13/3/2014
اللَّيْلُ يَتَسَلَّلُ بِصَمْتِهِ، وَتَتَحَوَّلُ أَضْوَاءُ الشَّوَارِعِ إِلَى نُجُومٍ مُتَلَأِلِئَةٍ فِي سَمَاءِ الْمَدِينَةِ. يَخْتَفِي صَخَبُ النَّهَارِ، وَتَسُودُ أَجْوَاءٌ هَادِئَةٌ تَمْلَأُهَا هَمْسَاتُ الرِّيَاحِ وَغَنْجُ الْحَشَرَاتِ. تَتَلاشَى أَصْوَاتُ الضَّحِكَاتِ وَتَهْدَأُ حَرَكَةُ النَّاسِ، وَتَبْدَأُ الشَّوَارِعُ بِالْفَرَاغِ تَدْرِيجِيًّا، مَعَ تَرَاجُعِ نَسِيمِ النَّهَارِ لِيَفْسَحَ الْمَجَالَ لِهُدُوءِ اللَّيْلِ.
تَنَامُ الْمَبَانِي تَحْتَ سِتَارِ الظَّلَامِ، وَتَتَلاشَى الْأَلْوَانُ تَحْتَ غِطَاءِ اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ. يَبْدَأُ الْوَقْتُ فِي التَّسَلُّلِ بِبُطْءٍ، مِثْلَ قُطَرَاتِ النَّدَى الَّتِي تَتَسَاقَطُ فِي اللَّيْلِ السَّاكِنِ.
تَتَغَيَّرُ أَصْوَاتُ الشَّوَارِعِ، حِيثُ تَعَزِّفُ الرِّيَاحُ لَحْنًا هَادِئًا عَلَى أَوْتَارِ الْأَشْجَارِ، وَتَنْبَعُثُ نُسُمَاتُ الْهَوَاءِ الْبَارِدَةِ لِتَلَطُّفَ لِيَالِي الصَّيْفِ الْحَارَّةِ. تُتَأَمَّلُ النُّجُومَ فِي صَمْتٍ، وَتَتَأَرَّجُحُ الْأَفْكَارُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فِي لَحْظَاتٍ تَتَغَمَّدهَا السَّكُونُ وَتَتَنَفَّسُهَا الْأَرْوَاحُ فِي أَعْمَاقِ اللَّيْلِ.
جَلَسَ فَتَيَانِ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ مَعًا، وَهُمَا يَنْظُرَانِ إِلَى سَمَاءِ اللَّيْلِ الْمُرْصَعَةِ بِالنُّجُومِ، وَيَمْتَدُّ الْبَحْرُ أَمَامَهُمَا كَأُفُقٍ لَا يَنْتَهِي، وَتَتَلاَطَمُ أَمْوَاجُهُ بِجَمَالٍ يُصَوِّغُ سِيمْفُونِيَّةً تَجْذِبُ الْأَسْمَاعَ.
الْأَوَّلُ مِنْهُمَا، هَان، يُرَاقِبُ النُّجُومَ بِانْتِبَاهٍ شَدِيدٍ، فَتَظْهَرُ أَمَامَهُ لُوحَاتٌ فَنِيَّةٌ تَعْبُرُ عَنْ عَوَالِمَ الْجَمَالِ وَالْإِبْدَاعِ.
أَمَّا الثَّانِي، مِينْهُو، فَهُوَ يَسْتَمِعُ لِخَيَالِ صَدِيقِهِ وَيَتَخَيَّلُ مَا وَرَاءَ النُّجُومِ، كَأَنَّهُ يُسَافِرُ فِي فَضَاءِ الْخَيَالِ وَيَكْتَشِفُ عَوَالِمًا مَجْهُولَةً.
"أَلا تَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ تُشَبِّهُ حَوْرِيَّةَ بَحْرٍ؟"
قَالَ هَان وَهُوَ يُشَاُور عَلَى مَجْمُوعَة مِنَ النُّجُومِ، وَالْآخَرُ يُحَاوِلُ رُؤْيةَ مَا يَرَاهُ صَدِيقُهُ."لَا أَعْلَمُ، لَا تَبْدُو لِيَ كَذَلِكَ"
"لِكُلِّ مِنَّا خَيَالُهُ الْخَاصُّ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟"
قَالَ هَانُ وَهُوَ يَنْظُرُ لِلْآخَرِ بِابْتِسَامَةٍ خَفِيفَةٍ.