المقدمة

3.2K 85 6
                                    

" عندما تشعر أن مرآة الطبيعة تسعى الى أن تعكس نفسها من داخل روحك لتظهر لك ما نسته الأجيال من قبلك منذ زمن طويل و تشعر أنها ترفع كيانك الى دور معيّن عندها أنت فتحت عيناك على جمال الطبيعة و أعطيتها حق الرؤية بنفسك "

- أثناسيا هاردينغ -

.
.

يُشرق ضوء الشمس بخيوطه الرفيعة على العالم معلنا عن فجر يوم جديد في الريف البعيد .. حيث كل شيء من الخشب و المعدن المتهالك .. السّماء صافية زرقاء بهيّة تزيّنها غيوم متناثرة كقطن ناصع البياض .. النسيم عليل ينعش الروح و يهبّ من كل صوب .. مراقصا حشائش الأرض و أغصان الأشجار برفق و عبث ..

الأغنام متناثرة على المرج الأخضر ، تسرح بحريّة مشكلة لوحة مثالية للريف الإنجليزي البسيط .. صهيل الخيول يتردّد من الاسطبل القريب ممتزجا بصوت خرير النهر المجاور و رائحة الصخور الرطبة ليكمل السيمفونية الطبيعية الهادئة ..

رائحة خشب الأشجار القوية الممتزجة برطوبة النهر و العشب و عبق الخبز الساخن المتصاعد من المنزل القريب شكّلت مزيجا من الروائح محفور في أعماق ذاكرته .. تداعب أنفه باصرار و كأنها تذكره بوجودها بكل أنانية ..

يجلس معتدلا متكئا بظهره على الهيكل الخشبي للاسطبل الذي طُلي حديثا بزيت الصنوبر و جفّ أخيرا و بقيت رائحته تراقص انفه باغراء جنبا الى جنب مع مزيج الروائح الأخرى .. صامتا كعادته و سارحا ببصره في السّماء بينما يجلس كلبه عند قدميه نائما و يشخر بصوت عال كاسرا صمت المكان ..

شاردا فوق العشب كما اعتاد و بصره معلق يراقب السماء بينما يده تمسح على ظهر الكلب بحركة رتيبة .. غارقا في تفكيره مسافرا عن الواقع بقلب هادئ في ظاهره ، مضطرب بضجيج الأفكار في باطنه ..

هل تسائلتَ يوما عما تود الرياح ايصاله إليك ؟ تلك الهمسات الرقيقة التي تداعب أذنك قبل أن تبوح بأسرارها الساحرة على مسامعك ..

أذنك تسمع ، عينك ترى ، قلبك يشعر .. لكن هل لاحظت يوما ؟

ما تحمله الرياح من إرث و حكايات عتيقة و رسائل من عوالم بعيدة .. تلامس ارواحنا و تحثنا على اكتشاف جمال مخفي في تفاصيل الوجود .. كل همسة منها تذكير صامت بتمتعنا بالحياة .. كل همسة دعوة صامتة للغوص في أعماق الذات و الكون .. للاستماع للإيقاع الخافت الذي ينبض في قلب الطبيعة

الرّيف .. تلك المساحات الشاسعة الخضراء التي يستوطنها أناس بسطاء تناغموا مع الطبيعة و استمدوا منها بساطتها و جمالها .. الريف يبقى عالما نقيا و منعزلا يتغاضى عن هموم التلوث و التقدم الحضري .. مبتعدا كل البعد عن دخان المصانع و ضجيج العربات .. محتفظا بعذرية جماله الطبيعي و سحره الخاص

سهول كوتسوولدز حيث تعيش القصص. اكتشف الآن