"اختلاف في المبدأ"
الكاتبة حوراء ال يوسف ❤️
قراءة ممتعة
____________بِسمِ الله الـرحّمنِ الرحّـيم
لا اعلم كيف أصف نفسي وقلبي يوم جلستُ.اطر إلى العالِـم الجليل الذي أرشدني اليه صديقي مؤمن وقد مدّ يده الاستلام ورقتي الصغيرة التي كتبتُ فيها اسئلتي.
تمعّن فيها ثم رفع راسه وكانّه ينتظر مبادرة مني بالكلام،فتدراكتُ ذلك
وقلتُ له:
-سيدي أرجو ان تسمح لي أن اشغل وقتك قليلاً فقد ضاق صدري، ولا أجد من يفتح قلبه لي ويستمع بتمعّن لما أقول،اغلبهم مشغولون،حتى الذي أفنى عمره في طلب العلم والتفقه في الدين نسينا او تناسانا،فبقينا حيارى في الميدان.
كان ينظر لي بتأمل عميق،ويحاول ان يشعرني بعطفهُ وحنانه،وقد بدت على وجهه ملامح التأثر والاهتمام بي فقال:
-بني العزيز ماهي مشكلتك؟
قلـتُ:
سيدي ان الدنيا صغُرت في عيني حتى تشاءمت منها،وحقرتْ في نفسي حتى اصبحتُ أتنكر لما فيها،فأراها كالصفحة السوداء تمنعني من الوصول إلى الله...
كانت كلماتي الأخيرة ممزوجة بهمسات البكاء الذي منعني من الاستمرار في الكلام،احسسـتُ انه يجب ان أتمالك نفسي فانتخبتُ الصمت،ونظرت ال الاسفل واضعاً يدي على وجهي الذي ابتل بالدموع،لم يستمر صمتي طويلاً حت رفعتُ وجهي لأرى الحاضرين وقد بدت عليهم علامات التعجب والدهشة لما يشاهدونه،حينها تدارك العالم الجليل ذلك الصمت وقـال:
-بني العزيز أنني أدعوك غداً للمجيء إلى بيتنا بعد صلاة المغرب والعشاء،وساطلع اسئلتك لأرى ان كان بإمكاني الإجابة عنها.
قلـتُ:
-سيدي وكيف يتسنى لي ذلك وليس لي علم بمكان بيتكم؟
-ان صديقك مؤمن سبق وان زارنا مرات عديدة
-وهل تسمح بصحبته معي هذه المرة.
-بالطبع ياولدي، وسأكون بانتظاركما على سفرة العشاء ان شاء الله
غادرتُ المجلس بعد ان شكرتُ العالم الجليل، وحاولتُ المشي بخطوات متّزنة وخفيفة ألقيتُ خلالها نظرات إلى غرفته والى المكتبة الكبيرة التي وُضعت الكتب فيها بصورة مرتبة ومقسمة على الرفوف معنونة،كما لفت نظري تواضع غرفته وبساطتها بالرغم من أنها تعتبر مكتبا لكل اجتماعاته التي يقيمها بوصفه إمام جمعة للمدينة،وتذكرتُ حينها مكتب الشركة التي اعمل فيها وزخارفه وأثاثه فلا مقارنة بين الاثنين!
اخترتُ هذه المرة ان اسلك طريق البيت مشياً على الأقدام لأتمكن من التفكير خلاله بالمسائل والمطالب التي سوف اعرضها على إمام الجمعة غدا،ولكن ما ان اردتُ العبور إلى الناحية الثانية من الشارعُ.
حتى سمعتُ نداءً من مكان قريب،التفتُ واذا به جمال يقـوُل:
-سعيد إلى اين تذهب تحب وهج هذه الشمس المحرقة
-إلى البيت
-عجباً لأمرك إلا تحس بحرارة الشمس على بدنك؟!
-حقيقة أنني لم احس بحرارتها إلا بعد ان أخبرتني بها لأني كنتُ مشغولاً عنها بأمر آخر.
هز جمال راسه وفتح باب سيارته،لكني رفضتُ الصعود معه بشدة،فأصرّ اكثر وأخذ بيدي يجرها اليه،حينها رايتُ انه ليس من الائق أمام الناس ذلك، فقررتُ الصعود معه بعد ان شرطتُ على نفسي استثمار الطريق بدعوته إلى الصواب ونهيه عما يفعله،وما ان اغلقتُ باب السيارة حتى بدأ كلامه من جديد:
-إنني كثيراً ما أفكر في امرك واكاد ابكي على حالك،فكيف بمهندس مثلك يعيش حياة البسطاء،ويكاد يفقد ابسط وسائل الراحة كالسيارة مثلاً؟!
أجبته قائلاً:
-بل إنني اعجب من امرك كيف تقود سيارة ذات طراز حديث،وتعيش في بيت ذي ثلاثة طوابق مجهز بالتبريد وغيره وقد أسس عل مال الحرام؟!
-إلا ترى أنني احسن حالا ومالاً منك،فأنت لاشيء عندك وانا عندي كل شيء،فهل هناك عاقل يحكم بخطأ طريقتي في الكسب والعيش؟
لم اكن متهيئا للدخول معه في النقاش كهذا،لذلك حاولت التأخير في الإجابة لغرض التفكير في كيفية الاستمرار معه،حتى أظن أنني استسلمتُ اليه ولم يبق عندي ما أقوله،فبادر قائلاً:
-عزيزي إنني لا اريد الخير لك و...
قاطعته بقولي:
-مهلاً مهلاً ياجمال، أرجو ان لا تعبر صمتي استسلاما لرأيك،فان من عادتي التفكير قبل كل كلام أنطقه،كما أنني اسألك باي دليل تحب ان اثبت لك بأبك الآن تسير بطريق آخره الهلاك والخسران؟
-أنا لا أؤمن إلا بالعلم الحديث والكمبيوتر،وارجو ان تدعنا من الأحاديث والروايات التقليدية التي مُلئـت بطون الكتب القديمة بها.
-حسناً،وأنا أعدك ان لا اذكر لك شيئاً من ذلك،ولكن اسألك كيف توصل الإنسان هذه المرحلة من التطور وصناعة الأجهزة الحديثة وغيرها؟
-جمال:بالعقل والتجربة
-إذا يمكن لنا ان نستخدم العقل حديثنا.
-لا باس بذلك
-لو أخذتك إلى عمارة بسبعة طوابق،يحوي كل طابق على سبع شقق سكنية مؤثثة ومجهزة بنظام التبريد والتدفئة المركزي للهواء والماء،ولديها ارتباط كمبيوتري فيما بينهما،وذات شكل معماري خلاب يجلب اليه الأنظار،ثم أقول لك ان العامل عبدالله هو الذي كان المصمم والمشرف على هذا الشمروع،فهل تصدق ذلك؟وانت تعرف جيداً ان عبدالله لايعرف حتى القراءة والكتابة
-ان مبنى كالذي تقول يحتاج إلى فريق من المهندسين لتصميمه وتنفيذه ولا يمكن لعبدالله ان يتورط بمثل هذا المشروع
-وهل يمكن ان تقول إنها صُمِّمت ونُفَّذت دون تدخل اي شخص،اي ان موادها من الطابوق والإسمنت والرمل وغيره قد تجمعت من تلقاء ذاتها وكونت لنا هذا المبنى؟
-هذا لا يمكن.
-إذا بنظرك من صنع الإنسان والشمس والقمر والنجوم والكواكب والمجرات بهذه الدقة العجيبة التي أثبتها العلم الحديث بوسائله المتطورة؟
بقي جمال متحيراً،وبقيتُ انا انظر اليه منتظراً جوابه،حينها احسسـتُ الحيرة على وجهه،فهو لايستطيع الإجابة بانها قد انشطرت من تلقاء نفسها وتكونت بهذا الشكل،لأنه قد نفى إمكانية حصول ذلك قبل قليل
لم يطل صمته كثيراً واذا به يجيب:
-لا بد ان هناك فريقا من المهندسين نجهلهم تعاونوا على صنع هذا الكون وادارته.
-بالطبع،وهؤلاء المهندسون لسوا مثلنا،لان كوناً بهذه العظمة يحتاج إلى مهندسين فوق عظمته بالتصميم والتنفيذ كي لا يكونوا كالعامل عبدلله بالنسبة إلى العمارة ذات الطوابق السبعة.
-نعم.
-هل تذكر يوم عقدنا اجتماعاً في مبنى الإدارة المحلية وذلك لتشكيل لجنة تصميم وتنفيذ مشروع المجمع السكني (الانصار)،وكنت انتَ اول مخالف لفكرة اللجنة المشتركة،وكنتَ تقول أن المشروع يجب ان يكون تحت إمرة وإدارة شخص واحد وألا فمن اليوم الاول سنُبتلى بمكشلات الاختلاف في الاَراء؟
-صحيح،كان ذلك في العام الماضي،ولو عملوا بالرأي الذي قلته لهم لما تأخر المشروع ثلاثة أشهر حتى تم تعينن مديرِِ له.
-إذا كيف تقول الان أن فريقاً من المهندسين صنعوا هذا الكون وتعاونوا على تدبيره وأدارته،وانا ترى ان الكون منذ آلاف بل ملايين السنين باقِِ عل نظامه ودقته في الحركة والتناسق،إذن من المؤكد ان صانعه ومدبره هو مهندس واحد قدرته في التفكير والتنفيذ فوق قدرتنا وقدرة الكون،وهذا المهندس نحن نسميه الله.
كأنه أراد ان يقول شيئاً لكنه لم ينطق به،حينها أراد ان يشعرني بانه مشغول بسياقه سيارتهُ
فقـال:
-ان الأطفال يحتاجون إلى انتباه خاص اليهم،خصوصا عند اجتماع عدد منهم،فإنهم يتجرثون على العبور أمام السيارات وان كانت تسير بسرعة كبيرة
كنتُ انظر اليه بدقة واذا به فجأة يلتفت لي وكأنه تذكر شيئا وقال:
-انك لحد الآن لم تثبت لي الموضوع الذي بدأ حديثنا من اجله.
بدأنا شيئا فشيئا نقترب من الشارع الرئيسي الذي يؤدي احد فروعه إلى بيتنا،لذلك احسسـتُ ان علي إثبات الموضوع بأقصر وقت وإلا سيكون حديثنا ناقصاً لم يحقق الهدف الكامل الذي قصدته،فأجبته
بقوُلي:
-صحيح ماتقول،لكن لدي سؤال اجبني عنه.
-لم امتنع عن اجابة اي سؤال لك حتى الان.
-ما هو هدف خلق الإنسان على هذه الأرض ؟
تململ قليلاً وقال:
-ممكن ان يكون لتعمير الأرض وبنائها وإيصالها الى المرحلة من العمران قد تكون فوق ما وصلت اليه الان
-لكن العلم الحديث اثبت ان الأرض تسير نحو الفناء،إذ سياتي يوم تتعادل فيه درجة الحرارة،ولا تكون هناك طاقة للتحرك،وتنعدم الحياة،ولاتبقى حينئذ جدوى من أعمارها كما تقول ،كما ان الإنسان في كل جيل لا يشهد عمران الأرض الذي سيشهده الجيل التالي، فلا يتحقق إذن لا للجيل الأخير ولا للأجيال الحالية فضلاً عن الماضية
-إذن بنظرك ماهي غاية خلق الإنسان؟
-الغاية يجب ان تكون أبدية، ولكي تكون كذلك يجب ان يكون الإنسان أبدياً،اي لا يفنى عند موته،بل ينتقل إلى عالم آخر بآخر،فهل رأيت مهندساً يصمم مبنى لينهزم بعد عشرة او عشرين عاماً؟!ام هل رأيت شخصا يصنع لوحة نفسية وجميلة ثم يكسوها ويحظرها؟!
تثبت أنني أسير نحو الهلاك والخسران كما تقول؟وما علاقة هذا بذالك؟
بدأ جمال يخفف سرعة سيارته شيئا فشيئا لقرب وصولنا إلى محلنا السكني حينها احسسـتُ بوجوب تدارك الوقت واستثمار الفرصة بأسرع مايكون فأجبته قاتلاً:
-لايمكن للعقل ان يقبل تساوي مصير الطلاب وقبولهم في الجامعات مع اختلاف درجاتهم،ولا يمكن قبول تساوي الظالم والمظلوم او السارق والمسروق،وبل العقل يحكم بوجوب ان يأخذ الظالم والسارق جزاءه بالسجن او الغرامة وما شابه ذلك،فاذا سلمنا بهذا كله،فهل يمكن للخالق ان يساوي بين خلقه بعد موتهم دون ان يعذب السارق والظالم وامثالهم؟وانت ترى ان كثيرا ممن اكل حق الناس ومضى في ظلمهم لم يأخذ جزاءه في هذه الدنيا.
فتحتُ باب السيارة بعد توقفها وشكرته على إيصاله لي،ولا اعلم ان كان قد فهم كلامي الأخير ومقصده ام لا،لكن يبدو من نظراته العميقة لي انه ادرك ما أقول.
طرقتُ باب البيت واذا بصوت اقدام مرتضى يطرق سمعي وهو يركض بسرعة حتى وصل الباب وفتحه،نظرتُ اليه لأري وجهه مرتبكاً ولونه مصفراً ودموعه جارية فقال:
-بابا،بابا،ماما خرجت وقالت الآن اذهب واعود لكنها لم تعد حتى الان
-متى ذهبت والى اين؟
-بعد الصلاة قالت لي سأذهب لأشتري شيئاً من الدكان الذي في راس الشارع فلا تخرج من البيت سأعود فورا، لكنها لم تعد
امسكتُ بيد مرتضى الذي لم يتجاوز سن الأربعة،وذهبنا معا إلى الدكان الذي عادةّ ما نشتري منه احتياجاتنا،وما ان وصلتُ اليه وسلمتُ على صاحبه حتى رايتُ الارتباك على وجهه،وبدا يتململ في كلامه،فعلمتُ من ذلك ان امراً قد حدث فسألته مستغربا:
-هل أتتكم ام مرتضى قبل ساعتين؟
-نعم..نعم..و..
-وماذا؟
كان مضطرباً في كلامه وكانّه قد اذنب ذنباً يحاول الاعتذار منه فقال:
-بعد ان اشترت ماتريد ارادت عبور الشارع إلى الجهة الأخرى،فلم تكد تخطو خطوةٌ حتى أتت سيارة بسرعة عالية و..
-واين هي الآن؟
-نقلوها إلى المستشفى المركزي.
انتابني اسف وحزن عميق،واسترجعتُ في نفسي وقلتُ:
"لا حول ولا قوة إلا بالله،والحمد لله رضا بقضائه وصبرا على بلائه"
طلبتُ من صاحب الدكان استخدام هاتفه فقال:
-نعم نعم، هل اتصل بشخص ما؟
-أكون شاكرا لك
أعطيته رقم هاتف المطلوب وهو هاتف نقال لسائق اجرة تعرفتُ عليه مسبقا،وكثيرا ما كنتُ استأجره بهذه الطريقة لغرض تنقلاتي الخاصة بالشركة،فنتحدث معه واخبرته بالمكان المطلوب حضوره اليه،ثم تقدمتُ خطوات نحو مكان الحادث فرايتُ اثر دماء متفرقة لا تزال باقيه هنا وهناك،وسيارة وسط الشارع بصورة غير اعتيادية قد لُطّخت مقدمتها بدم مبعثر، حينها احسسـتُ ان الحادث كان شديدا قيد لا يُبقى عل حياتها
-بابا اين ماما لنذهب لرؤيتها؟
-حسناً يا ولدي سنذهب اليها عن قريب
-بابا،بابا هذا عمو جمال
لم ينتظر مرتضى جوابي له،وذهب مسوعاً نحو جماد بعد ان راه قد نزل سيارته وقبل ان يصل اليه ليمسك بيدي ويجرها نحوه وهو يقول:
-بابا هذه سيارة عمو جمال لتذهب معه
تقدم جمال نحونا وهو يحاول إظهار وتأسف وحزن مصطنع عل ما حدث بعد اطلاعه على الموضوع من الأطراف فقال:
-يؤسفني ماحدث لزوجتك،أرجو ان تكول بحال حسن الان ولا يكون الضرر كبيراً،لنذهب بسرعة الى المستشفى فسيارتي بخدمتك
-أشكرك فاني قد اتصلت بسيارة لتأتي بعد قليل
-اتركها،سيأتي ويعود وهل في ذلك شيء؟
-نعم،فحين استأجرته يجب إعطاؤه حقه وإرضاؤه ولا يجوز الفرار من اجرته.لن تتأخر سيارة التاكسي كثييرا فقد جاء مسرعاً وكانّه يعلم بالحادث.فركبتُ معه وتحرك بينما أعين جمال كانت تلاحقني بنظرات ثاقبة واعين ساخطة...
________
أنت تقرأ
تحت اجنحة البرزخ
Spiritualitéحقيقة رواية من عالم لا يفني تحت اجنحة البرزخ رواية تحكي عن مسيرة إنسان في عالم ما بعد الموت ------