𝑷𝒂𝒓𝒕 01 : عيون سرمدية

534 36 43
                                    



جسدي سلةٌ كبيرةٌ ...

ترك فيها الراحلون ما يدلّ عليهم

................................................................................................................................................................

رائحة إختلاط التربة و الماء واحدة من أجمل الروائح على وجه الأرض و تكون محببة لقلوب الجميع ... و في الأحوال العادية قد تكون تربة حديقة أو متنزه أو ماشابه مع ماء المطر ... حسنا هذا صحيح جزئيًا فهناك ماء و هناك تربة ... والماء ماء مطر لكن التربة فهي تربة الأموات ... تربة القبور في المقابر ...

هنا في وسط المقبرة و الشواهد تقف فتاة في العقد الثاني من عمرها بشعرها الأشقر ... و قد يبدو أنها هنا لزيارة أحد أقاربها ... لكن الجو و الهالة المحيطة بها كلاهما لا يعبران عن تكهنات الآخرين لها ...

نظرةُ عينٍ فارغةٍ ... أناملُ يدٍ باردةٍ ... جسمُ إمرأةٍ ساكنةٍ ... رياحُ جوٍ قارصةٍ ... 

هي لم تكن هنا في منبرها هذا تتوغل بين القبور و الشواهد ،لا تلقي حتى نظرة عليها ... تتمشى بينهم و كأنه طريق منزلها ... هو كذلك ! ... لكنه منزل والديها ...

بغتة توقفت أمام قبرين و أعينها لا زالت في الأعلى ... ترفض إخفاضها ... ليس كبرياءً او علاءً ... بل خوفًا و رهابًا من أن ترى حالة والديها ... والديها اللذان كانت الجبال لا تهزهما ...دوما ما عهدتهما أقوياء ، هاهي الآن تراهما في منظر تفضل الموت على الوقوع فيه ... إكتسحتها مشاعر فائضة من الخوف و الرهبة و الحزن على ما آلت إليه الأحوال 

لكن في النهاية كل هذا ذهب هباءً ... و هاهي تبصر المنظر الذي جعل بدنها يقشعر ...قبرين يمكن وصفهما بأنهما مهيب ومخيف، يحملان بين جدرانهما حكايات قديمة وأسرار مدفونة... قد يكون مغطى بالطحالب والحطام، وقد تكون الحجارة المنحوتة عليهما تحمل آثار الزمن والتآكل... لكنه يستحضر الذكريات موجعة لطالما تعودت هي على أن تجعلها نقطة قوة ... لكن بلحظة ما هزمتها العاطفة و الحنين إلى الماضي ...

فلطالما كان الإنسان عبدا ضعيفا أمام عاطفته التي تسيره ... و كل من يقول أنه قتل عاطفته فما هو إلا كاذب يداوي جروحه بأكاذيب لا معنى لها ... فالعاطفة والحنين إلى الماضي قوة قوية حقا... تجعلنا تلك الذكريات نشعر بالاتصال العميق بماضينا وتعزز الروابط العاطفية... حتى الأشخاص الأقوياء قد يشعرون بتأثيرها... لكن قد تمنحنا القوة للمضي قدما في الحياة ...

إنحنت على قبر والدها و والدتها ... اللذان شهدت موتهما على مرأى عينيها ... أسوء مشهد قد يراه أي إمرء ... فما بالك أن ترى والديك اللذان عهدتهمت امخين لا تهزهما رياح و لا أعاصير ... ممددان هنا داخل التراب و أنت تعلم أن الهواء لا يدخل رئتيهما ...أن قلبهما لا ينبض ... أن عقلهما لا يعمل ... عقل والدها المدبر و قلب أمها الطيب ... والدها الذي لطالما إفتخرت عائلتها به ... قوته و شخصيته و دهاءه ... والدتها المعروفة بخيرها و حبها و أخلاقها ... أين كل هذا من كل هذا ... تبا !... الحياة سيئة ... سيئة جدا !

ما وراء الظلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن