ألحان الذكريات

23 3 5
                                    


"و الآن ماذا؟"

لا.

إلا هذه الكلمة.

رفضت أن تنطقها نجمة حتى في خاطرها، لقد تصالحت مع نفسها أن هذا هو الطريق الصحيح، و آمنت أنها باختيارها هذا فإن الله لن يضيعها.

صحيحٌ أن أفكاراً مرت على رأسها و هي تفترش قارعة الطريق تستمتع إلى أذان و صلاة العشاء خارج سور المستشفى، حيث قد أنهى المستشفى معاملة ولدها، إنه سليم معافى الآن و بالتالي لا داعي من مكوثه في المستشفى، دحضتها نجمة بالأذكار التي تحفظها عن ظهر قلب.

(ألا بذكر الله تطمئن القلوب)

لذا استقر ولدها الغير قادر على السير لضعف جسده على حجرها، و ابنتها اسندت رأسها على فخذها كذلك.

تأملت نجمة مئذنة المسجد المجاور، تزينها النجوم من خلفها على تموضع و ترتيب عجيب، كانت جميلة على غير عادتها، جميلة إلى الحد الذي يجعلها تطمئن و قد تستسلم للنوم على قارعة الطريق، شعرت أن لا مشاكل هناك في العالم، و كل أهوال الدنيا قد انتهت، سلامٌ فقط.

سلام القلب هو الأهم.

ليحدث ما يحدث.

و ليكن ما يكن.

و بينما هي بين النوم و اليقظة، إذ بصوت امرأةٍ خشن يناديها: "ويه، ويه!"

فكرت نجمة من ذا الذي بكل وقاحة يوقظها من نومةٍ جميلة.

"مالك دخل خليني ارقد"

"ايش ماليش دخل؟ قومي يا أم عمران"

"جاوب يا عمران شوف عمتك ايش تشتي"

"قومي يا نجمة!"

"ها؟"

عندما استعادت وعيها بعض الشيء و رفعت رأسها، تعرفت عليها أخيراً: "إسراء! إسراء! الله يسامحك كرهتك لما خليتيني، بس الحمد لله عالسلامة"

"الله يسلمك"

"امممممم، عمران ما شاء الله أخيراً اتباخر الحمد لله"

"معيا عيون، اندكني شفته"

"اوه......امممم...صح......."

صمتت نجمة قليلاً في اضطراب، إجابات إسراء و ظهورها سبب لها ارتباكاً غريباً، ثم طأطأت رأسها و سألتها:

"في......حاجة أقدر أخدمك فيها يا إسراء؟"

"قومي انتي و جهالك و تعالي معيا"

"لفين؟ أني و الله تعبانة يا إسراء، لا أعرف فين أروح و لا عندي الطاقة أروح لأي مكان"

"تعالي بس"

قامت نجمة و حملت معها ابنها، و جعلت عدن تمسكها إسراء، ففي النهاية، أي شيء هو أفضل من الجلوس على الرصيف، و مشت بإحساس الذي يشعر بأنه لم يعد لديه شيء ليخسره.

الغربة المحمودة (رواية باللهجة العدنية)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن