جَلَسَ هان خَلْفَ بَابِ غُرَفَتِهِ، بَاكِيًا بِلَا تَصْدِيقٍ.
يُحِبُّ هان مينهو مُنْذُ الصِّغَرِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ أَبَدًا الِاعْتِرَافَ لَهُ.
فَكَيْفَ يُمْكِنُ لَهُ أَنْ يُخْبِرَهُ؟ كُلُّ الْإِشَارَاتِ تَدُلِ عَلَى أَنَّ مينهو مُسْتَقِيمٌ، يَتَابَعُ عَارِضَاتِ الْأَزْيَاءِ وَيَتَغَزَّلُ بِالْفَتَيَاتِ.هَلْ يَجِبُ أَنْ يُخَاطِرَ هان بِخِسَارَةِ صَدَاقَتُهِم إِذَا أَعْتَرَفَ بِمَشَاعِرِهِ؟
بِالطَّبْعِ لَا، الْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَكْتُمَ مَشَاعِرَهُ حَتَّى لَا يَخْسَرَ مينهو. الْآنَ عَلَى الْأَقَلِّ، يُمْكِنُهُمَا الْتَحَدُّثُ وَقَضَاءُ وَقْتِه مَعهُ. لَكِنْ إِذَا عَلِمَ مينهو بِمَشَاعِرِ هان، فَقَدْ يَتَقَزَّزُ مِنْهُ.
لَا يَعْلَمُ هان إِذَا كَانَ مينهو يَهَابُ الْمُثَلِّيِّينَ أَمْ لَا، كَانَ خَائِفًا مِنْ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ رَأْيِهِ فِيهِمْ.هان بَكَى كَمَا لَمْ يَبْكِ مِنْ قَبْلِ. بَكَى خَوْفًا مِنْ فَقْدَانِ حُبِّهِ الْأَوَّلِ، بَكَى حُسْرَةً عَلَى نَفْسِهِ، بَكَى تَقَزُّزًا مِنْ نَفْسِهِ، بَكَى عَلَى مَشَاعِرِهِ الْمَكْبُوتَةِ وَالَّتِي لَمْ يَسْتَطِعْ التَّعْبِيرَ عَنْهَا، بَكَى عَلَى الْأَلَمِ الَّذِي يَشْعُرُ بِهِ فِي صَمْتٍ، وَعَلَى الْحُبِّ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْفِيَهُ. بَكَى حَتَّى أَنْ أَغْمَضَ عَيْنَيْهِ وَغَفّى فِي بَحْرٍ مِنَ الْأَحْزَانِ.
مَرَّتْ بَعْضُ السَّاعَاتِ لِيَذْهَبَ مينهو لِهَانِ لِيَرَى أَنَّ بَابَ غُرَفَتِهِ مَغْلُقٌ
أَدْرَكَ أَنْ هان رُبَّمَا يُغَيِّرُ مَلَابِسَهُ أَوْ فِي الْمَرْحَاضِ أَوْ أَيْنَمَا كَانَ."هان، سَأَذْهَبُ لِلْعَمَلِ الْآنَ"
قَالَ وَكَانَ مَا زَالَ الْبَابُ مَوْصُدًا، لِذَا رَحَلَ مينهو مَتِّجِهًا لِعَمَلِهِ، غَيْرَ مُدْرِكٍ بِالْفَتَى الْمُغَمَّرِ فِي بَحْرِ دُمُوعِهِ.مَرَّتْ بِضْعَ سَاعَاتٍ، وَكَانَ هان قَدْ غَفَى عَلَى سَرِيرِهِ، وَالْمُخَدَّةُ تَمْلَأُهَا الدُّمُوعُ. اِسْتَيْقَظَ بِوَجْهٍ مُحْمَرٍ وَمُنْتَفِخٍ، لِيَنْظُرَ حَوْلَهُ وَيَسْتَوْعِبَ أَنَّ اللَّيْلَ قَدْ حَانَ. لَمْ يَكُنْ يَدْرِكُ كَمْ مِنَ الْوَقْتِ قَدْ غَفَاهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَهْتَمْ.
قَامَ مِنْ عَلَى سَرِيرِهِ وَاتَّجَهَ لِبَابِ غُرَفَتِهِ لِكَيْ يَفْتَحَهُ، ثُمَّ نَزَلَ لِلْأَسْفَلِ، حَيْثُ لَمْ يَرَى مينهو فَعَلِمَ أَنَّهُ فِي الْعَمَلِ.ذَهَبَ لِغَسْلِ وَجْهِهِ وَتَغْيِيرِ مَلَابِسِهِ، ثُمَّ نَزَلَ لِلْحَدِيقَةِ الْمُجَاوِرَةِ لِمَنْزِلِهِ.
جَلَسَ الْفَتَى الْحَزِينَ عَلَى الْعُشْبِ، وَمَعَهُ مُذَكِّرَتُهُ، فَتَحَهَا لِيَبْدَأَ فِي الْكِتَابَةِ فِيهَا.
يَكْتُبُ شِعْرًا، وَيَكْتُبُ مَشَاعِرَهُ، وَيَكْتُبُ جُمْلًا لَا مَعْنًى لَهَا، لَكِنَّهُ يَكْتُبُ.
لَمْ تَكُنْ كِتَابَاتُهُ بِهَذَا الْجَمَالِ، لَكِنَّهَا كَانَتْ تُرِيحُهُ.
يَكْتُبُ مَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْبِرَهُ لِمَخْلُوقٍ، وَمَا لَا يَسْتَطِيعُ الْبَوْحَ بِهِ حَتَّى لِنَفْسِهِ بِصَوْتٍ عَالٍ.
مَشَاعِرُ غَيْرَةٍ وَحَقْدٍ وَحِيرَةٍ
مَشَاعِرُ حُبٍّ وَفِقْدَانٍ وَعِشْقٍ.