سيدني، أنا خائف

430 23 2
                                    

السماء داكنة الزرقة و أنجمها البعيدة المنثورة تشكل سديمًا برّاقًا يبان من خلف زجاج السيارة الأمامي، و الذي تشكلت فيه طبقة رقيقة من البخار شديد البرودة على سطحه الداخليّ، ليهمّ الناعس بمسحه بكف يده حتى يتيح لخليله منظرًا أوضح للطريق الإسفلتي شديد الظلمة إلا من أنوار السيارة الصفراء الأمامية.

كان جونقهان يجاهد حتى يبقي عينيه على الطريق، و في الجهة الأخرى، جوشوا الذي ترقد خصلاته البنية بكسل على جبينه، بل زحفت كعشبة متسلقةٍ حتى لامست أهدابه الطويلة، قد إستيقظ توًا من قيلولة لم يحسب حسابها، بل ساقته إليها قيادة خليله الهادئة، و إرتطام رياح تشرين الباردة بوجهه من نصيف زجاج النافذة المفتوح.

" دعني أقود لأقرب محطة وقود، لتأخذ قسطًا من الراحة حتى ذلك الحين، و لنشتري لنا المشروبات فيما بعد. " طبطب له جوشوا على كتفه الذي طاله بعضٌ من شعره الأسود، و كم شعر اسود الشعر بأنه يود إلقاء رأسه الثقيل في أقرب بقعة و إغماض عينيه. جاهد مجددًا، حتى ركن السيارة و تبادلا المقاعد بكسلٍ مريع، ليهمّ القيادة بسرعته المعهودة، و الآخر قد تملكه الخدر بالكامل، ليغط في نومٍ عميق بعد بقائه متصنمًا خلف المقود لخمس ساعاتٍ متواصلة.

كلاهما طالبين جامعيين، أو بالأحرى السنة الحالية هي ستكون بداية لكليهما كطالبين جامعيين، لم يدركا سرعة مضيّ الوقت إلا في هذه اللحظة، إذ أصبح كلاهما في مواجهة حتمية، لا مفرّ منها مع أي حدثٍ قادم، بعد حزم الحقائب توديع عائلاتهم، و ركوب السيارة و القيادة، إنتهى الأمر.

في هذه الأوقات من الليل، يبدو كل شيء مصيريًا بوسيلةٍ مرعبة، في نقطة التحول تلك، ستدرك بأنك من ستدير الدفة حيث يكمن مستقبلك الذي عملت عليه جاهدًا طيلة سنين عمرك، تقاوم الريح الذي يهيّج الأمواج حتى تسير سفينتك بسلام نحو المجهول. و هذا الأمر بحدّ ذاته، كان يقف هاجسًا بينهما و بين هذا الميل من القيادة من -دارلينغ هرست- حتى -سيدني- حيث حياة الجامعة تنتظرهما.

و بعد أن جالت هذه الأفكار في عقل جونقهان، إستدرك أن ذهنه كان يتأرجح بين اليقظة و الركود لفترة لا بأس بها، ففتح جفنيه بتثاقل، و وجد السيارة مركونة بالفعل في أحد محطات الوقود العادية، و أدرك أنه قد غفى لمدة أقصر مما ظن أنه سيفعل.

خرج من السيارة باحثًا عن خليله ببدنٍ متقهقر و متصلب و أطرافٍ خَدِرة، ليجده يتفاوض مع البائع في المتجر الملحق بمحطة الوقود على بعض علب المشروبات و قطع علكة الفواكه بإستفاضة ملحّة، بينما يقارن غلاء سعرها مقارنة بدرالينغ هرست. راح يتجول بين الأرفف، إذ حل منتصف الليل و المحطة فارغة إلا منهما، و بائع المتجر الذي سئم من جوشوا المتذمر، جوشواه الذي لن يتغير.

فيرنڤيه - جيهانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن