الفصل الرابع
دلف إلى شقته في الصباح الباكر بعد إنتهاء نوبة عمله كالعادة، تفاجأ بالسكون المسيطر على الأجواء من حوله مع عدم رؤيتها ولا الشعور بثمة حركة بشرية، جالت عيناه في جميع الأنحاء وهو يكمل حتى وصل إلى غرفته، ليجدها مازالت نائمة على تختها ولم تستيقظ.
في حدث نادر وعلى غير عادتها منذ زواجه بها، وما نشأت عليه هي في حياتها الريفية القائمة على الاستيقاظ مع شروق الشمس، لأداء الفروض اليومية في الزراعة وتربية الماشية وإطعامها.
تقدم بخطوات خفيفة حتى وصل إليها يتأمل وجهها الذابل من بكاء الأمس، يعلم جيدًا بهذا وبدون أن يخبره احد، لقد قسى بالكلمات وهي لا تستحق، أو حتى تستحق؛ فهو لن يهتم.
وقد فقد الثقة في جميع النساء وهي ليست أفضلهن؛ بهذا الجنون الذي يتملكها دائمًا كلما رأت نفسها في المرآة وشعرت بهذه الأنوثة التي تتفاخر بها، وتستفز شياطينه دائمًا لكي يؤدبها أو يعنفها بالقوة حتى تتعقل، نعم تتعقل وتعلم بأنها ليست مميزة.
بل هي زوجة عادية وعليها أن تطيعه وتخدمه بدون أن ترفع عينيها ولا ينفلت لسانها معه، هو أتى بها من الريف لأجل هذا الغرض، لو كان غايته الجمال، لما بحث واتعب نفسه بالذهاب لموطنه الأصلي في البلدة حتى ينتقي زوجة مطيعة ومتواضعة الحال وبتعليم أقل منه.
فلماذا تُصر دائمًا بغباءها على تذكيره بالماضي المؤلم لرجولته؟ ألا تُميز من نفسها أن الجمال لم يُعد يعنيه أو يفرق معه، وأن كل ما يشغله الاَن ويتمناه بشدة هو الراحة وهدوء البال، لماذا لا تفعل وتريحه وترتاح هي الأخرى براحته؟
تنهد من عمق ما يحمله بقلبه، ثم اقترب منها ليوقظها:
-ابتسام، ابتسام، أنتِ يا امرأة.
خرجت الاَخيرة بهتاف عالي أيقظها منتفضة بإجفال، تطلعت إليه قليلًا حتى استعادت وعيها جيدًا، لتنهض بجذعها تخاطبه باندهاش:-عصام! متى جئت؟
رمقها بنظرة مستخفة قبل أن يتحرك من جوارها ينزع عنه معطفه الثقيل، ليُهم بخلع ملابس العمل، ويُجيبها بشبه ابتسامة ساخرة:-جئت على ميعادي يا برنسيسة ابتسام، بعد سهر وعمل ليلية كاملة، كي أوقظ امرأتي جميلة الجميلات، بعد أن أغراها دفء الفراش بعدم تركه والنهوض عنه.
صمت برهة وهو يتناول بيجاما قطنية ليرتديها ثم أكمل بسخريته:
-ما رأيك زوجتي العزيزة، أسخن الطعام؟ أم أُعد الشاي؟ أم أجهز لكِ حمامٍك؟تطلعت به زامة شفتيها بضيق ظهر بشدة على ملامح وجهها، لترفع عنها الغطاء وتننهض عن التخت سريعًا ترد حانقة منه وهي تلملم بشعرها لتعقده بعقدة في الخلف:
-لا داعي للسخرية والاستهزاء يا سيد عصام، لقد نهضت وسوف اقوم بكل ما ذكرته لأجلك، يا سيدي وتاج رأسي.
أنت تقرأ
ما بين العشق والهوس ( النسخة الفصحى)
Romantikهناك العشق المجنون وهناك الهوس الذي لا يفصله عن الأخر سوى شعرة. وما بين ذاك وذاك يكن الفرق. وعلى العكس من كل ذلك، فقد يتواجد حب الذات الذي يجعلنا لا نرى سوى أنفسنا وما تستحقه من تدليل اما عنها هي؛ فقد كانت كالفراشة التي تطير حول النار ولا تدري انه...