بعد دوام طويل ومرهق، استقليت حافلة مليئة بالناس من مختلف الأماكن. جلست بجانب عجوز هرم بدا عليه التعب والارهاق الشديد، بينما يتجنب الجميع الجلوس بجانبه، لأجده يحدثني متسائلا عن يومي فأجبته مشيرة في حديثي عن فضول مدفون يظهر بشكل باهر ليتنهد بغضب:" كنت عاملا اجتهد في عمله إلى أن غلبني الزمن، رغم ذلك احتضنت عملائي حضن الأب الذي يحتضن اطفاله، رويت لهم الحكايات والنكات ومنحتهم قيلولة هادئة لنسيان الهموم والالام ،إلا أن كل ما تلقيته كل التقليل من قيمتي وراتبي وتجنب الجميع لي. انهار عملي وتخلت عائلتي عني لأبقى عالقا في الحافلة، اتنقل من مكان إلى آخر محاولا إيجاد مكاني".
تنهد العجوز مجددا بينما افتح عيناي المفتوحة مجددا لغرقها بالدموع حلوة المذاق ،بينما اشعر بلمسة دافئة تسري من كتفي إلى جسدي بسرعة وصوت هامس شاكر في خفايا طيات الزمكان وها هو يرحل من جانبي رفقة قلبي المعتصر غرابة لأفهم أنني غرقت بالنوم على كرسي الحافلة بجانب النافذة التي تحاكيني بالنظر لسعادة العجوز فها هو قد وجد سبيله ومضى خلاله أما أنا فما زلت اجهل ماذا يتواجد خلف الضباب فكلما سرت ارى نفسي محاطة به وكأن سجين الحاضر تمرد على ماضيه ومستقبله لعله يجد ما كان يتوق له فالقوة حرية والطيبة سلاح القلب والمكر سلاح العقل فما بك تجدني مسلحة باللا مبالاة والتجاهل فأنا اكره دفء ناس مزيفة لا تبغى الا المزيف ودفئي ليس بشيء أشاركه فهو لا يقوى أن يدفئ أناملي كي التقط تلك الانفاس التي تجبرني على الاستمرار في المضي قدما فيا ليتني كنت نسمة ريح تريح متعب ومسافر ومخفف الحريق داخل كينونة شمسي التي تشرق لي يومي فألامس طرف يد العجوز بحزن يخنقني بينما أحاول بنطق كلمة لا اعرف مغزاها ليتوارى لي ظل شخص أوقد حنانا لم يطفأ مهما كسرت الأمواج ساقيه وشنقت المشنقة رقبته وسلبت منه الانفاس.
كم كنت تواقة لملاقاة شخص مثل ذلك العجوز فدفء يده التي لامستني جعلت من شعلتي أقوى لتكون حريقا في اعلى معدتي بينما يتسرب منه قطرات حامضية يقشعر بدني منها فتذيبني ولا تذيب دفء يد ذلك العجوز.....