمامه......
وسيم لا تنكر.......يشع هيبة ورجولة طاغية.....ونظر لعيناه يضعف الفؤاد ويخلق فوضى غير قابلة للاصلاح........فماذا عن الإهتمام الزائد وكلامه المعسول المبطن ، ونظرة عيناه التي تحتويها
بدفء لم تستشعره إلا معه........
تغرق...... والله تغرق في بحر عاصم الصاوي.....
والمشاعر تزداد تعلقاً يوماً بعد يوم !!...
"وصلنا ياشهد......"
فاقت من شرودها على صوته الخشن....
فنظرت اليه للحظات ثم للخارج و ترجلت من السيارة بعدها...لتقف أمامها..... ففعل هو المثل
..ونظرا معاً للجو البديع المعطر بالبحر المالح......
سالته شهد بعد لحظات.... "ليه جبتني هنا......"
رد بصراحة.... "حابب اتعرف عليكي أكتر......"
"ليه....."
قال تلك المرة بمرواغة....
"يعني قدريها.....عشان الشغل اللي بينا...والمطعم اللي مأجراه مني.......أهو اعرف مين هي شهد
عثمان الدسوقي.....اللي بعتت اخوها يأجر مني المطعم بأسمه.... مع انها هي اللي هتشتغل فيه... "
ضحكت شهد..... "قلبك اسود أوي......"
اخرج عاصم تنهيدة حانقة.....
"أول واحده تضحك عليا....وتشتغلني هي واخوها..."
برمت شفتيها ببراءة جميلة...أحبها بشدة....
"كنا مضطرين.... وبعدين مانت كشفتنا من أول يوم.....ملحقناش نشتغل حتى..... "
"مانتوا مش مأجرين من اي حد برضو......"رد
بزهوٍ اضحكها فقالت......
"ياسلام على التواضع.......تمام.....عايز تعرف
انا مين صح......"
اتى صوته بلهفة رغم ملامحه
الهادئة.... "ياريت....."
سحبت شهد نفساً طويلاً ثم اخرجت إياه على مهل
معرفة عن نفسها دون النظر لعيناه......وكانها تبتلع
مرارة الأحلام المعلقة في السماء كالنجوم البعيدة...وكانها تخفي خيبتها من شقاء وتعب
ومعافرة مع السنوات ولم تجني من الأحلام إلا
مطعم إيجار في شارع الصاوي مهددة بتركة في
اي لحظة !.....وكان الأحلام تخسف بنا وتستهزء بسعينا ؟!.......
"شهد عثمان الدسوقي سبعة وعشرين سنة....خريجة سياحة وفنادق.....بقالي فترة طويلة بشتغل على نفسي في مجال الطبخ ...خدت دورات تعليميه كتير واشتغلت في فنادق 5استار.....وكسبت خبره كويسة فبدأت أعمل اوردرات من البيت عن طريق الانترنت لما بدأ اسمي يتعرف قررت أفتح مطعم.....ويكون أول خطوة لنجاحي...باني يعني يبقا عندي مطعم باسمي في أحسن مكان في اسكندرية......دي كل حكايتي.. او دي احلامي اللي لسه هحققها..... "
سالها عاصم.... "وأهلك...امك ابوكي...اخواتك....."
قالت بغصة مختنقة......
"عندي اخ واختك....حمزة أكبر مني وكيان اصغرنا...
امي ماتت من عشر سنين........وبابا عايش متجوز....ومستقر في حياته......"
سألها عاصم متعجباً....
"يعني إيه مستقر....مش بيشوفكم وتشوفوا....."
"آآه طبعاً لازم يشوفنا ونشوفوا......"اكدت بسخرية مريرة......
اتى السؤال الأهم بنسبة له.....
"عمرك حبيتي ياشهد......."
نظرت اليه مستنكرة.... "ودا ليه علاقة بالشغل؟!....."
"دا ليه علاقة بيا....حبيتي قبل كده او ارتبطي... "
قالها بصدق وهو يزفر بتعب بينما عيناه تطوف
على ملامحها الجميلة المستنكرة...........
ردت باقتضاب...... "لا......"
نداها بطريقته الخاصة..... "شهد......."
فقالت بامتناع جاد لأبعد حد.....
"عاصم.... بلاش تسرع...... انا معرفكش كويس ولا انت كمان......سيب الامور تمشي ببساطه....."
جفل قليلاً وهو ينظر إليها بصدمة......فأسبلت
اهدابها قائلة بعقلانية وبصوتٍ موسيقي.....
"انا عارفة ان الحياة بنسبالك اخد وعطا.... بس في حاجات مينفعش تاخد ولا تدي فيها... غير لما تتأكد
انها تستحق......"
حل الصمت بينهما ولم تنظر اليه....ظنت انه نفر منها
وسيتركها الآن ويذهب بعد ردها الفظ....فمن الغبية
التي ترفض رجلا مثله......
لم تتوقع انه أحب ردها.....أحب انها عكس من قابلهم
لم تمسك بالفرصة الجيدة.....والميزات الحسنة به...
بل تمسكت بشخصه......بالشخص التي ستعاشره
وستبني حياتها معه...لم تفكر بما يمتلك... وبمن
يكون......لم تكن مثلهن لذلك سلبت عقله من النظرة
الأولى واليوم تسلب قلبه بردها دون ان تدرك.....
تمتم عاصم بعذاب...... "انتي طلعتي ليا منين........"
أرتاح قلبها فنظرت اليه متبسمة بمرح....
"انت اللي جيت بنفسك....... محدش نداك...."
قال عاصم ببساطه...... "منير نداني......."
اندهشت سائلة..... "منير ؟!......"
ذكرها بعينين صقريتين.....
"الأغنية اللي كنتي بتسمعيها ساعة مادخلت
المطعم أول مرة......."
ضحكت شاهقة وهزت راسها ذاهلة.....
"انت غريب أوي.... انا علطول أسمع ان الرجالة
مش بتحب التفاصيل ولا بتهتم بيها......"
اوما براسه مؤكداً باجابة سلاسة....
"صح.... بس لما التفاصيل دي تكون عن حاجة شدانا....... لازم نهتم......."
عقدت ساعديها امام صدرها ورفعت رأسها إليه
سائلة بترفع..... "وانا شداك......."
أكد بتكبر لا يقل عنه....
"وجودك معايا هنا بياكد ده......."
شعرت بالخجل فقد انتصر عليها بجملة واحدة...لتجده يسألها........ "وانتي......"
نظرت اليه مدعية عدم الفهم....... "وانا ايه....."
قال ببساطه وعيون لا ترحم.....
"انتي كمان وجودك هنا بياكد انك مشدودة ليا..."
ازداد انعقاد ساعديها وهي تهز كتفيها
بنفي...
"مش حقيقي.... انا جيت هنا عشان افتكرت انك هتكلم في الشغل....."
نداها بتململ......متذوق الاسم كما يحب..... "شــهــد......"
زفرة بنفاذ صبر مهتجة.....
"ممكن تبطل تناديني بطريقة دي......"
جفل سائلاً...... "اي طريقة....."
قالت بتبرم ممتنعه عن النظر إليه....
"انت عارفها......"
حك في ذقنة مفكراً..... "مش واخد بالي......"
نظرت اليه قائلة بحنق شديد......
"بتنادي بطريقة وكانك أول مرة تنطق إسمي.. وكانك
مستغربة معداش عليك ولا تعرفه....."
رد عاصم ببراءة استفزتها.....
"دي حقيقة.... انا عمري ماقبلت واحده أسمها شهد......"
قالت مستنكرة بوجهاً عابس.....
"طب مانا عمري ماقبلت واحد اسمه عاصم وبناديك عادي......مش بطريقتك....."
لانت شفتاه مصرحاً.....
"بالعكس انتي بتنادي بنفس الطريقة بس مش بتاخدي بالك......"
"لا طبعاً......انت اللي غريب... "
تلك المرة نظر لها منزعجاً....
"بلاش الكلمة دي عشان بتحسسني اني جاي
من كوكب تاني......."
"فريسكاااااااااااا... "
نظر عاصم الى البائع المتجول بصندوق الحلوى
على كتفه.......فعاد لعينيها مقترحاً بحنان
أبوي........
"اجبلك فريسكااا......"
عندما اومات برأسها بالموافقة اتجه الى الرجل سريعاً وجلب لها نوع من كل صنف يحمله في
الصندوق......
ثم اتى إليها....فقالت ذاهلة....
"كل ده مين هياكله......"
"مين غيرك......."
"بس دا كتير.....خلينا ناكلوا سوا......."
تشاركا معاً بصمت وسط المنظر الرائع والنسيم المنكه بالبحر المالح.......
قالت شهد متلذذة...... "حلوة أوي......."
ثم نظرت اليه قائلة بتذكر....
"صحيح..... انت نسيت تديني العنوان عشان
أقبل جدتك......"
رد عاصم بهدوء.....
"انا هوصلك بنفسي...أليوم اللي هتروحي فيه..."
رفضت بشدة......
"لا طبعاً.... ملهاش لازمة اديني العنوان... وانا
هروح لوحدي......"
اقترح بقلة صبر....
"طب مانا معايا عربية هوصلك......"
رفضت بتزمت شديد..... "لا بقولك......"
احتدت عيناه غاضباً....
"هو اي عِند وخلاص......."
لم ترد بل امتقع وجهها بعدم رضا... مما جعله أمام
عيناها العابسة ووجهها المكفهر..... يراضيها....
"خلاص بلاش تقلبي وشك.... زي ماتحبي.....بس
قبل ماتيجي قوليلي قبلها.... "
سالته بحاجب معقود..... "ليه يعني...."
"عشان استناكي......."
رده جعل قلبها يجن بين اضلعها....لذا هربت من
عيناه قائلة......
"احنا اتاخرنا أوي....... ينفع نرجع......"
اتجها معاً الى السيارة......ثم بعد ان احتل عاصم مقعد القيادة سألها ببعضٍ من الضيق والتعجب
كذلك......
" بس مش غريبة شوية إنك مسألتنيش سؤال
واحد مع اني اديتك الفرصة اكتر من مرة....
انتي مش حبا تعرفي حاجة عني ؟! ......"
قالت شهد مختصرة نظرتها للحياة وللعلاقات بالمجمل.........
"انا احب أعرف الشخص بعدد الايام والسنين مش من شوية كلام........لانها بتبقا أوضح واصدق...
من اي كلام هيجامل نفسه بيه.....فهمتني... "
اصابت الهدف مجدداً فتافف وهو يدير محرك السيارة....... "طلعتي ليا منين ياشهد....."
إبتسمت وهي تشعر بكل جزءاً داخلها يتجاوب
معه بمحبة........
"قولتلك انك انت اللي جتلي بنفسك......محدش نداك.... "
رد بمناكفة...... "وانا قولتلك منير نداني......"
هزت راسها يائسة......
"واضح اننا هنفضل نلف في نفس الديرة المقفولة........."
قال مستاءاً...... "انتي اللي عايزة كده......"
........................................................................
"دي صدفة عجيبة اوي ياخي.... معقول ده.... "
قالها سلطان وهو منهمك في تقطيع شيء
بالمنشار الحاد.......
هتف حمزة بتهكم والذي يستند على باب الورشة
يمسك سجارة بين اصبعه يدخن بها بشراهة.....
"مش معقول ليه هستنا إيه من واحد... حارم عياله
من ماله ومال امهم ومتبرتع هو فيه... وسيبنا احنا
ننحط في الصخر......"
قال سلطان برفق....
"ادعيلوا بالهداية ياحمزة دا مهم كان أبوك..."
مط حمزة شفته هازئاً....
"ابويا.....عدا وفات...... غير الموضوع...."
"مش لم تقولي الأول هتعملوا إيه مع بنت
عمتكم...." ساله سلطان وهو يمسح يداه
بقماشة مهترية.....
رد حمزة مستهجناً......
"وانا مالي صاحب المال هو اللي هيعمل... يرجعلها حقها.... ينصب عليها... ميخصنيش....."
اقترب منه سلطان بعدم رضا.......
"إزاي ياجدع دي مهما كان بنت عمتك... يتيمة وملهاش حد... دا انت لسه قايله ده بعضمة
لسانك......"
رد حمزة متململاً نافراً من الامر برمته......
"عايزني اعمل إيه.... احجر عليه مثلاً....هو حر
بشوقه بقا..... يعمل اللي يعلموا معاها... هما قرايب
يتصفوا سوا......"
تمتم سلطان بوجوم.... "غشيم وهتتعبني معاك....."
القى حمزة السجارة أرضا ودعسها بجذاءه
قائلاً بملل......
"انا جاي قعد معاك شوية... متقفلنيش منك...."
"ماشي ياسيدي ادينا سكت......"
ليقول حمزة بجنون..... "بقولك إيه انا ماشي......"
مسكه سلطان من ذراعه بتعجب....
"اي الجنان ده يابني انت راكبك عفريت......"
لم يرد حمزة بل ظل على حالة غاضباً يائساً...
مما جعل سلطان يناكفة قائلاً......
"جرالك إيه..... هي بنت عمتك حلوة لدرجادي..."
احتدت نظرات حمزة موبخاً.... "وانت مال أهلك....."
جز سلطان على أسنانه.....ورد عليه
بتحذير......
"احترم نفسك عشان مقلش منك......"
خبط حمزة على صدره متوعداً بشراسة....
"طب أحفظ لسانك......ومتلبخش....."
هز سلطان راسه مبتسماً بهزل....
"يابني انا اعرفها منين عشان البخ.... انا بسألك
انت..... اصل شكلك مش على بعضك كده وانت بتحكي عنها هي الصنارة غمزت......" اكتفى سلطان بغمزة ماكرة.....
فمط حمزة شفتيه متاففاً بقرف......
"غمزت أوي.....سيبني الله يخليك ياسلطان انا لسه مفركش وقرفان من صنف الحريم كلوا...... سلام...."
"ياجدع استنى اشرب كوبية الشاي حتى......"
لم يرد عليه بل استقلّ سيارته وانطلق بها سريعاً...
فضرب سلطان كف بكف متعجباً من حالة صديقة
والحالة التي تلبسته.........
.......................................................................
اثناء طريقة للرجوع وبالقرب من المنزل على طريق البحر......القى سجارته من النافذة جواره..... فانتبه
لمن تقف على الشاطئ تطعم الصغار من علبة حلوى
أوقف السيارة يتأكد من وجودها فهو ميزها بشعرها
الغجري الطويل......وبالفعل عندما مالت قليلاً برأسها
وهي تضحك ظهر وجهها بوضوح......
تافف حمزة وهو يخرج من السيارة ويسبها
بداخله....
على الشاطئ..... لوحت قمر بيدها للصغار ثم عادت جالسة على الرمال بثوبها الطويل الابيض والمطبع
عليه ورود من اللون الارجواني ......وضعت علبة الحلوى على ثوبها وبدأت تاكلها وهي تنظر الى
البحر وبينها وبينه مسافة لا بأس بها......
"هو انتي مش عندك حساسية برضو من الماية الملحة......." قالها حمزة وهو يجلس جوارها...
نظرت قمر اليه بدهشة ثم تلاشت دهشتها
بتدريج وقالت بحنق........
"شايفني بعوم انا قاعده على الشط......"
نظر لها حمزة بوجهاً مكفهر.....
"اي اللي خرجك من البيت أصلا...."
بررت قمر ببساطه.....
"زهقت...... يعني هقعد استناكم كله ده....."
صاح عليها بغضب مكتوم.....
"ما تتنيلي تستني...... تطلعي ليه انتي أصلا....."
احتدت قمر امام هذا التسلط الذكوري....
"ماتلم لسانك شوية انا بعرف أرد على فكرة...."
أردف حمزة هازئاً......
"ومردتيش عليهم ليه وهما سحلينك على
الأرض....."
قالت شهد بحمائية.....
"مين دول اللي سحلني انا محدش يقدر يسحلني......وبعدين انت كل شوية هتفكرني..."
اوما حمزة باستفزاز......
"لازم افكرك عشان تعرفي اللي ليكي ولي عليكي..."
تشدقت بقرف....... "يعني إيه....."
نظر لها شزراً......
"يعني تحترمي نفسك وتردي عدل ...."
احترق فتيل صبرها فحاولت تعنيفُ ....
"انا محترمة غصب عنك الـ......"
اوقفها بملل...... "ما خلاص انتي بلعه راديو......"
ثم نظر خلفها على الصغار الذين يلعبوا بالكرة
على الشاطئ.......
"كنتي لمه العيال دي حوليكي ليه.... بتفرقي حلاوة......"
ضحكة باستخفاف مشيرة للعلبة على
حجرها....
"هاهاها....... لا بديهم لقمة القاضي......"
"طب مفيش واحده للقاضي....."ابتسم حمزة وقد راقهُ المنكفة معها.....
هزت راسها بعناد...... "لا مفيش......"
مط شفتيه بقرف...... "هتطفحيه لوحدك......"
اومات ببرود...... "آآه عندك مانع......."
رفع حمزة حاجبٍ متعجباً...وتحدث بغيظ
مكتوم وهو يجز على أسنانه......
"انتي باردة كدا ليه يابت.... انتي قمر انتي... دانتي المفروض تتسمي سراب.... هلاك..... ضلمة... اي
يابت الرخامة دي......."
"والله مافي حد رخم غيرك.....".قالتها ببرود وهي تضع في فمها واحده من الزلابية بتحدي.....
ضرب حمزة على ركبته نادماً......
"والله انا غلطان....غلطان يارتني..... يارتني ماوصلتك... وسبتك على الطريق تغني ظلموه......"
مطت شفتاه بقرف....
"حاجة متوقعه من واحد زيك......"
نظر لها بزهوٍ قائلاً......
"مالوا اللي زي..... انتي تعرفي تقابلي زي تاني.. فوقي
ياضلمة انتي.... حمزة واحد بس......."
هتفت شاكرة..... "دا الحمدلله انه واحد بس......."
"هاتي واحده..... بقولك هاتي واحده......"حاول
حمزة اخذ العلبة بمناكفة....
فضربت قمر يده قائلة...
"قولتلك هاكلها لوحدي........"
أثناء المشادة بينهما وقعت العلبة على الرمال
جوارها وتغطت قطع الزلابية بالرمال........
"كده...... عاجبك كده......" نظرت قمر الزلابية
بحسرة....
قال حمزة متبرماً.....
"خلاص كُليها مش عايز......"
ترقرقت الدموع في عيناها....
"نعم.... بعد مانزلت عفي الرملة......."
نظر حمزة لها فوجدها عابسة الوجه...وعلى وشك البكاء بعد ان عكر صفوها......فقال بمشاكسة...
"خلاص بقا انتي هتعيطي......."
لم ترد عليه بل كتفت ذراعيها وظلت على صمتها
الحزين.....مما جعل حمزة ينهض من مكانه مشيرا
لها برحيل......
"طب قومي معايا......."
نظرت له بضيق...... "على فين ان شاء الله......."
قال بعبث...... "هصلح غلطتي......"
برقة عيناها بحدة....... "نعم........"
ابتسم وهو يخبرها بغمزة شقية.....
"هو اي اللي نعم..... قومي هاكلك أحلى لقمة قاضي
فيكي ياسكندرية.... دا حتى القاضي ذات نفسه
ملكلهاش......."
هزت راسها وهي تنظر للشاطئ باقتضاب.....
"مش عايزة......شكراً... "
زفر حمزة بقلة صبر.....
"قومي ياسراب... متقطعيش بعيشك......"
القت عليه نظرة عدائية......فضحك لعينيها
ودللها بصعوبة......
"بهزر........ قومي ياقمراية..... حلو كده....."
نهضت معه على مضض قائلة ببرود....
"ايوا كده كويس......."
اشار لها فسارت أمامه....فغمغم حمزة
بملل.....
"تموتوا في النفاق........."
بعد لحظات كانت تجلس في السيارة في انتظاره.... امام أحد المطاعم الشهيرة التي تعد افضل الحلويات الشرقيه... والذي كان مزدحم بشدة وقد اختفى
حمزة داخل الزحام.....
من كثرة الملل حاولت فتح المذياع ولكنها بالخطأ
اتكات على زر فتح درج معين بداخل الدرج رأت
صورة فضولها قادها لرؤيتها....
وكانت الصورة عبارة عن عروس جميلة ترتدي ثوب خطوبة تعانق ذراع حمزة بيدها وهي تبتسم للكاميرا بينما هو ينظر إليها بهيام وقصائد من العشق تروى من عيناه.........
اعتقدت بانها خطيبته.......لذلك وضعت الصورة مكانها واغلقت الدرج..... وهي تنظر من النافذة
لتجد حمزة يخرج من الزحام.... بشعر مشعث
وقميص مجعد ... وكانها خرج من معركة للتو...
نظر لعينيها بقوة فاجفلت...... الم تقل ان بريق عيناه
أخذ.......والأخذ يسلب كل شيء في طريقة !!.....
استقل مقعد القيادة واعطاها العلبة قائلاً.....
"عاجبك كده...... اديني اتبهدلت عشان خاطرك....."
ضحكت قمر وهي تفتح العلبة.. ثم أخذت
واحدة من الزلابية لتهمهم باعجاب....
"ممم....... الله دي حلوة أوي.......تاخد... "
رفض حمزة وهو ينطلق
بسيارة.....
"لا بتلزق ايدي مش عايز......."
حركت حدقتاها بملل....ثم مسكت واحدة
من الزلابية.......
"ياربي على الدلع..... افتح بؤك ياخفيف....."
فتح فمه بخبث........ "فتحنا......"
وضعته قطعة في فمه سريعاً...فمضغها حمزة
وهو يكشر عن أنيابه عابساً........
"انتي اتهبلتي بتاكليني في بؤي......."
لوت قمر فمها باستهانه.... "كُل وانت ساكت......"
نظر لها حمزة بقوة قائلاً بسطوة.....
"لا فوقي ياقمراية.... انا اكل واسكت بمزاجي مش بمزاجك انتي..... وبعدين انا مش عايز كُلي انتي
ونقطينا بسُكاتك......"
مضغت الزلابية باستمتاع وقالت...
"قطعت بعيشك......"
......................................................................