✦ ℭ𝔥𝔞𝔭𝔱𝔢𝔯 1 ⁽⁠⁽⁠ଘ⁠(⁠ ⁠ˊ⁠ᵕ⁠ˋ⁠ ⁠)⁠ଓ⁠⁾⁠⁾⁦☆゚⁠.⁠*⁠・⁠。゚⁩ ✦

126 12 17
                                    

فى يوم كسائره من الأيام.. وليلة مثل باقي الليالي.. وبين عائلة باردة المشاعر كالشتاء، فى بيت أشبه بمقبرة للأموات نشأت فتاة فى جمال الزهور بوجه جميل كالبدر، وملامح أنعم من الحرير، وعيون واسعة بنية، وشعر طويل أسود كثيف منسدل على ظهرها وكتفيها جالسة على سريرها، تمسك برأسها والتفكير ينهش فى خلايا مخها كالوحش الجائع.. جالسة بنفس منكسرة إلى فتات من كثرة اللوم والتأنيب؛ بسبب حادث شقيقها الأكبر.. هذا الحادث الذى كان علامة عميقة ونقطة تحول جذري فى حياة كل من فى ذلك المنزل البارد، وبالأخص مع الوالدة التى ضاعت فرحتها الأولى وفلذة كبدها؛ بسبب (سارة) التى منذ أدركت الدنيا وهى تعامل بكل كره ولؤم.. يجول فى بالها تساؤلات عن كره والدتها الشديد لها، وصرامتها التى لا تطاق، وناهيكم عن تفريقها الملحوظ بينهما وبين باقي أطفالها.. تلك الأم تتصرف وكأن (سارة) هى من دبرت هذا الحادث!.. أيعقل هذا؟!
ولكن فى ليلة مختلفة، إجتمعت العائلة سويًّا فى أمسية دافئة.. وهذا شيء نادر الحدوث فى بيتهم؛ بسبب إنشغال الوالد الدائم وسفره المتواصل؛ لأنه ذو رتبة عالية فى الجيش البحري للبلاد، فيذهب للعمل مع بزوغ الفجر، وقد يعود بعد أسابيع وربما أشهر.
وبعد أن إنتهت العائلة من تلك التى لا معنى لها، ذهب الجميع للراحة والخلود للنوم، فافترشت (سارة) سريرها تتنهدت بارهاق وملل، وهى تنظر للسقف وتتأمل اللاشيء الذي أمامها حتى شعرت بالنعاس وخلدت للنوم.. ولكن لذة النوم لم تدم طويلًا، واستيقظ الجميع فجأة على أصوات الكثير من السيارات والصراخ يعلو ويزداد بالخارج، فقفزت (سارة) من سريرها بفزع وخرجت لتستكشف ماذا يحدث بالخارج، ولكنها صُدمت عندما لم تجد إخوتها فى غرفتهم، وظلت تبحث فى الأرجاء عنهم حتى وجدتهم فى غرفة الوالدين.. فدبّ الخوف فى قلبها وهى ترى إخوتها مختبئين تحت السرير والأم تركض فى الغرفة بشكل جنوني تبحث عن شيء ما، فاقتربت (سارة) من أمها، وسألتها بفزع:
_ ماذا يحدث بالخارج؟!
قالت الأم وهى تفتح الخزانة بعنف:
_ لا أعرف! فجأة استيقظ والدك على مكالمة هاتفية ثم هرع للخروج.. هناك كارثة تحدث بالخارج!
قالت (سارة) بكلمات متقطعة:
_ ولمَ.. لم توقظيني؟
التفتت الأم وصرخت فى وجهها بعصبية:
_ إخوتك الصغار أهم بكثير!
كان وقع تلك الجملة ثقيلاً على قلب (سارة)، ولكنها لم تكترث بل شرعت تساعد أمها فى حماية إخوتها كما قالت تمامًا، فجلست بجانب السرير وقامت باخراج إخوتها وعانقتهم برفق وظلت تحادثهم وتمازحهم، وهى تفرك شعرهم تارة، وتربت على كتفهم تارة، ثم قالت:
_ سنلعب لعبة الغميضة سويًّا، ولكنها واقعية قليلًا عليكم الاختباء جيدًا، ولا تصدرا أي صوت مهما حدث، إذا خسرتما فلن تخسرا اللعبة فقط بل ستخسرا حياتكما أيضًا.. هل فهمتما؟
هزّ الصغيران رأسهما بطريقة طفولية، وعادا للإختباء تحت السرير مجددًا وكلًّا، منهما يضع كفه الصغير على فمه، ثم أغمضا أعينهما بأمر من أختهما التي قامت بتغطيتهما بغطاء السرير وعادت لتساعد أمها فوجدتها قد أفرغت كل ما فى الخزانة وهى تبكي وتبحث بهيستيريا، فاقتربت (سارة) منها وأمسكت بذراعها لتحاول تهدئتها ولكن الأم دفعتها بعنف فسقطتت على الأرض بقوة، وهى تراها تخرج مسدس صغير من بين الملابس، تعجبت (سارة) من وجود هذا المسدس هناك ولكنها فكرت فى أن والدها وضعه هنا لحالة الطوارئ أو ما شابه. وفجأة سمعوا صوت دق الباب بقوة ومحاولات عدة لكسره؛ فارتبكت الأم بشدة وبدأت دقات قلبها بالتسارع وهي لا تدري ماذا تفعل.. فاستجمعت شجاعتها ونظرت لأطفالها الصغار وكأنها تودعهم ثم خرجت وأقفلت باب الغرفة، ولكن (سارة) خرجت وراءها، فصرخت الأم بوجهها، قائلة:
_ لا تتركي إخوتك وحدهم أبداً!!
تراجعت (سارة) عدة خطوات وهي تبعد نظرها عن الأم التي استدارت ببطء لترى ما تنظر (سارة) إليه فتجد الكثير من الرجال بملابس وأقنعة سوداء!! توقفت عيناي الأم فى محورهما وتجمدت مكانها كالأموات لا تستطيع الحركة ولكنها أظهرت العكس فى جزء من الثانية ورفعت مسدسها فى وجوههم، ولكنها سرعان ما وجدت عشرات الأسلحة مصوبة تجاه رأسها. فى تلك اللحظة دخل عدد آخر من الرجال وأصبحوا كالجيش وكأنهم يظهرون من اللامكان. حاولت (سارة) التراجع ببطء شديد دون أن يروها والذهاب للغرفة حيث يختبئ إخوتها ولكن لسوء الحظ رأها أحد الرجال فركضت (سارة) بتجاه غرفتها حتى لا يرى إخوتها الصغار ويتجه للركض وراءها، لكن للأسف بدأ هؤلاء الرجال بالانتشار في المنزل واستكشافه فوجدوا الصغار واخذوهم خارج المنزل بينما يتولى الرجل الآخر أمر (سارة) فدخل غرفتها بهدوء وهو يعلم أنها ترى خطواته فهي مختبئة تحت سريرها تنتظر تلك اللحظة التي يبتعد فيها عن الباب حتى تخرج ولكنها متأكدة من أن تلك الخطة لن تأتي، فحتى لو لم يمسكها ذاك الرجل الموجود بغرفتها سيمسك بها رجل آخر.. خرج الرجل من الغرفة فهرعت (سارة) بالخروج من تحت سريرها وفجأة تجمد الدم في عروقها عند سماعها لصراخ أشقائها وأمها فبدأ الخوف باعتصار قلبها وهي تنصت لوالدتها وهي تتوسلهم لترك صغارها.. فى هذه اللحظة دخل الرجل الذي كان يطاردها وأمسكها بصعوبة بالغة.. وعندما أخرجها وجدت (سارة) أمها مربوطة بالحبال ومغطاة الوجه فتأكدت من أنهم سيـ.ـموتون جميعاً على يد هؤلاء الغامضين. خرج الرجال ومعهم (سارة) وإخوتها وبدأوا بوضع الأطفال فى شاحنة ضخمة ووضعوا (سارة) فى شاحنة أخرى حيث وجدت فيها فتيات أخريات فى مثل عمرها نهش الخوف فى أرواحهن وذبلت أعينهن من كثرة البكاء. وبعد فترة من الزمن امتلئت الشاحنة وأغلقها الرجال فساد الظلام داخلها ولم يستطع أحد رؤية الآخر ولكنهم يستطيعون سماع بكائهم.. حاولت (سارة) التركيز لترى من معها في الشاحنة فلمحت شخصاً تعرفه، وقالت:
_ مريم؟! هل هذه أنتِ؟؟
التفتت الفتاة المدعوة (مريم) واقتربت من الشخص الذي يناديها، وقالت بصوتٍ عالٍ:
_ سارة؟! أنتِ هنا!!
اقتربت (مريم) أكثر وعانقت صديقة طفولتها الوحيدة بقوة، ثم نظرت لها بعيون دامعة وقالت:
_ أشعر بقليل من الاطمئنان لوجودك هنا.. أنا خائفة جداً!!
نبست (سارة) بحزن:
_ وأنا أيضاً.
يبدو أن (سارة) لم تستفق من الصدمة بعد، وكأن كل ما يحدث الآن هو مجرد حلم طويل وواقعي قليلاً.. ولكن للأسف أنها الحقيقة المُرة التي قد تكون بداية حياتها أو نهايتها، ولكنها سظل متماسكة هادئة تقاوم فكرة البكاء والاستسلام، غارقة ف التفكير بلا سبب أو هدف تأمل أن يكون هذا كابوساً فظيعاً وحسب. وبعد فترة قصيرة تم اغلاق الشاحنة نهائياً وبدأت بالسير لوقت طويل.. وفى تلك الأثناء بدأت الشمس تشرق وقد تسلل شعاعٌ دافئ من نافذة صغيرة اعلى الشاحنة لتجعل الرؤية واضحة قليلاً، فاستطاعت (سارة) رؤية جميع الفتيات هادئات يبكين بصمت تام.. محبوسات فى سجن أفكارهن مثلها تماماً، ثم التفتت لـ(مريم) التي لم تتحمل التعب الشديد وغطت فى سبات عميق على كتف (سارة) الذي اعتبرته مسكنها الدافئ.
أخذت (سارة) تنظر لسقف الشاحنة وتتأمل الفراغ وهي تحاول مقاومة النعاس والتعب؛ فهي تخشي ألا تستيقظ مجدداً.. تفكر فيما قد يحصل بعد أن يُفتح باب الشاحنة.. هل سيرون الشمس مرة أخرى، أم يصبحون كومة من الجثـ.ـث المتراصة وبقاع الدمـ.ـاء تتسع رويداً رويداً؟؟ أم يتم الإتجار بهم وبالتالي يمـ.ـوتون ببطء شديد وهم أحياء حتى تهلك أرواحهم قبل أجسادهم؟؟ لحسن الحظ أنها مجرد افكار فى رأس (سارة) ولكن يوجد احتمال كبير فى أن تكون واقع حقيقي ملموس بعد توقف الشاحنة وفتح بابها.. ثم لفت انتباه (سارة) شيء آخر وهو أين كانوا رجال الشرطة؟؟ هناك شيء يبدو غير منطقياً، ولكنها مازالت لا تعرف ماهو، هي فقط تفكر وتفكر كل ما تفعله هو طرح الأسئلة ولكن بلا أجوبة، وبينما الجميع غارق فى بحر أفكاره بدأت فتاة بالصراخ بأعلى صوتها وهي تضرب رأسها وتبكي بحرقة ثم أمسكت بعنقها وكأنها تختنق، لم يتزحزح أحد لمساعدة الفتاة المسكينة سوى (سارة) التي حاولت الاقتراب منها ولكن (مريم) امسكت بذراعها بقوة بعد أن استيقظت بفزع على صوت صراخ الفتاة، ثم قالت لـ(سارة) بصوت منخفض:
_ لا تفكري فى الذهاب إليها.. إنها مايا!!
أردفت (سارة) بهدوء:
_ لا يهم، أريد فقط مساعدتها.. لن يحدث شيء سئ.
وبالفعل ذهبت (سارة) لتلك الفتاة ووضعت يدها على كتفها، وقالت بهدوء:
_ مايا؟ مابك؟؟
دفعتها (مايا) بقوة، وصرخت قائلة:
_ أنتِ!! ابتعدي عني لا تقتربي مني مجدداً!!
(سارة):
_ أنا فقط أحاول مساعدتكِ!!
عاودت (مايا) الصراخ:
_ لا أحتاج مساعدة منكِ!! ابتعدي عني!! لا أطيق وجودي معكِ هنا حتى!!
ثم قامت بدفعها مجدداً وبقوة أكبر فشعرت (سارة) بالحزن والإحراج الشديدان وعادت لمكانها بانكسار وهي ترى الجميع ينظرون إليها مما زاد الوضع سوءاً وجعلها تشعر بالخجل الشديد.. ثم انكمشت وضمت ساقيها وبدأت باتخاذ وضعية القوقعة وهي تتمنى أن تختفي من الوجود بعد ما حدث.. فاقتربت (مريم) من أذنها وقالت:
_ كان عليكِ الانصات إليّ أخبرتك ألا تذهبي.
قالت (سارة) وهي تشعر بالسوء:
_ لقد أردت أن أساعدها فقط.
عانقتها (مريم) وبقيت تواسيها لعدة دقائق ثم عادت للنوم علي كتفها مرة أخرى.. وبدأت (سارة) بمراقبة (مايا) بهدوء دون سبب، لتجدها توقفت عن البكاء والصراخ بعد أن حققت ما أرادت ووضعت (سارة) فى موقف لا تحسد عليه.
(مايا) فتاة امتلء جسدها بالحقد والكره تجاه (سارة) وليس قلبها فقط.. بعينان واسعتان بريئتان ورموش طويلة وشفاه ممتلئة، سمراء البشرة بشعر أسود متوسط الطول.. ملامحها البريئة تخفي وحش البغض الذي بداخلها. لقد كانت صديقة (سارة) منذ الطفولة، وهى أيضاً إبنة خالتها وقد قضيا معظم أوقاتهما سويا برفقة (مريم)، ولكن منذ حادث الأخ الأكبر وقد تغير كل شيء وبدأت (مايا) تظهر ما كانت تخفيه لسنوات.
أما بالنسبة لـ(مريم) فهي تقريبا الشخص الوحيد المساند لـ(سارة) والأقرب لها، والتى لم تتغير تجاهها حتى الآن.. إنها فتاة حنونة، رقيقة، ذات قلب نقي ومشاعر فياضة بالإضافة لساذجتها الشبيهة بساذجة الأطفال وجمالها الساحر.. ذات عينان بنيتان لامعتان، وشعر أسود طويل لامع، وملامح وجه ناعمة جذابة.. متوسطة الطول ورفيعة الجسد.
ومع مرور الوقت بدأ شبح الجوع والتعب بالتجول بين الفتيات، فبعضهم نائم والبعض الآخر خائف من أن تكون هذه آخر غفوة لهم ولكنهم فى النهاية لم يتحملوا وغطوا فى نوم عميق.. وبعد فترة أخرى من الزمن توقفت الشاحنة تماماً وبدأ الجميع بالاستيقاظ على أصوات تحطم واصطدام أو أن شيئاً ما يضرب الشاحنة بقوة وبالتأكيد هو أحد الرجال الغامضين بالخارج يحاولون إثارة الخوف فى قلوب من فى الشاحنات.. ولقد نجحوا بالفعل، فقد هرعت الفتيات للجلوس فى آخر الشاحنة، إلاّ (سارة) التي مازالت نائمة كالحمل الوديع ولم تستيقظ إلا على صوت باب الشاحنة وهو يفتح.. بدأ الخوف يعتصر قلوب الفتيات بقوة أكبر.. أما (سارة) فلم تستوعب الأمر بعد، لذا نظرت للفتيات بسذاجة وقالت وهي تفرك عيناها:
_ ماذا حدث؟
لم تجب أي من الفتيات وبقيت أعينهن متحجرات تنظرّن لشيء ما خلفها، لذا استدارت (سارة) بهدوء لترى باب الشاحنة مفتوح ولا أحد يقف أمامها فبدأت بالزحف على أطرافها الأربعة حتي حافة الشاحنة.. وعندما حاولت اخراج رأسها ظهر أحد الرجال الغامضين فجأة وكأنه خرج من العدم، فقفزت (سارة) للوراء بفزع وبدأت بالرجوع لتجلس بجانب الفتيات ولكن ذلك الرجل صعد للشاحنة وأمسك بها وأخرجها من الشاحنة لتصتف مع فتيات كانوا موجودات فى شاحنات أخرى، وبدأ بعض الرجال باصطحاب طوابير الفتيات إلى داخل مبنى ضخم يحيطه مجموعة من المباني، والأسوار العالية تحيط بالمكان، بالإضافة إلى وجود الكثير من الشاحنات والسيارات والأسلحة، ولا ننسى وجود الكثير والكثير من هؤلاء الرجال الغامضين اللذين يغزون هذا المكان الغريب.. وبعد أن دخلت (سارة) المبنى الضخم بدأت تفحص بنظرها المكان ولم تنتبه إلى أنها تركت الصف فتفاجئت بشخص خلفها يدفعها بسلاحه ويصرخ:
_ ما الذي تفعلينه هنا؟! عودي للصف!!
فعادت للطابور مطأطأة الرأس وبقيت تسير حتى وصلت لممر كبير مظلم يقود لمبنى آخر من المباني التي حول المبنى الضخم وفى النهاية توقف صف الفتيات عند غرفة واسعة بباب صغير وبدأت الفتيات بدخول الغرفة والخروج واحدة تلو الأخرى، وعندما جاء دور (سارة) ترددت في الدخول لثانية فقام أحد الرجال بدفعها بقوة فاضطرت للدخول والاقتراب من الرجل الذي كان جالس على الكرسي وهي تشعر بألم شديد يحتل ظهرها بسبب دفع الرجل لها مرتين متقاربتين بسلاحه.. أمر الرجل الجالس علي الكرسي (سارة) بأن تشمر ذراعها ففعلت ذلك فوراً لتذكرها ألم ظهرها؛ بسبب سلاح هؤلاء الرجال. بدأت الإبرة تخترق جلدها وهي مستسلمة تماماً، وهي ترى دمـ.ـائها يدخل الإبرة بانسيابية حتى امتلئت ثم غادرت على الفور برفقة واحد من أولئك الرجال.
عادت (سارة) لتفحص المكان بينما هي تسير لتجد المبنى عبارة عن الكثير من الغرف.. والعديد من الأدوار والممرات، وفي الطابق الارضي يوجد الكثير من القاعات التي تحوي عدد هائل من الفتيان والفتيات اللذين تعرضوا للخطف سابقاً، ولكن ما لفت انتباهها أكثر هو كيف بنوا هذا المكان؟؟ ومتى؟؟ ومتى وكيف اختطفوا هذا العدد؟؟
وبينما هي تستكمل سيرها توقف الجميع فجأة وطلب منها الرجل الذي كان برفقتها التوقف أيضاً، تسائلت (سارة) عن السبب ولكن الرجل الغامض لم يجيبها فبقيت صامتة لثوان معدودة لتجد مجموعة من الرجال يمرون وفى مقدمتهم شخص مثلهم يرتدي ملابس مختلفة وقد بدا لها أنه شخص مهم هنا.. وبعد أن مروا قال الرجل المقنع:
_ ليس من المفترض أن أجيبك.. ولكنه إبن القائد.
هزت (سارة) رأسها، فعاد ذلك المقنع يقول:
_ لن تفهمي ما يحدث الآن.. أنتِ خائفة صحيح؟
ردت (سارة) بتوتر من تحدثها مع ذلك الشخص الغريب:
_ أجل.. كثيراً.
قال مرة أخرى:
_ لا تقلقي قريباً ستكونين بأمان.. سارة.
صعقت (سارة) وأصابها الدهشة عندما سمعت ذلك المقنع ينطق باسمها.. وعندما حاولت سؤاله عن هذا كان قد وصلت لغرفتها فأدخلها دون الإجابة عن سؤالها وأقفل الباب ورحل بكل بساطة.. فارتمت على السرير؛ لترتاح قليلاً ثم أخذت تفكر بحيرة كيف لهذا الشخص المجهول أن يعرف اسمها؟؟ وعندما لم تجد إجابة لهذا السؤال المحير توقفت عن التفكير فيه.. وقفت فى منتصف الغرفة لتستكشفها فوجدت أربعة أسرة، وخزانة، وحمام صغير، بالإضافة إلى شباك كبير فى أعلى الغرفة عليه قضبان حديدية.. مرت عدة دقائق ثم دخلت فتاة أخرى للغرفة.. ولحسن الحظ لقد كانت تلك الفتاة هي (مريم) التي لم توقظ (سارة) عندما فُتح باب الشاحنة. اقتربت (مريم) من (سارة) في فرح شديد، وقالت:
_ أنا في غاية السعادة لوجودكِ معي في نفس الغرفة!
رمقتها (سارة) بنظرت جامدة، ثم قالت بغضب:
_ لماذا لم تفكري فى إيقاظي عندما فُتحت الشاحنة؟؟!
قالت (مريم) وهي تبلع ريقها بتردد:
_ لقد بدا عليكِ التعب لذا تركتك نائمة، صدقيني لم أكن أعلم أن باب الشاحنة سيفتح.
لم تستطع (سارة) الغضب ومناقشة (مريم) فى أمر تافه كهذا.. فهذا لم يكن الوقت المناسب بالتأكيد لذا اكتفت برمقها بنظرة حادة وهزّ رأسها، ثم بقيا الاثنتان جالستان فى صمت تام حتى قالت (مريم) وهي ترتمي على كتف خليلتها:
_ أنا مرهقة.. أشعر وكأن كل عظمة فى جسدي تصرخ.
بادلتها (سارة) هذا الشعور ثم عادت التفكير فى أمر ذلك المقنع الغريب.. وبينما هي غارقة فى تفكيرها، و(مريم) تحاول النوم مجدداً.. فُتح الباب ودخلت الفتاة الثالثة ثم وقفت فى منتصف الغرفة لثانية.. ثم اختارت سرير للجلوس عليه، وبقيت صامتة متظاهرة أنها وحدها فى الغرفة، فنظرت لها (سارة) لترى ملامح الاحباط واليأس تحتل وجهها، وفى تلك اللحظة نظرت الفتاة لـ(سارة) فتقابلت نظراتهما لثانية،قطعت (سارة) ذلك التواصل البصري القصير من شدة احراجها.. ونظرت للحائط وكأنها لم تكن تنظر لها، بينما تلك الفتاة اخذت تتأمل السقف ثم اطلقت تنهيدة صغيرة.. مع الوقت سئمت (مريم) من هذا الصمت الصاخب وتشجعت للتحدث وقالت للفتاة:
_ مرحباً بك.. ما اسمك؟
لم تعيرها الفتاة أي اهتمام فنظرت (مريم) لـ(سارة) وهي تتمنى لو أن الأرض تبتلعها بعدما تجاهلتها الفتاة.. ولكن المفاجأة أن الفتاة اعتدلت في جلستها لتواجه (سارة) و(مريم)، وقالت:
_ نور، إسمي نور.
إنزاح شعور (مريم) بالاحراج، وردت بابتسامة عريضة:
_ لديكِ إسم جميل للغاية! بالمناسبة أنا سارة وهي مريم!
صمتت (مريم) قليلاً لتستوعب ما قالته، ثم عادت:
_ أقصد أنا مريم وهي سارة.. أسفة أنا أتوتر بشدة عندما أتحدث لشخص جديد.
اكتفت (نور) برد الابتسامة.. وعادت للجلوس بصمت.(نور) فتاة جميلة حادة الوجه، رفيع الجسد، طويلة القامة، لديها شعر قصير أسود، وعيون رمادية، وغرة كثيفة تغطي عيناها، وقد بدا لـ(سارة) أنها إنطوائية قليلة الكلام لذا لم تُرد التحدث معها إلا عندما تطمئن لها ولـ(مريم). مرت دقائق وفُتح الباب ودخل رجل مقنع وقام برمي بعض الملابس على الأرض ثم رحل، فاقتربت (سارة) من قطع القماش تلك وفردتها ليظهر لها قميص طويل مع بنطال واسع، بدا الزي كئيباً لا ملامح له، لونه مابين الرمادي والأسود، أمسكت (سارة) بخاصتها وقالت:
_ أرجح أن نرتدي تلك الملابس الآن وبسرعة.. لن نستطيع البقاء بملابس نومنا لوقت طويل.
ارتدت الفتيات ملابسهن وعادت كلٌّ منهن للجلوس على سريرها مرة أخرى بصمت، فقالت (مريم):
_ إذاً وبعد أن ارتدينا تلك الأشياء.. ماذا الآن؟
(سارة):
_ لا أعلم.. ولكن دعينا نفكر فى خطة للهرب من هنا.
(مريم) بحيرة:
_ كيف؟؟ نحن لسنا على دراية بشكل المكان ومداخله ومخارجه.
ردت (سارة):
_ بالتأكيد سنجد حلاًّ، إما نخرج من هنا أو نمـ.ـوت هنا.
(نور) بسخرية:
_ وهل تعتقدين أننا سنعيش حتى نكتشف المكان بل ونضع خطة للهرب أيضاً؟؟!
شعرت (سارة) بالضيق من سخرية (نور) وانفعالها، فقالت وهي تحاول أن تكون هادئة؛ لأنها لا ترغب فى افتعال مشكلة أو تكون بدايتها مع (نور) سيئة:
_ فكري في الأمر، لا يبدو منطقياً أن يخطفوا هذا العدد أو أن يبنوا هذا المكان الشبيه بالمتاهة الضخمة لمجرد قتلنا، لابد من وجودنا هنا لسبب ما، حتى لو سيقتلونا فبالتأكيد ليس الآن.
(نور) ببرود:
_ ولما لا؟ فى كلا الحالتين لم يعد الأمر مهماً بالنسبة لي.
رغم غضب (سارة) من أسلوب (نور) إلا أنها لم تستطيع معاملتها بالمثل فهي ترى اليأس والاحباط يحتل قسمات وجهها.. ففضلت أن تتحدث بهدوء وتتغاضى عن أي شيء يحدث بينهما حتى يستطيعا العيش سوياً، ثم جلست على سرير (نور)، وقالت بهدوء:
_ ألا ترغبين فى العودة إلى والديكِ؟؟
(نور):
_ لا أملك والدين.
اكتفت (سارة) بالصمت.. فأكملت (نور):
_ توفي والديّ عندما كنت في الخامسة من عمري، والآن أعيش مع جدي.. أو كنت أعيش مع جدي.
(سارة) بحزن:
_ أنا أسفة.. ولكن ألا ترغبين في رؤية جدك مجدداً؟؟
(نور):
_ أشك أنه قد مات.
(مريم) بانزعاج:
_ لما تقولين هذا؟!!
تنهدت (نور)، ثم قالت:
_ لأن جدي مريض.. يصاب ببعض النوبات عند الانفعال الشديد، وهو يتناول بعض الحبوب أو حقناً ليهدأ وتستقر حالته، وقد أصيب بواحدة من تلك النوبات عندما أقتحم أولئك الأشرار منزلنا.. لقد أرضاً أمام عينيّ.. كنت على وشك غرس تلك الإبرة، ولكنهم أخذوني قبل أن أفعلها.. كل ما أردته هو إنقاذه.. هو من تبقي لي فى هذه الحياة ولقد سلبوه مني.. كنت أترجاهم أن يتركوني أنقذه، كنت موافقة على أن يأخذوني ويفعلوا بي ما يريدون، ولكن أطمئن أنه بخير.
شعرت (سارة) بالأسف الشديد على ما حدث لـ(نور) وأصبحت الآن تتفهم لما (نور) سلبية هكذا؛ لأنها فقدت أهم وآخر شيء بالنسبة لها وهو جدها، ثم نظرت لـ(مريم) لتجد عيناها تلمعان وأنفها أحمر اللون مثل الكرز وكأنها على وشك البكاء فنظرت إليها (نور) بتساؤل واعتقدت أن (مريم) تعاني حساسية ما، فردت (سارة) بدلاً من (مريم)، قائلة:
_ لا تقلقي إنها فقط حساسة وقد تأثرت بما قلته.
ابتسمت (نور) وربتت على كتف (مريم)، وقالت:
_ لا تبكي، لقد حدث ما حدث وكان عليّ تقبل الأمر.. ولا أستطيع تغيير الواقع أو الرجوع بالزمن، أنا واثقة أنه في مكان أحسن الآن.
مر الوقت والفتيات يتحدثن سوياً عن بعضهن وحياتهن قبل أن يأتين إلى هنا، ثم بدأت (سارة) بالتحدث عن خطة الهروب مجدداً فبدأ الكل بمشاركتها وإعطاء رأيه، وبينما هن يتحدثن عن الهرب والخروج من هنا دخل أحد هؤلاء الرجال فجأة!! فتجمد الجميع مكانهم وتوقفت أعينهم في محجريها؛ خوفاً من أن يكون قد سمع كل شيء.. رمى ذلك الرجل أحذية للفتيات، وقال بحدة:
_ ارتدين هذه الأحذية وهيا معي.
تسارعت نبضات قلبهن ونزل الخوف والرعب عليهن كالقذيفة المباغتة.. تباطئت أقدامهن فى السير فصرخ بأعلى صوته حتى يسرعوا، وبدأت كل منهن بالنظر إلى الأخرى بصمت تام، ثم وجهوا نظراتهم لـ(سارة) التي كانت مصفرة الوجه متصلبة الملامح تكرر بداخلها:
_ سنمـ.ـوت جميعاً!!
وبقوا يسيرون فى بضعة ممرات ومع كل خطوة كان قلب (سارة) ينبض بقوة حتى كاد يقفز من صدرها. ثم فجأة توقف الرجل وأدخل الثلاثة إلى قاعة كبيرة مليئة بالفتيات وتركهن وذهب، فقالت (سارة) في نفسها:
_ كيف إختطفوا هذا العدد فى يوم واحد؟؟ هل هم كُثر لهذه الدرجة؟! وماذا سيفعلون بنا؟؟ ماذا يريدون؟؟
استمرت الفتيات بالدخول حتى كادت القاعة تنفجر من كثرة الفتيات فيها.. وبعد بضع دقائق دخل شخصٌ ما وراءه عدد من الرجال.. وقد ذكّرها هذا بالمشهد الذي رأته من قبل عندما أخبرها الرجل أنه إبن القائد ولكن الفرق أن هذا الشخص يرتدي ملابس وقناع مختلف عن باقي الحراس وعن ما كان يرتديه إبنه، كما أن ذلك الشخص يرتدي وشاحاً أسود طويل. بدا لـ(سارة) أن هذا الشخص هو العقل المدبر لكل شيء.. وفجأة أُغلق الباب بقوة فأصيب الجميع بالفزع ونظرت (سارة) لـ(مريم) لتراها ترتجف من الخوف فامسكت بيدها بقوة كمحاولة لزرع الطمأنينة في قلبها.. مرت ثوان معدودة وقد بدأ شبح الصمت يتجول فى المكان؛ فالكل ينتظر من ذلك الشخص التحدث.. وأخيراً خلع ذلك الشخص قناعه ليظهر رجل وسيم القسمات فى الاربعين من عمره، طويل القامة بشعر طويل وعينان خضرواتان حادتان، وأكتافٍ عريضة. بدأ ذلك الشخص برمق الجميع بنظرة حادة مريبة وهو يتجول في المكان حول الفتيات والفتيان، ثم عاد لمكانه مجدداً ولقد كان هذا غريباً.
ولكن يا تري من هذا الشخص؟؟ وماذا يريدون؟؟! وماذا حدث للأهالي؟؟ وهل سيبقيهم أحياء أم سيقتلهم؟؟

Behind The Walls - خلــف الأسـوارWhere stories live. Discover now