.بومضة عين انقلب كل شيء، واهتز شيء بداخلي؛ قد تغير ولن يعود كما كان. حدث ذلك مطلع الساعة الثانية صباحًا في الثامن من أكتوبر، قبل ستة أشهر من الآن؛ كنت مستلقيًا على ظهري في سريري الدافئ، أعبث بجوالي، أقلب في مواقع التواصل، طوال الصباح والمساء وأنا على هذه الحال دون كلل أو ملل. أشارت عقارب الساعة للساعة السابعة والنصف وأنا بذاتِ الوضعية منذ أكثر من ساعتين، أسمع صوت ضحكات أهلي خارج غرفتي، ضجيج الأحفاد يثقب أذني، وصراخ أخواتي الكبيرات عليهن مزعج جدًا، أعتقد أن الجيران يروننا مجانين.
أتسكع بين الصفحات وأتشاجر مع هذا، وأعارض ذاك، وأتحدث إلى هذا، كنت متوترًا إثر ذلك كله، مئات الأفكار المسمومة، والانحياز السلبي اللاواعي في عقلي، ومحاولة إثبات أنني شخص رائع مميز، ولا يجب أن يعارضني أحد، قد سيطرت هذه الأفكار على عقلي الباطن دون إدراك مني. وبسبب تلك الأفكار السامة غرقت في عزلتي عن العالم الحقيقي الذي أعيش فيه، وكرهت كل شيء حتى نفسي، رغم أني كنت أعي أن معظم ما ينشر خطأ وأقول بكل كبرياء « أنا أعرف أنه مجرد هراء لن أتأثر به.»
ولكن الحقيقة أن الأمر دمر نفسيتي تدريجيًا، وشتت فكري حتى غدوتُ حساسًا لأي كلمات وأفعال، وأضخم المواضيع. كرهت أهلي، وغدوتُ أراهم مقصرين وقساة، ولم يعطوني الحنان الكافي، متناسيًا أنهم ضحوا بشبابهم وحريتهم ورغباتهم لأجلي، كله لأنهم يقولون أنني سجين غرفتي، ولا أجلس معهم، وحجتي أنهم لا يفهمونني ولا يحبونني، لكن مهلًا! أنا بالفعل سجين هذه الجدران الأربعة.
قلتُ كثيرًا غدرني أقرب الناس، حتىٰ الأصدقاء ولكن مهلًا! كيف سيبقون معي إذا كنت لا أخرج لهم أساسًا، هل غدر بي الجميع بالفعل؟ إذا كان الكل يقول تركني الجميع؟ إذا مَن ترك مَن؟ الدنيا أساسها التغيير أليس كذلك؟ عقلي سينفجر، كل هذه الأفكار تجوب بعقلي كل ليلة ولكنني ببساطة أقمعها وأستمر في عنادي.
كم ندمت على كل دقيقة قضيتها على ٰهذا الجهاز، أدمنته حد الجنون، والمفترض أن يكون شيئًا ثانويًا فكيف جعلته محور حياتي؟ كالعادة قطع حبل أفكاري دخول أخي الأكبر، وباغتني بسحبه جوالي من يدي، تجمع الدم في رأسي من الغيظ وهو يؤنبني بلهجة لائمة.
« يكفي جلوسًا على الهاتف يا فتى، انظر إلى عينيك محمرتين بسببه، ارحمهما.»
سحبت هاتفي بعنف وأنا أصرخ كالمجنون عليه، وكأنه قاتل أريد الانتقام منه، نعم أدرك الآن كم ردة فعلي مبالغة فيها « لا علاقة لك، ثم لا يحق لك الدخول دون إذن!»
دفعني عنه بقوة، وحدق بي بغضب رغم ذلك تكلم بنبرة هادئة
«بل طرقته عدة مرات ولكنك لا تسمع، هذه المصيبة عزلتك عن العالم تمامًا.»لم اهتم له، وعدت لأشغل هاتفي وأكمل محادثاتي مع أصدقائي الرقميين، معظمهم مجرد حمقى، اثنان فقط يستحقان فعلًا اهتمامي، فتفكيرهما جميل ويجعلانك تفهم أشياء كثيرة، ولكن أخي أطفأه وشدني من أذني. « انهض يا ولد إنه وقت صلاة العشاء وأنت كالعادة لم تسمع الآذان بسبب انشغالك بهذه الكارثة.»

أنت تقرأ
فداء
Contoكنتُ آراه شيئًا عاديًا، مُسَلمًا به، وجوده أكيد حتىٰ صفعتني الحياةُ، وأدركتُ أنه كلُ شيء كانت من أعظمِ النِعم في حياتِي، ولم أدرك أنها لا تقدر بثمن .. حتىٰ خسرتها.. تاريخ النشر 20 مايو 2023 الفائزة بمسابقة فسيلة المرتبة الثالثة بتاريخ 31 مايو 2023 ...