الفصل الأول:

213 20 10
                                    

إنطلَق جهاز الإنذار الذي طوّق كاحِل هانا بينما تجاهلتهُ ونزلت من الحافلة، التفتَ المارة نحوها بغرابة وراحت هي تتصرف بكُل طبيعية ليستمرّ الجهاز بالرّنين لمدة 10 دقائق حتى وصلَت لمدخل مطعمٍ ما على قارعة الطريق وقبل أن تفتح الباب شعرَت أحدهم يسحب كلا معصميها للخلف.

"ما الذي تفعلينه!" سأل ضابِط الشُرطة الذي أمسكَ بها لتتنهد هي قائلة: "أجلِب الطعام، ألا يحقُ لي الأكل؟"
تركها هو لتلتفت هانا وتواجههُ أخيرًا بينما تنهدَ قائلاً: "أتتظاهرين بالغباء؟"
صمتت هانا بينما عاد يقول: "أنا لستُ ضدّك، أنا من سعى خلفَ الموافقة على إطلاق سراحك المشروط. ولكنكِ تعرفين أنهُ لا يحق لكِ التجوّل خارج المناطق التي حددناها لكِ."

"كيفَ ظهرتَ من العدَم بأية حال؟" سألت هي بينما شبّكت ذراعيها على صدرها ليضحك هو مُجيبًا: "كنتُ أُخطط لمُقابلتك اليوم وصدفَ أن جهاز التتبّع رنّ عندما كنتُ قريبًا."

"لماذا أردتَ رؤيتي؟" عادت هانا تسأل عاقدة حاجبيها ليضع الضابط كلتا يديه في جيوبه ويقول: "لقد مضى شهرين الآن منذ إطلاق سراحك المشروط ولكنكِ لم تفِي بجميع الشروط الموجودة."

"لم أؤذي أحدًا، اليوم فقط خرجتُ من المنطقة من أجل هذا المطعم لأنه جيد وليس متواجد في منطقتي." بررت هانا ليُقاطعها الضابِط بقوله: "ماذا عن الوظيفة؟"
صمتت هانا للحظة ليُضيف الضابط: "أعلمُ أنكِ تملكين المال ولكن من أحد شروط العقد أن تحصلِي على وظيفة."

بينما تجادلت هي مع الضابط كانَ هُنالك أحدهم يقِف خلف النافذة المفتوحة في المطعم الذي كانت هانا تريد الأكل فيه، يدرُس ويُحلل الموقِف بالكامل.
راحَت عيناهُ تتجولان في تفاصيل الضابط ومن ثمَ تفاصيل هانا.. بشعرِها الأسود ووشومها التي زيّنت مناطق كثير في جسدها.
وبعدَ فترة من تأمُل الموقف تحرّك الرجُل من مكانه وتوجه نحو باب المطعم ويفتحه قائًلا: "ها أنتِ ذا!"

التفت كُلاّ من هانا وضابط الشُرطة نحو الرجُل الأسمر الذي وقفَ شامِخًا عند مدخِل المطعم، لديهِ حصّته العادلة من الوشوم التي زيّنت جسدهُ كذلك.

خرَج الرجُل من المطعم واقتربَ منهما ثم التفتَ نحو ضابط الشُرطة قائلاً: "أهلاً، أنا دآنييل جارسيّا، هانا تعملُ عندي."

إتسعّت عينا هانا وقد حدّقت في الرجُل بغرابة، ليسألها الضابط: "لمَ لم تُخبريني؟"
تلعثمت هانا في الحديث ليتحدّث عنها دآنييل قائلاً: "لقد قدّمت سيرتها الذاتية منذ اسبوع ولم تعرِف ما إذا كانت مقبولة أم لا، لذا طلبتُ منها القدوم اليوم لنُناقش العمل."

كانَ الضابط يعلمُ جيدًا أن دآنييل كاذب بما أن هآنا أخبرتهُ أنها جاءت من أجل الطعام فقط. ولكنهُ لم يملِك أية أدلّة ضدّه لذا إكتفى بقوله: "تهانيّ لكِ هانا، من فضلك زوري مركز الشرطة واجلبي معكِ عقد العمل الجديد حتى يمكننا إضافة هذهِ المنطقة من ضمن المناطق المُباح لكِ زيارتها."

مضى ضابط الُشرطة في طريقه، لتلتفت هانا نحو دآنييل قائلة: "شُكرًا لك، كان ذلك وشيكًا"
"أنا لستُ أمزح، ستعملين عندي." قال دآنييل ببساطة وقد إختلفت نبرتهُ المُرحّبة التي استخدمها مع الضابط منذ قليل.
"لا أتذكّر أني طلبتُ منكَ وظيفة." ردّت هانا بتهكّم بينما همّت بالمشي ليوقِفها دآنييل بقوله: "ذلك الضابط يتوقع منكِ جلب عقدكِ الوظيفي."
وبالفعل توقفت هانا عن المشي لتُفكر للحظة، ثم التفتت له مُتساءلة: "وماذا ستستفيد أنت؟"
"أحتاجُ أحدهم ليعمل في المطعم، لقد إستقال أحد الموظفين والزُوّار يتهافتون يُمنة ويُسرة ولا وقتَ لديّ للتوظيف." أجاب دآنييل بكُل وضوح.

كانت هانا ستُجيبهُ لولا أن أصدرَت معدتها أصواتًا تُنذِرها بالجوع، ليبتسم دآنييل ويقول: "تعالي، لنُناقش هذا في الداخل."

..
..

وضعَ دآنييل طبقَ الطعام أمامها بينمَا سأل بكلّ هدوء: "هل قتلتِ أحدهم؟"
رفعَت هانا نظرها لهُ مستغربة ليُشير لها على جهاز التتبّع حول كاحِلها.
"كلاّ ولكني كدتُ أن أفتحَ جُمجمته وهو لايزال في المشفى." أجابتهُ ببساطة ليرفَع هو حاجِبًا ثم يضحك: "ماذا حصَل؟"

بدت هانا مُستاءة لتذكّر الموقف ثم تمتمت: "رمى زجاجة الجعة على القطة في حاوية النفايات وقتلها."
رفعَ دآنييل حاجبهُ مجددًا.. فهذهِ الفتاة حتمًا غريبة.

"وماذا فعلتِ أنتِ؟" عاد يسأل هو بنبرة فضولية، فجانبٌ كبير منهُ يكادُ لا يُصدّق حماقتها.
"كسرتُ زجاجتي أنا على رأسه." ردّت ببساطة وكأنها لم تكُن على وشك قتل أحدهم.

استرخى دآنييل في جلسته بينما شاهدَ هانا تلتهم طعامها وهو يقول: "أتُريدين إقناعي إنكِ قضيتِ بضعَ شهورٍ في السجن لأجل قطة؟"

توقفت هانا عن المضغ لتبتلع ثم تقول لهُ بسُخرية: "أتريدُ أنت إقناعي أنكَ ستقوم بتوظيف فتاة خرجت من السجن للتو فقط لأنك لا تملك الوقت للتوظيف؟"

كان ردّها صاعِقًا بالنسبة له وجزءٌ منهُ قد أعجبتهُ حذاقتها في الحديث.

"عادِلٌ كفاية." تمتم دآنييل ثم أضاف متسائلاً: "هل عملتِ في مطعمٍ من قبل؟"

هزّت هانا رأسها نفيًا ثم قالت: "ولستُ مهتمة بالعمل أصلًا."

"ولكنكِ مُجبرة." عاد دانييل يُذكرها بينما تنهدت هي وقد فقدت شهيتها في الأكل.

نهضَ دانييل من الطاولة قائلاً: "تعالي غدًا عند الساعة العاشرة صباحًا."

بقيت هانا تنظُر لطبقها فوق الطاولة ثم نهضت أخيرًا وبدأت بجمع المُتبقي من قِطع اللحم في طبقها ثم وضعتها في منديل.
كان دانييل يُراقبها جيدًا بينما وقفَ خلف منضدة الحلويات ليراها تخرُج من المطعم وتنحني أرضًا.
لازال هو لا يفهمها، هل يُعقل أنها مُختلّة عقليًا ولهذا كانت في السجن؟

بينما كان دانييل شاردًا في افكاره، وجدَ أن مجموعة من القطط قد التفت حول هانا التي فتحت منديلها وبدأت تُخرِج لهم قطع اللحم التي قامت بجمعها ليُقهقه دانييل ضاحكًا من داخل المطعم.
حسنًا لربما هي ليست مُختلّة في نهاية المطاف.

رَبِيع الثّلج حيث تعيش القصص. اكتشف الآن