✦ ℭ𝔥𝔞𝔭𝔱𝔢𝔯 11 ⁽⁠⁽⁠ଘ⁠(⁠ ⁠ˊ⁠ᵕ⁠ˋ⁠ ⁠)⁠ଓ⁠⁾⁠⁾⁦☆゚⁠.⁠*⁠・⁠。゚⁩ ✦

12 3 5
                                    

وبمجرد إغلاق هاتفه، التفت لنفسه فى المرأة ينظر لوجهه المنحوت، وشفافه المحددة، وعيناه الزرقاواتان وحاجبيه العريضان.. ثم أزال المنشفة من على رأسه ليبعثر خصلات شعره الأسود الأشعث، الكثيف، وهو يهمس بخبث وابتسامة كاشفة عن تلك الاسنان اللامعة:
_ أنا قادم لأجلكِ أختي.. حان الوقت لنجتمع كعائلة.
فى نفس اليوم.. وفى وقت آخر، وقبل أن تقوم (مريم) بفتح صندوق أسرار (سارة) أوقفتها (ريا) قائلة بحزم:
_ مريم.. لا تخبرينا بشيء، هناك طرق أخرى للتواصل مع سارة.. إن كنتِ مترددة وغير مرتاحة.. لا تتحدثي.
ظلت (مريم) صامتة بتلك الملامح المترددة الخائفة، بينما (نور) تنظر لها بدهشة ثم اعترضت بانفعال:
_ ولكني أريد أن أعرف ما خطب سارة! ومنذ متى أصبحت قاتلة و..
قاطعتها (ريا) بنظرة جادة ونبرة حازمة:
_ نور، هناك وقت مناسب لكل شيء.. ما رأيكِ فى التحدث عن شيء آخر الآن؟
أومئت (نور) برأسها وكأنها أخيراً أدركت ما تحاول (ريا) قوله ثم نظرتا لـ(مريم) التى تنظر لهما بحيرة وكأنها تريد قول شيء ما ولكنها مترددة، فقالت (نور) لتهدئها:
_ مريم، لا بأس لو لم تريدي إخبارنا بشيء.. فى النهاية كل ما يهمنا أن تكوني مرتاحة، وأن تكون سارة بأمان.
رفعت (مريم) رأسها لتحاول التحلي ببعض الشجاعة ثم سألتهما بتردد وشك:
_ هل صدقتكما ما قالته مايا عن سارة؟
اقتربت (ريا) منها وبيدها الرقيقة أمسكت بيدها وضغطت عليها بحنو ثم أجابتها:
_ كيف تتوقعين منا أن نصدق هذا الهراء؟! نحن نعرف سارة أكثر من أي شخص آخر.. نحن نثق بها ونحبها، إن لم يكن بسبب الوقت الذي قضيناه سويًّا فبسبب رؤياي.. سارة لم تقم بشيء خاطئ.. صحيح أنني مازلت لا أعلم عن سبب وجودها مع القائد وكونها خطيبة ابنه ولكني أعلم أنها شخص مهم ومحبوب بينهم؛ لأنها تستحق ذلك.
أومئت (مريم) برأسها بصمت ثم نظرت لـ(نور) منتظرة إجابتها بصبر، فردت بهدوء وبرود وهى تعقد ذراعيها:
_ أظن أن صفعتي التى تركت أثرًا على وجه تلك الحثالة وجعلت خدها متورمًا هى أنسب إجابة لسؤالك.. وبالتأكيد عندما نلتقي بسارة ستخبرنا بكل شيء بالتفاصيل المملة.. ولكن أخبريني أنتِ، لماذا تسألين؟؟
ابتلعت (مريم) ريقها لتتحضر للإجابة، ثم ردت بتوتر:
_ رغم الوقت الذي قضيناه معًا ولكنكما مازلتما لا تعرفان سارة كما أعرفها أنا، لذا افترضت أنكما قد تصدقان مايا.
نبست (نور) بابتسامة مستهزئة وهى تتجه لسريرها:
_ إذًا لا تفترضي مجدداً.. ولا تذكري اسم تلك الفتاة أمامي.. اسمها فقط يشعرني بالتقزز.. والآن، أستئذنكما فى الانسحاب والنوم مبكرًا؛ لأن لدي الكثير من المشاغل غدًا مع القائد.
ثم نظرت (ريا) لـ(مريم) قائلة بابتسامة رقيقة:
_ ما رأيك بتركها ترتاح والذهاب للتمشية قليلًا.. نحن لم نخرج من قبل بعد انتهاء الدوام، وهناك حديقة صغيرة جديدة أرغب برؤيتها.
رحبت (مريم) بتلك الفكرة بكل سرور وتجهزا وخرجا سويًّا ليجدا الكثير من الفتيان والفتيات يغزون الساحات.. يلهون ويستمتعون بوقتهم فقررت الفتاتان الانضمام لهم وتغيير روتينهم الملل.
فى وقت سابق وبعدما قامت (نور) بطرد (مايا)، اتجهت مع رفيقاتها للساحة ثم إلى خلف أحد المباني ليقابلوا بعض الأشخاص هناك.. فتقدمت (مايا) قائلة بقلق:
_ بالتأكيد سمعت عما حدث منذ قليل.. صحيح؟
أجابها بصوته العميق الهادئ:
_ يقولون أنها مجنونة وتهجمت على خطيبها فجأة.
قالت (مايا) بانفعال وجنون:
_ إنها كذلك بالفعل! لا أحد يعرف حقيقتها أكثر مني! إنها بالفعل مجنونة وكانت ستقضي بقية حياتها فى مستشفى الأمراض العقلية لولا أننا أتينا إلى هنا!.. إنها مهووسة بالقتل، لقد حاولت قتلي وقتل أخاها الأكبر عدة مرات، وفى النهاية تختبئ وتذهب للبكاء فى أي زاوية وهي تدعي أن أصواتًا فى عقلها أمرتها بذلك، أو تتهم أخاها بكل بساطة أنه من حثها على تلك الأفعال!! إنها شيطانة لا تتوقف عن أذية من حولها!
نظر لها بعيناه السوداء الحادتان اللتان يمتلئان بالدهشة والحماسة من اندفاع (مايا) وصراحتها؛ ثم همس بخبث:
_ قريبتكِ تلك.. مثيرة للاهتمام.. وسارة.. اسم جميل.
ثم أكمل وهو يبتسم:
_ أخبرتني أذاني أنها أصبحت مهمة للأب وابنه الآن.
نظرت له (مايا) وعيناها تلمع بشر، ثم قالت بجنون:
_ لذلك ستكون هى هدفنا التالي.. هذه ستكون من أقوى ضرباتنا وستثير جنون القائدان.. إسمح لي بأن..
قاطعها بحزم وانزعاج:
_ لا! هذا لن يحدث.. هدفنا هو الخروج من هذا السجن وليس إيذاء الآخرين.. إيذاؤها ليست طريقة للضغط عليهم وإخراجنا بل طريقة لقتلنا.. إنها خطيبة شخص خطير.. سيجدنا فى أي لحظة ويقتلنا بيداه العاريتـان.
صمت قليلاً ليفكر ثم قال بخبث:
_ ولكن يمكننا استضافتها لبعض الوقت.
تسائلت (مايا) بدهشة:
_ ستخطفها؟! ولكننا لا نملك المكان أو العدد الكافي!
أجابها والحماس يقفز من عيناه:
_ العدد موجود والمكان فى الممرات المظلمة التى ما زالت تحت الإنشاء.. الخطة هى سنحدث ضجة فى الممرات ليزدحم المكان ويخرج الجميع من غرفهم ثم سنهجم على فريق الحراس الخاص بالفتاة، ثم نأخذها لبعض الوقت.. خطة بسيطة.
أومئت (مايا) برأسها بتفهم ثم قالت:
_ أمرك يا فارس.
لكنه أوقفها وطلب منها الاقتراب منه، ففعلت وهى تحاول إخفاء خدها الأحمر المتورم، ثم أمسك بذقنها ورفع رأسها لتنظر له بتلك العينان الواسعتان بريئتا المظهر، ثم أخبرته عما حدث وسبب تعرضها للصفع، فقال لها بنبرة رقيقة وهو يبعد يده عن وجهها:
_ مشكلتكِ أنكِ متسرعة وغبية، ولكنكِ مطيعة.. هيا إرحلي ولا تقوم بأي شيء غبي مرة أخرى.
أومئت ورحلت بصمت وبمجرد ابتعادها همست بغضب:
_ بالتأكيد سأنفذ ما تطلبه ولكن ليس قبل تنفيذ خطتي.
فى تلك الأثناء كان كلاًّ من (ريا) و(مريم) يتمشيان بهدوء فى أرجاء الحديقة بين الزهور والأشجار التى زرعت حديثًا. لاحظت (ريا) شرود (مريم) فقالت بابتسامة مبتهجة لتحاول كسر حاجز الصمت المميت:
_ أتعلمين؟ أشعر بالانتعاش والراحة هنا، هذا أفضل من قضاء باقي يومنا فى الغرفة.
ظلت (مريم) تسير وهى هائمة دون رد، فأضافت (ريا):
_ ما رأيكِ فى الذهاب للمكتبة غدًا برفقة نور؟ إنها تحتاج لبعض المرح والراحة بعد كل عملها الشاق مع القائد وتلك الاختبارات والتدريبات القاسية.
لم تجب أو تعيرها بعض الاهتمام حتى، وظلت تسير بجانبها تجر جسدها الثقيل بشرود وحيرة، فقررت (ريا) خوض محاولة أخرى، قائلة بنفس النبرة:
_ هل قررتي فأي مجال ستعملين؟ فكرت فى الزراعة؛ لأن أبي كان مزارعًا وتعلمت منه الكثير.. ولكني أميل إلى تصميم الملابس؛ لأنه حلمي منذ الصغر، وكنت أنوي السفر مع عمتي لدراسته ولكن أبي رفض لأنني مريضة وضعيفة الجسد.. أتعلمين؟ اسم عائلتي هو "أعداء الشمس".. يبدو هذا سخيفًا لأننا نشبه البشر المصابون بمرض المهقة.. لدى عائلتي أسماء أخرى لكن هذا أبرزهم.
ظل الوضع على حاله.. (مريم) غارقة فى أفكارها منعزلة عن العالم الواقعي و(ريا) تتحدث وتتحدث دون جدوى حتى سئمت، فقالت بحنق وضيق:
_ للأسف أعلم بماذا تفكرين.. لذا من الأفضل أن نعود.
أمسكت (مريم) ذراعها بقوة، ثم قالت بانفعال وتردد:
_ لا!.. صدقني أنا سعيدة بوجودي هنا معكِ، وكنت أستمع لكل ما قلته، ولكن الأمر هو أنني لم أفترق أبدًا عن سارة، لذا أنا قلقة باستمرار؛ لأن سارة نوعًا ما..
توقفت (مريم) عن الحديث، و(ريا) عن الاستماع؛ بسبب رؤية بعض الفتيات ملتفون حول شخص ما وهم يتهامسون ويتحدثون بغموض.. فاقتربت الفتاتان لتجدا أن ذلك الشخص هو (مايا) التى كانت جالسة بين أولئك الفتيات تحادثهن بصوت منخفض ثم تتعالي ضحكاتهم فجأة. لقد كانت (مايا) التى كانت تنهش فى (سارة) بالكلماتها.. فكانت تخبرهم أنها شخص سيء السمعة.. تخبرهم أنها شريرة.. تخبرهم أنها مخادعة وقد خدعت الكثير ومن ضمنهم خطيبها.. تخبرهم أنها لا تصلح لتكون قائدة.. وأنها عار عليهم وعلى العالم الجديد الذي قرر (چيت) صنعه.. تخبرهم بالكثير من الأشياء التى ليست إلا أوهام تكتسح عقلها الفارغ والمليء بالترهات.. ولكن تلك الأوهام هى حقيقة هنا.. للأسف لقد صدقوها.. صدقوها وتناقلوا تلك الشائعات بينهم.. وكل شخص يضيف لمسته الإبداعية الخاصة فيزيد الوضع سوءًا.
لاحظت (مايا) وجود (ريا) و(مريم) بين الفتيات يستمعا لكل ما يقال فى حق (سارة).. لا يستطيعان الوقوف وحدهما أمام هذا الحشد واسكاتهم.. هما فقط واقفتان يستمعان بخيبة وغضب. الكلمات وكأنها سهامٌ تمزق قلب (مريم) إربًا إربًا.. وحجارة ضخمة على صدر (ريا) تكسر عظام قفصها الصدري عظمة عظمة. نظرت (مايا) لهما بابتسامة خبيثة على ثغرها وهى تشاهدهما ينسحبان ويغادران بهدوء تام؛ لتشعر بالنشوة والنصر.. وهى لا تعلم أنها تحفر قبرها بيدها وبمجارف أشخاص آخرين.
عادت (ريا) و(مريم) إلى غرفتهما وهما يجرا ثوب
الضيق ورائهما.. لتذهب (مريم) لدفن أحزانها بالنوم بينما (ريا) تشاهدها تنطفئ من الحزن وهى لا تستطيع مواساتها وكأن كل الكلمات هربت من فمها. فقررت الخلود إلى النوم هى الأخرى.. ولكنها لم تستطع، فقررت الذهاب لمكان آخر حيث وجدت نفسها واقفة فى أحد أركان غرفة ما، تشاهد (سارة) تقف بعيدًا، وهى ممسكة بمسدس تصوبه ناحية رأسها وتكرر عبارة لم تستطع سماعها، ثم فجأة رأت شيء يتحرك بسرعة.. لقد كان شخص ولكنها لم تستطع رؤية شكله بل شعرت بحضوره وطاقته.. ثم انتبهت أن لا أحد يراه سواها.. فظلت واقفة تراقبه بهدوء وهو يقترب من (سارة) ويغرز إبرة صغيرة فى ذراعها ثم خرج من تلك الغرفة بهدوء.. فتبعت (ريا) ذلك الكيان المجهول ووجدته يهمس فى أذن سيدة كانت تراقب (سارة) وهى تسقط، ثم رحل واختفى نهائيًّا. فأغلقت عيناها وفتحتهما لتجد نفسها واقفة أمام باب تلك الغرفة تنظر إلى اللافتة المكتوب عليها "غرفة الإحتواء" لم تفهم (ريا) معني اللافتة ولم تكترث لها مطلقًا.. ثم التفتت لـ(ديڤلين) الذي حمل (سارة) بعناية ورفق وأخذها لغرفة أخرى.. وتلك السيدة تتبعهما بعلبة بها أدوات طبية. فحاولت الذهاب وراءهم ولكنها استقيظت فجأة وانتفضت من مكانها وكأن دلوًّا من الثلج أُفرغ فوق رأسها.. وبعدما استفاقت أول ما التفتت إليه كان قلادتها التى تضيء وتنطفئ بشكل غريب، فخاطبت نفسها:
_ سارة لم تكن واعية، وكأن شيء ما استحوذ عليها.. وذلك الكيان لديه حضور قوي وجذاب ويبدو أنه لا يريد أن تُكشف هويته.. ولكن تلك السيدة تعلم من هو.. يا ترى ما قصة هذا المتخفي؟.. أظن أنه كان موجودًا فى المرة السابقة عندما كانت سارة مجروحة وفاقدة للوعي ولكني لم أنتبه له وقتها.. أريد أن أعرف من هو بشدة.
ثم خلدت إلى النوم لتستيقظ وتنهي مهامها الشاقة. وبعد انتهاء الدوام وقرابة منتصف الليل شعرت (ريا) بالارهاق والنعاس الشديدان وكأنها لم تنم منذ قرون.. وفور إغلاق جفنيها، وجدت نفسها واقفة فى سواد حالك لا نهاية له.. مشلولة لا تستطيع الحراك.. تلتفت يمينًا ويسارًا بحيرة حتى سمعت صوت صدى شهقات وصراخ يأتي من بعيد ويتبعه أصوات صاخبة ضاحكة تنهال بعبارات السخرية والاستهزاء، ثم ظهرت أمامها من بعيد (سارة) التى كانت تصرخ فى تلك الأصوات، بينما هى تجري بأقصي ما لديها حتى عثرت على ذلك الحجر الأزرق. وبمجرد لمسها له تحررت (ريا) من ذلك الشلل وأصبحت تستطيع الحركة، فأسرعت فى الاقتراب من (سارة) والاندهاش يتملكها، فكانت كلما تحدثت وأمضت وقت أكثر معها كلما إزدادت دهشتها.. ولكن تلك المقابلة السعيدة لم تدم بمجرد ظهور (ديڤلين) وتصرفه العنيف تجاه (ريا) التى نظرت له بغضب وتفاجئ فوجدته ينظر لها بتلك العينان الحمراواتان كالدماء اللتان تشعان غموضاً ورهبة، فاتسعت حدقتا عيناها وخاطبت نفسها:
_ هذا مستحيل! هل يعقل أنهم ما زالوا أحياء؟!
ثم تحولت نظرتها مجددًا لغاضبة وجادة وهى تراقبه ينظر لـ(سارة) باهتمام ممزوج بغموض، فحادثت نفسها:
_ إذا كان منهم فهذا يعني أنهم جميعًا على قيد الحياة وأن هناك أمل فى عودتهم.. وهذا مطمئن قليلًا؛ لأن سارة فى أيدٍ أمينة.. ولكن واضح أنه يغار عليها.. إنه رومانسي.
ثم وجدت (سارة) تسألهما فأجابتها أولاً؛ لتحاول إرباكه ظنًا منها أن وجهه قد يحمر قليلاً، أو يشعر بالقلق.. ولكنه خيب ظنها فقد ظل كما هو بوجهه المتجمد وعيناها المخيفتان، ينظر لها وكأنه أسد يستعد للهجوم على فريسته. ولحسن الحظ شعرت (ريا) بالضعف ووجهت رسالتها الأخيرة ثم استقيظت فجأة على صوت (نور) التى تستمر بإيقاظها.. وعندما أفاقت، قالت لها بتوتر:
_ لقد كنتِ تأنين كثيرًا وأنت نائمة لذا إعتقدت أنكِ تحظين بكابوس.. وكنت تضحكين أيضًا.. أنتِ بخير؟
أجابتها (ريا) هامسةً بحماس وهى تفرك عيناها:
_ لقد كان تواصل ثلاثيًّا رائعًا!!
ثم أخبرت (نور) بكل شيء قبل أن تسأل، فقالت بارتباك:
_ إذًا سارة سليلة متحولين أقوياء.. وقد تواصلتي معها ومع الشخص الذي اختطفها والذي هو خطيبها.. والذي يحبها حقًّا.. لا، عقلي سينفجر من تلك المفاجأت!
قالت (ريا) وهى تهدأ (نور) وتحاول كتم ضحكتها:
_ الأمر ليس كذلك، أظن أن ذلك الشخص اختطفها لتقوم بمهمة معه؛ لأنني رأيتهم سابقًا وهو يلقنها بعض التعليمات، وكانا يتحدثان برسمية.. لذا فسارة خطيبته أمام الجميع فقط.. أتفهمين ما أقوله؟
أومئت (نور) برأسها وأجابتها:
_ بالطبع.. ولكن هذا يعني أن سارة جاسوسة مثلاً؟
فردت (ريا) وهى ترجع رأسها لوسادتها:
_ ربما.. أظن ذلك.. الأهم أنني تأكدت أن سارة بخير.. وقريبًا سأعرف كل شيء يجري هناك.
ثم عادت (نور) لنومها سريعًا، وكذلك (ريا) ولكنها أخرجت قلادتها قبل ذلك لتجد الحجر مازال يومض وينطفئ بسرعات مختلفة كنبض القلب، فخاطبته بهمس:
_ بالتأكيد أنت السبب فى نومي المفاجئ وتواصلي معها.. ولكن لماذا؟
ثم أغمضت عيناها فهى لا تتوقع من حجر الإجابة على
سؤالها.. ولكن فجأة سمعت صوت كصوت الرياح.. صوت يأتي من حولها وليس من الحجر، وكأنه يخرج من كل أركان الغرفة! ويقول بذلك بصوت أثنوي رقيق ساحر:
_ لأنه حان وقت الظهور من خلالها.
ففتحت عيناها بصدمة واندهاش لتدرك أن روح الحجر تلك تحدثت إليها كما فعلت مع (سارة).. ولكنها لم تفهم ما الذي قصدته بتلك الجملة وما الذي تنويه.
وفى صباح اليوم التالي، استيقظت (سارة) ومازال الألم والدوار يرافقانها.. ثم أصابها الفزع بمجرد رؤيتها لـ(شيرة) التى كانت نائمة ونصف جسدها على السرير بجانبها، والنصف الآخر على الأرض، فأيقظتها على الفور لتنهض وتجلس على الكرسي الذي كان بجانب السرير ثم قالت وهى تتثاءب وتفرك عيناها:
_ آسفة.. لقد غصت فى النوم.. لم أنم منذ يومان؛ لقد كنا نتناوب على مراقبتكِ
سألتها (سارة) بحيرة:
_ لماذا؟ ولكم من الوقت كنت نائمة؟
فأجابتها (شيرة):
_ لأنكِ كنتِ تستيقظين وتمشين فى نومكِ، أو تبكين، أو تصرخين، ثم تعودين إلى النوم مجددًا.. وكنتِ نائمة أو بقيتي على هذه الحالة لمدة يوم كامل.
رفعت (سارة) حاجبيها وقالت باندهاش لم يظهر على ملامحها ونبرتها؛ بسبب التعب:
_ حقًّا! كل ما أتذكره أنني إستيقظت وبحثت عن ديڤلين ثم فقدت الوعي، واستيقظت وتحدثت مع ديڤلين ثم عدت إلى النوم.. لابد أنني أرهقتكم.. أنا آسفة.
فأردفت (شيرة) سريعًا:
_ لا، على الإطلاق، فى الحقيقة ديڤلين من ظل بجانبكِ.. بينما أنا كنت ساهرة أقوم ببعض الأشياء فى المختبر وكيف ذهب ليقوم ببعض المهام.
اتسعت عينا (سارة) ثم خبئت وجهها من الاحراج وقالت:
_ أتقصدين أنه رأى كل ما فعلته وقلته البارحة؟!.. هذا فظيع!.. أتمني أنني لم أقل أي شيء محرج.
ردت (شيرة) بابتسامة متوترة:
_ كل ما كنتِ تقولينه هو "دعوني وشأني.. لن أستمع لكم.. لن أؤذي أحدًا".. وهذا طبيعي بالنسبة لكونكِ نائمة.. فلندع القلق لما سيحدث أثناء إستيقاظكِ مثل الهلوسة، وفقدان التركيز، وعدم الاتزان العاطفي.
أردفت (سارة):
_ بالفعل لم أكن أستطيع التحكم فى مشاعري وإنفعالاتي ليلة أمس، كنت أريد البكاء على ما فعلت ولكني لم أستطع، وكنت أشعر بمشاعر مختلطة كالخوف والإثارة والحزن.. وكنت فاقدة للتركيز وأكرر الكلام عدة مرات.. والآن أشعر بالخمول الشديد.. والغضب.
فقالت (شيرة) وهى تلوح بيدها باستخفاف:
_ لا تقلقي ستعودين إلى طبيعتكِ فى غضون يوم.. سأذهب لإحضار فطور لكِ.
أثناء تناول (سارة) لفطورها، كان (ديڤلين) قد استدعاه والده فيذهب إليه والغضب يملئه على إعتقاد أنه قد يكون وراء تلك الحادثة. وكالعادة استقبله القائد (چيت) بترحيب ثم قال له بقلق:
_ سمعت بعض الشائعات.. ماذا حدث؟
جلس (ديڤلين) أمامه على تلك الأريكة وسأل بهدوء:
_ أنت حقًا لا تعلم؟
ارتسمت ابتسامة صغيرة متعجبة، ثم قال:
_ كنت أتوقع أنك ستأتي؛ لإتهامي.. وهذا حقًا.. يشعرني بخيبة أمل كبيرة.
ثم أكمل بحزن زائف:
_ لم يتبقى لى الكثير فى هذه الحياة، وكل ما أسعى إليه هو أن أصبح أبًا جيدًا؛ لتتذكرني عندما أرحل.. كل ما أريده هو أن أعيش لوقتٍ أطول حتى أرى أحفادي يكبرون.. وبعد كل هذا تأتي وتتهمني؟!
ابتسم (ديڤلين) ابتسامة جانبية ساخرة، وقال:
_ قررت أن تصبح أبًا جيدًا فجأة؟!.. هذا مثير للاهتمام.
غطى القائد عيناه بحزن وانكسار، ثم أردف:
_ أنا حقًّا صادق.. لم يعد تدبير المؤامرات والخطط يناسبني.. كل ما أطمح إليه هو إكمال مشروع عالمنا الجديد، وإجراء أبحاث مسالمة.. أنت لا تعلم كم أتمنى لو أنني أستطيع محو أخطائي؛ حتى لا أعيش معذبًا هكذا!
ضحك (ديڤلين) وهو غير مصدق لأي شيء يتفوه به والده، ثم سأله بهدوء مريب فجأة:
_ وهل كان أراڤ غلطة لتموحها؟
لم يظهر (چيت) أي رد فعل، ثم قال ببرود:
_ أعلم أن الصدمة ما زالت صعبة عليك لتصدق أن أراڤ مـات وحيدًا.. وأنا أعذرك فالصدمة صعبة عليّ أنا أيضاً.
وفجأة أمسك بذراعيّ (ديڤلين) قبل أن يتحدث وأخذ يهزهما وهو يقول بانفعال:
_ ولكن، صدقني، مستحيل أن أمس سارة بسوء.. كيف لشخص أن يؤذي شخص يحبه كثيرًا؟!.. إنها إبنتي الآن!
تجاهل (ديڤلين) تجاهله لسؤاله، ثم زفر وقال له:
_ لا أعلم لماذا أصدقك.. أظن لأن سيكون أول المتضررين هو أنت؛ لأن ما حدث سيسبب عدم الاستقرار فى القاعدة وانتشار الشائعات والبلبلة.
نظر له القائد بفرح كبير ثم عانقه وهو يقول:
_ كنت أعلم أنك ستصدقني؛ لأنك تعلم أنني لن أضرك أو أضر أي شخص تحبه.. ولأنك ما زلت تعتبرني أباك بعد كل شيء، صحيح؟.. وأنا فخور لأنني أمتلك إبنًا مثلك.
لم يستطع (ديڤلين) تبادل العناق معه فربت على ظهره ثم أبعده عنه ليرحل وهو يخاطب نفسه بسخرية:
_ بالطبع يجب أن تكون فخورًا؛ لأن لديك تجربة ناجحة.
ثم ذهب لرؤية (سارة)، فأخبرته (شيرة) أنها تركتها فى الغرفة تهلوس تارة وتنام تارة أخرى.. فدخل (ديڤلين) ليجدها جالسة على الأرض، شاردة الذهن تتأمل اللاشيء الذي أمامها.. وفور ولوجه للداخل نظرت له بابتسامة مشرقة وعيونٍ لامعة، ثم طلبت منه الجلوس بجانبها.. ففعل، وهو لا يعلم ما الذي تنويه، ثم بادرت الحديث:
_ أريد الإعتذار عن الكثير من الأشياء، أولها إفساد خطتك وتعطيلها.. ولكن هل كنت تعتقد أنني غبية؟
نظر لها بتساؤل وحيرة، فأكملت بغضب وانفعال:
_ هل كنت تعتقد أنني سأصدق أنه فور انتهاء خطة الزواج المزيف تلك أنني سأخرج من هنا حرة؟! ما الذي كنت سأفعله وحدي فى الخارج؟! ما الذي كنت تفكر فيه عندما عرضت عليّ مقابل كهذا؟!
ظل صامتاً لوهلة، ثم أجابها بهدوئه المعتاد:
_ كانت خدعة؛ لأن كل ما كنتم تفكرون فيه جميعًا هو كيفية الخروج من هنا والعودة لأحضان عائلاتكم.
انفجرت ضاحكة ثم تحولت نبرتها لحادة وهى تقول:
_ أنا الشخص الوحيد الذي لم يرد العودة لأهله.. فى الحقيقة، أريد شكر من أحضروني إلى هنا، وأريد أن أعطي والدك عناقًا كبيرًا وأشكره على هذا المشروع.
أردف (ديڤلين) بارتباك وتعجب:
_ هل تكرهين أهلكِ لهذه الدرجة؟!
صمتت للحظات ثم قالت وهى تضحك:
_ الأمر ليس هكذا.. لقد كنت سأذهب إلى المستشفي لأجلس مع المجانين وأتلقى علاج بالكهرباء وأمضي اليوم وحيدة أتناول المهدئات حتى أنام ثم أكرر هذا الروتين كل يوم.. لذا وجودي هنا أفضل من المستشفى.. هل كنت تعلم أنني مجنونة؟
أومئ برأسه، وهو يفرك رأسها برفق بابتسامة صغير، ورد:
_ نعم، أنا أعلم الآن.
نظرت لابتسامته تلك بغرابة حتى تلاشت ثم قالت بحزن:
_ لا! لا ليس مجنونة بهذا المعنى.. أقصد أنني مجنونة بمعنى مريضة.. أعاني من أمراض لا أعرف اسمها.. إضطرابات.. وأصوات فى رأسي.. وأفكار غريبة من حين إلى آخر.. هوس بإيذاء النفس والقتـل.. والكثير..
لاحظت نظراته الحائرة فأكملت وهى تتفادي البكاء:
_ حسنًا، سأخبرك فى تلك الليلة قبل أن يحضرونا إلى هنا كنت أجهز حقائبي لأقضي ما تبقى من حياتي تقريبًا فى مستشفى الأمراض العقلية.. أنا لا أبالغ، كنت سأقضي وقت طويلاً هناك! وفجأة قرر والدي التصرف كأب مثالي حنون، وإجبار أمي على ذلك أيضًا؛ ليقضوا معي أخر ليلة قبل ذهابي إلى المستشفى.. وبعد إنتهاء تلك الليلة العائلية المزيفة تناولت الكثير من المهدئات لأستطيع النوم والهروب من هذا الواقع.. ولكني إستيقظت فجأة ووجدت أمي قد تخلت عني وقررت حماية أشقائي الصغار فقط بحجة أنهم أهم مني!! وكأني لست واحدة من أبناءها!.. لقد كانت تترجى الحراس أن يتركوا أشقائي!!.. ولكن ماذا عني؟! ألم أكن مهمة أيضًا؟!
ثم بدأت تلك الدموع تتساقط ببطء على وجنتيها وأصبح الكلام ثقيلًا مع تلك الشهقات ولكنها تابعت التحدث لأنها لم تستطع تحمل كل هذا داخلها، وقالت:
_ لم يكن لي من حبهما نصيب رغم أنهما حُرما من الإنجاب لسنوات.. كنت أعتقد أنني سأنال بعض من هذا الحب بما أنني الإبنة الثانية والفتاة الأولى لهما.. ولكن أمي لم تحب سوى إخوتي الثلاثة وبالأخص أيان.. وأبي لم يعتبرني سوى وسيلة لتحقيق أحلامه الوردية!
بدأت تتنفس بروية لتهدأ ثم أردفت وهى تمسح دموعها:
_ لا أحب أن أكون مثيرة للشفقة ولكني لم أعد أتحمل كل هذا مكتوم داخل قلبي.. حتى كاد يمزقه.
ربت على كتفها بحنان ثم قال بهدوء:
_ الأهم أنكِ تشعرين بالراحة بعد التحدث، صحيح؟
هزت رأسها بالرفض ثم أجابت بابتسامة غامضة:
_ لا أشعر بأي تحسن وأنت الآن أصبحت تعلم أنني شخص سيء.. ولست متزنة أو بمعنى آخر مجنونة.
أمسك بيدها وساعدها على النهوض لتجلس على السرير ثم نظر بتركيز إليها وقال وهو ممسك بذراعيها:
_ لست طبيبًا نفسانيًا ولكني أستطيع التمييز بين المتزن والمجنون.. وأنتِ لستِ كذلك.. ربما تكونين مندفعة ومخبولة قليلاً ولكن هذا لا يعني أنكِ مجنونة أو شريرة.
فقالت (سارة) بانزعاج وهى تهز كتفيها:
_ حتى أنا لا أشعر أنني مريضة، ولكن ما الفائدة؟! فكل المجانين يقولون أنهم ليسوا كذلك.
وبعد دقائق، عادت لطبيعتها المبتهجة وعادت تلك الابتسامة المشرقة، ثم قالت لـ(ديڤلين) وهى مبتسمة:
_ هل بإمكانك مناداة كيف لأجلي؛ أريد التحدث معه.
تعجب (ديڤلين) كثيرًا من هذا الطلب ولكنه نفذه. ثم زاد الوضع غرابة عندما طلبت ترك (كيف) وحده والخروج.. فنفذ ما قالته والقلق ينتابه، ثم ذهب لـ(شيرة)؛ ليقضي الوقت معها وهو ينتظر بحيرة خروج صديقه.. وأخبرها عن كل ما قالته (سارة) فقالت مشفقة عليها:
_ عزيزتي سارة، يبدو أنكِ عانيت الكثير.
فسألها (ديڤلين):
_ هل بقيتي معها عندما كانت تهلوس؟
أومئت برأسها فسألها مجدداً:
_ ما الذي كانت تقوله أو تفعله؟
وقفت صامتة لبرهة لتتذكر ثم أجابته:
_ كانت تبكي أحيانًا وكل ما كانت تقوله هو "أيان من جعلني أفعلها.. أيان هو من يجبرني على قتـ.ـلكم".

Behind The Walls - خلــف الأسـوارWhere stories live. Discover now