" اشعر بأنني قد جُننت اشعر بأنني اتخيل "

144 40 35
                                    


كان الماء يتدفق بغزارة من باب النجوم ، هكذا اسمتهُ آنية عندما سارعت بالكتابة عن الأمر في مدونتها الإلكترونية كيلا يختلط علي عقلها الأمر وتنسي ، رغم انها لم تحتاج الي ذلك ! فقد فُتحت الابواب علي مصارعها في المدينة بأكملها !
" ان ماحدث اليوم في غاية الغرابة ! لوهلة كنت جالسة أغرق في تحليل كل شئ كعادتي ! احتسي كوب قهوتي بالحليب ، ثم فجأة اجد نفسي اقودلأقطع ثمانون كيلومتر نحو العاصمة خيزران ، كيف وصلت ؟ لا اعلم حقاً ، اتبعت الأوامر فوراً دون تفكير ، كان الزحام خانقاً للغاية ، لكنني بدأت بالتعود ! علي كل شئ ! ان اري الحقيقة والسراب معاً ! علي اي حال .. لا املك وجهة محددة الا انه قد خطر لي بأن اُكمل قهوتي التي قد قمت بسكبها الي نبتهً لا اعلم نوعها ، اسقيها أحيانًا بدافع حُبي المفرط للطبيعة فأمي من قامت بغرسها في ذلك الاصيص الذي لم يعد يحتويها برفق ، انها تحتاج الي تربة تُشعرها بحريتها ...
أنية لا تهيمي الأن اكملي الي المقهي المُفضل لدي الجميع ماذا كان اسمه يا تُري !! هاه هاهو ..
كان المذاق لابأس به ، وانا جالسةً اتأمل ملامح المارة ْ الي ان شعرت بالملل فقررت النهوض والعودة ادراجي ، لوهلة شعرت بالسُخف ! انا حقاً جُننت ، ثم فجأة وانا في طريقي الي مركبتي اري باب نجوم اخر ظهر من العدم وكأن المحيط قرر للبلاد ان تغرق دون ان يري ذلك احد سواي !
كانت امرأة اربعينية او هذا مابدا ظاهرًا لي ! فالعمُر لديهم لا يُشكل فرق ، ترتدي عباءةً زرقاء قانية عليها نقوشاً ترمُز للسماء ، نجوم وكواكب ومدارات وددتُ لجسدي فستاناً من ذات الحرير المُستبرق ، نُسجت بخيوط من الذهب الخالص ، ترتدي تاجاً يبدو ثقيلاً للغاية مُرصع بأحجار ثمينة لا اجزم ماهيتها لكنها ستجعل مني فاحشة الثراء الي ان اموت ! امزح ...
كانت بأكملها تتلألأ مثل بحيرة نقية ...
السيدة ذات الرداء الازرق : مرحبًا آنية هل تسمحين لنا بالعودة معك الي المنزل ؟ ومن هُنااعتقد بأنني بدأت بفهم كل شئ لازلت غير متأكدة !
****************

" مايزال الثلج متماسكاً فقد عبرتُه للتو مع دُب عملاق ابيض في غاية اللطف لا اعرف ان كان لديه اسم اعتقد بأنه يستطيع التكلم ، انا مُتأكدة من هذا " قالت آنية وهي تُحدث نفسها في محاولةً اخري لتذكُرِ كل شئ يحصل معها ! تجلس علي الأريكة البيضاء في هدوء كان يُخيفها في بعض الأحيان ، فالأمر لا يقتصر علي ماتشعُر بأنه حُلم مُستمر اثناء يقظتها ، كانت هنالك شيئاً ما يسري في كامل جسدها طوال الوقت ، ولم تجد تفسير منطقي لذلك فصحتها علي مايرام لا تعاني من اي امراض متناقلة او مُزمنة ...
من هذا الذي يجلس امامي ؟ تسأل نفسها متجاهلةً حقيقة انه يستطيع سماعها وهي مدركة لذلك ، فهي تستطيع رؤية كل مخلوق لا يُري منذ ان كانت صغيرة ! ولطالما بحثت عن الحقيقة او ما يُشبهها بين كتب فيزياء الكم ونظرياتٍ خيالية في نظر العامة كل يوم ، حتي توصلت اخيراً الي استنتاج منطقي للغاية بالنسبة اليها ! انهم مايُطلق عليهم الجان ! " يجب عليّ استيعاب ذلك فهم يتشاركون معنا كل شئ ! كل الديانات قد ذكرتهم ..
لابأس آنية تجاهليه وسيذهب الي حيث اتي " وبالفعل قد ذهب فور قولها ذلك ، فالعالم بالنسبة اليها يغرق في محيطٍ آمن يأخذ في ابتلاع اليابسة الي ان تختفي الحقيقة امام كذبةً ستغدو هي الحقيقة
يبدو الأمر في غاية البساطة عندما يلاحظ الجميع غرابتها واختلافها من الخارج فمن ذا الذي سيأذنون لروحه بأن تحلق ! وان حلق ، هل سيستطيع مجاراتها ؟
"عندما ترين ماترين تجاهليه الي ان يعودون الي ادراجهم ، لتبقي ارادتك قوية ولا تخافي من شئ فأنتي لا تملكين حق الاختيار " هذا ما كانت السيدة أمارا تقوله لإبنتها التي تشعر بأنها ستقفز من عقلها الي الجنون مما يحصل معها الي ان اتخذت من جدران منزلهم حِصناً لقلاعٍ شهيقة المرتفع ، تلعن الوقت الذي يُقيدها بإصفاده عند هذه النقطة التي لن تُشكل فرقاً ان استطاعت ان تُزيلها الي الأبد ...
" وان شعرت بالسكينة يضهر لي شئ ما وان غضبت أزج نفسي في معركة لا استطيع الفرار منها " قالت بصوتٍ مرتفع تعلوه نبرة الإحباط
"ان الامر ليس هكذا " رد عليها المخلوق الذي ظهر امامها ...
آنية : من انت ؟
أُدعي قنطور اليس الأمر بادياً علي شكلي !
آنية : ماذا تريد ؟ لماذا لا تدعونني وشأني !
انتي لا تريدين لنا بأن نحمل السيوف الأن اليس كذلك ؟ إهدأي واستمعي لي جيداً فالوقت لم يعد لصالحك ... قال لها
آنية : مالذي تقصده ؟
ثم فجأة تأهبت واضافت " من قال بأنك لست شيطان مُتنكر ؟ "
كانت قد امسكت برقبته علي حين غرة اثناء استجوابه ....
"لا تقتليني ، فأنتي من قمتي بإنقاذي ! "
قامت بإفلاته علي الفور عندما احست بالصدق ينطق عن حنجرته التي كادت ان تحترق بين اصابعها الرقيقة " يجب عليك التذكر ، فمن المفترض بحلول الأن قد بدأت اللعنة تظهر عليكِ "
انية : ماذا تقصد ؟ اي لعنة ؟ اتذكر ماذا ؟
نهضت من مكانها واتجهت مسرعةً الي الباب الخلفيّ عند نهاية الردهة ، تزحلقت السلالم بسرعة ثم توجهت الي ظلال شجرة الزيزفون العملاقة التي تتجنب اسوار حديقتهم الخلفية ، وامتدت بجسدها النحيف علي الاعشاب البرية التي قد بدأت في النمو مؤخراً ثم اخذت تستنشق الهواء وهي تحدق الي زُرقة السماء من وراء اوراق الأغصان المتشابكة ، "انني اتخيل ، اجل اجل ، من المستحيل ان يكون حقيقي، ماذا افعل ؟ هل انا مجنونة ؟ تنفسي آنية كل شئ بخير انتي بخير، متي سينتهي كل هذا ! "
قنطور : لكن الشياطين حقيقة اليس كذلك ؟ والا لما تهرعين الي القتل دون هوادة عند كل محاولة لهم ؟
اعرف بأنك مُتعبة للغاية ولم ترين السكينة منذ طفولتك حتي عندما تخلدين الي النوم ، فأنتِ لا تنامين حقاً ، اعرف كل شئ حولك كما ان الأن مرتكِ الاولي في التواصل ، فأنتي لطالما شاهدتي وجوهاً لا تألفينها كبشرية فلجأتي الي حل العموم وان كل ماترين سيان ، وعندما تفقدين السيطرة علي نفسك يقومون بالهجوم عليك ، فتعودتي علي قتل كل ما يظهرُ امامك اليس كذلك ؟
جلست بإستقامتها ليظهر امامها مرةً اخري فأجابته : حسناً ، لنقل بأنني استطيع ان اسمعك وان اتحدث معك !! والأن انت لست في عقلي بل تقف امامي ، لنقل بأنني بكامل قواي العقلية ، ما الدليل علي هذا ؟ مذا وان خلقتُك في خيالي ؟ انني أُطالب بدليل ..
قنطور : حسناً .
وهكذا اختفي من امامها ومرت ساعاتها الثلاث وهي تفكر ، لا تعلم ماذا تفعل ! تارةً روحها تُصدق وعقلها يعرقلها فيُكذِب ! تحوم هنا وهناك الي ان حل المساء وسيطر عليها المنطق و كاد ان يفعل فعلته بها ، حتي قاطعتها والدتها قائلة وهي تبتسم انظري مالذي اشتريته اليك منذ عدة دقائق ! واردفت كان من اولئك الباعة المتجولون ، اعتقدت بأنهم توقفو عن ذلك ، قد أصر عليّ بيعه لي مُقابل كوب ماء هل تُصدقين ذلك ؟ فقد كان يشعر بالعطش ! "
تنهدت آنية واومأت ايماءةً غريبة برأسها لا تفعلها الا عندما تشعر بالشك ... ما العنوان ؟ قالت وهي تأخذ الكتاب من يد السيدة امارا وهي تتفقد غلافه الأخضر الغريب الذي لا يحملُ عنواناً وهي تتحسس النقوش والزخارف التي تُغطيه ثم قامت بشمه محاولةً منها لأن تعرف من اين اتي ! رغم انها قد ادركت دليلها علي الفور ! فقامت بفتح صفحته الأولي واذ بها ممزقة فقرأت علي الصفحة التالية ..
الإهداء ... "الي من يطلب الدليل "
فقامت بالإنسحاب تدريجياً من حديث والدتها التي بالكاد تجد ما يُعجب ابنتها للتحدث عنه معها ولم تكترث الا بما يستمر بإغراقها علي حسب اعتقاد من اعتقاداتها لتعود الي غرفتها وهي مُستعدة الي الإستماع ، فنادت عليه مترددة بصوتها الداخلي
"قنطور ، هل تسمعني ؟ هل انت هنا ؟ "
قنطور : اتريدين دليلاً اخر ؟ نستطيع ان نُثبت لكي بأن عقلك سليم كيفما شئتي ...

حل الصمت بينهما قرابة الدقيقة ثم قامت بسؤاله : قلت لي بأنني قد قمت بإنقاذك ، كيف فعلت ذلك ؟ انا لا اعرفك !
قنطور : لقد قمتي بإنقاذي عندما كنا نُقاتل في احدي المعارك ، كانت الهزيمة ستنال منا لولاك ! ظهرتي فجأة من العدم ... ثم سكت قليلاً وهو ينظر اليها بإمتنان .... كنت انزف انتظر الموت بكرامة، ظهرتي من العدم ، وعندما اصبحتُ بخير وبدأت صداقةً تنشأ بيننا قد سألتك عن ذلك ، ماذا تفعل فتاة مثلك هناك في ذلك الوقت ، فأجبتني بأنكِ كنتي تختبرين قواك !
آنية وهي متعجبة مما قد سمعت : انا ؟ قواي ؟ انا لا اذكُر شيئاً مما قلت !
كانت تشعر بالإرتباك والحيرة والذهول انه الكثير خلال يوم واحد ! ان تتحدث دون ان تنبس شفتيها بكلمة ، ان تجد الطريق الي مخلوق ما قادر علي منحها إجابة ، لتعود الي جملتها المفضلة " اشعر بأنني قد جُننت اشعر بأنني اتخيل " فنطقت
" احتاج دليلًا اخر " .

آنياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن