البارت 2

89 11 3
                                    

تولوا مقام القاضي والجلاد، وأصدروا حكمهم دون إعطائي حق الكلام، كتموا صراخاتي وسط قلبي المحطم، واستمتعوا بمعاناتي. لن أسامح أبدًا من كان سببًا في هذا.

واصلت مشيها بلطف وهي تضم الأعشاب بين يديها والابتسامة تنعم وجهها، غاية في الأمل أن تفرح شقيقتها بها، ولكنها لا تدري بالخطر الذي ينتظرها. سمعت صوت قدوم خيول شعرت بالقلق، فاختبأت خلف الأشجار وبدأت تختلس النظر لهم
اقتربت الخيول،اتسعت حديقتيها بصدمة عندما رأت الملك، فشعرت بالذعر ولم تكن ترغب في أن يعلم بغيابها، إذ كانت أكثر أحد يفهم غضبه. خرجت من خلف الأشجار وأشارت له بيدها، دون أن تكون على علم أنها أعطت اشارة الى الخطر
نزل من فوق ظهر حصانه بعجل نحوها، شهقت من الألم حينما أمسك ذراعها بقوة و جعلها وراء ظهره، و هتف بغضب:
-أين هو لكي يموت معك؟
نظرت إليه بدهشة بسبب سؤاله الغريب، و هتفت بتساؤل قائلة:
-يا أبي، أنا هنا من أجل جمع الأعشاب، من هو الذي تسأل عنه؟
ضغط على ذراعها بقوة حتى أطلقت صرخة من شدة الألم، وتلألأت الدموع في مقلتيها، اقترب منها حتى انبثقت أنفاسه وتلامست وجهها، وقال:
-الرجل الذي اختارت الرحيل معه وجعلتني أنحني رأسي أمام الناس.
صُدِمت بِالكَلِمات التي نطق بها وهتفتُ قائلة:

-ما الذي تقوله يا أبي، أنا هنا من أجل جمع الأشياء لأختي "نورا".
شعرت بالرعب عندما تركت ذراعها وأخرج خنجره من غمده، فعادت بعدة خطوات للخلف وهي ترتجف منه، تدرك قسوته ولا رحمة في قلبه حتى مع أبنائه، ولن يرف له جفن إن قتلها، ما يهمه فقط هو اسمه بين الناس، ضغط على الخنجر بيده حتى نزفت الدماء، وهتف بغضب قائلا:
-كفى كذبا، كل الدلائل تشير إليكِ، حتى شقيقاتكِ شهدوا على هروبكِ، خذوها إلى القرية لتنال عقابها.

وقفت في مكانها بصدمة، هل ما سمعته حقيقة؟ هل شهدوا زورًا وبهتانًا؟ ماذا فعلت لهم؟ طوال حياتها قدمت لهم كل شيء بحب، والآن حفروا لها حفرة ستقودها إلى الموت. أنشلها من شرودها، تحرك الخيول.
سحبوها خلفهم وهي لا تزال تحت تأثير الصدمة، تساقطت دموعها حتى أصبحت الرؤية أمامها مشوشة كلما اسرعت الخيول في المشي، تسقط أرضًا تبكي وتصرخ في أن واحد لم يرف جفناً لوالدها كأن قلبه من حجر
هتفت بصوت مخنوق وهي تشعر بألم يمزقها قائلة:
- رجاءً اسمعني يا أبي لكي تفهم الأمر، أنا لم أفعل ما سمعت.
بعد انتهاء كلماتها، توقفت الخيول ونزل الملك  ثم عاد نحوها وهو يبدو كالعاصفة القادمة. ارتعشت أوصالها عندما اقترب منها وأمسك شعرها بقوة، فصرخت بشدة حتى ارتد صداها في أرجاء الغابة. اقترب منها أكثر وقال:
-لا أرغب في سماع صوتك حتى نصل إلى القرية؛ فتنفسي أخر أنفاسك، فإنه لم يتبقى سوى القليل.

جاءت للتحدث ولكنه رفع يده بصمت ثم دفعها بقوة حتى سقطت على الأرض بشدة، ثم عاد إلى حصانه واستأنف سيره دون أن يظهر أدنى شعور بالرحمة تجاهها، كلما اشتد بكاؤها زادت سرعة حصانه.
عند وصولها إلى القرية، اصبح جسدها ملطخًا بالدماء من جراء سقوطها المتكرر. كانت في حالة لا يرثى لها، رافعت نظرها بصعوبة و لكن لم تستطيع رؤية شيء أمامها بسبب الدموع. كانت تسمع كلام الناس الساخر والمؤذي، لكنها لم تبال بهم.

نزل الملك من فوق حصانه بانتظام، ثم أمر جنوده بسرعة بأن يجعلوها تجثو على ركبتيها أمامه. فعاجلوا في تنفيذ أوامره بكل امتثال. هناك، رفعت "نيرة" نظرها نحو شقيقتها "نورا"،بحزن وعتاب، لم تستطع أن تعبر عن ألمها بالكلمات؛ فالجروح التي سببتها الخيانة لا تُرتاح بالبكاء. ربما يكون من المؤلم خيانة الأشخاص الذين نثق بهم، ولكن خيانة الأقربين إلينا تكون لك القاتل،صرخت ببكاء ممزوجة بالدموع قائلة:
-لماذا تشهدون بالزور؟ لماذا أنا شقيقتكم؟

لم يكترثوا لصراخها، ونظروا لها بغضب وحقد، إذ أصبح همهم الوحيد التخلص منها. يشعر المرء باليأس عندما يتعرض للظلم ولا يُسمح له بالدفاع عن نفسه. اقتربت "نيرة" من الملك وهتفت برجاء، قائلة:
-أرجوك يا أبي، اسمع كلامي بدقة ولا تكن القاضي والجلاد الذي يصدر الأحكام دون الاستماع إلى رأيي.
-مسك بشدة بشعرها ولم يكن يعير اهتماماً لدموعها، كأن قلبه صار من صخر، ثم أمسك سكينه وصاح بوحشية قائلاً:
-خطئتِ وعقابك الموت جلب لنا العار.

انهى كلامه معها و غرز السكين في بطنها، ثم سحبها بعنف و طعنها عدة مرات متتالية. نظرت له بنظرة آخيرة مليئة بالحزن واليأس، كم كان من الصعب كتم صوتها في حلقها وعدم السماح لها بالدفاع عن نفسها. 
سقطت جثة هامدة وسط دمائه، تحرك بقسوة دون أن يتحرك جفن عينه، كما لو أنه لم يكن قاتلاً لنفس بريئة، وهتف بصوت عالٍ قائلاً:

-فلتُدَفَن لتكون عبرة لكل فتاة.

حمل الجنود الجثة لدفنها، ثم عاد كل واحد إلى عمله بعد عدة أيام من وفاة "نيرة". ليلا، هبت رياح قوية جعلت بعض الخيام تسقط بسبب شدتها. خرج الملك من خيمته ليتفقد المكان والوضع بينما يسير في وسط القرية، شعر بشيء يتبعه ألقى نظرة خلفه لكن لم ير أي شيء، وكلما خطو خطوة، شعر بنفس الشعور بوجود شخص خلفه، إلا أنه عندما التفت، لم يجد أي شيء. لم يثير انتباهه ذلك، فاستمر في المشي وتفقد أهل قريته، ثم عاد إلى خيمته. جلس على طرف فراشه شعر بحضور شخص ما داخل الخيمة، فأمسك سلاحه وأشعل شمعة ليستطيع رؤيته قام بتفتيش الخيمة ولكن لم يجد شيئًا، ثم عاد إلى مكانه ولكن قبل أن يجلس، توسعت مقلتاه بصدمة.

روح نيرة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن