الفصل الأول : وصول

11.2K 472 229
                                    

" و تكمن الدافعية الأعمق في طبيعة الانسان في رغبته في أن يكون له وجودا ذا قيمة "
_________________

محطة كوتسوولدز .. بريطانيا .. انجلترا .. منتصف النهار

يعلو صفير القطار القادم من لندن لتتباطئ سرعته تدريجيا قبل أن يتوقف أخيرا في محطة كوتسوولدز المحتشدة بالناس مصدرا صوتا قويا ناتجا عن احتكاك عجلات بالسكة الحديدية تزامنا مع اندفاع البخار الكثيف من الفوهة أعلاه .. أطلق صفيرا ثانيا و فتحت أبواب القطار ليندفع الناس من داخله و خارجه ..

منهم المغادرون و منهم من ينزلون من على متنه محملين بالحقائب و الأمتعة محدثين ضجيجا عاليا في المحطة التي تعج بالمسافرين و أهاليهم .. منهم من أتى لاستقبالهم و منهم من أتوا لتوديعهم ..

كانت لحظات مليئة بالضجيج تحت أشعة شمس حارقة لا تناسب فصل الخريف قبل أن يغلق القطار أبوابه مجددا و قد استغرق خمسة عشر دقيقة في المحطة بالضبط .. أطلق صفيرا عاليا و بخار احتراق الفحم يخرج من الفوهة أعلاه قبل أن يعلو صوت احتكاك عجلاته بالسكة الحديدية مجددا و ينطلق مغادرا المحطة نحو وجهته التالية ..

الشمس تنشر أشعتها و خيوطها المشعة بسخاء على قرية كوتسوولدز فلا وجود لأي غيوم تحجب نورها عن الأرض .. السماء زرقاء صافية و الجو صحو و جميل للغاية و دافئ على الرغم من أنهم في منتصف شهر الخريف و بدايات شهر نوفمبر ..

فوق مصطبة مرتفعة بعض الشيء عن المحطة وقفت تلك الشابة منتصبة القامة مستقيمة الظهر توزع نظراتها الفضولية على الجميع في المحطة .. وقوفها فوق المصطبة الخشبية أكسبها طولا اضافيا لقامتها المائلة للقصر مما دفعها للوقوف على أطراف أصابعها رغم أن الأمر لم يكن مريحا بهذا الحذاء الجلدي الفاخر الذي استعارته من شقيقتها ..

كل هذا لتستطيع الحصول على نظرة شاملة للمحطة بأكملها باحثة بأبصارها بلهفة بين الوجوه علها تلمح ضالتها .. كانت المحطة مكتظة كثيرا و لولا إلحاح والدها لذهبت بنفسها لكنه أصر عليها كي تستمع لتعليماته التي لا تزال ترن في أذنها حتى الآن

" لا تتحركي من مكانك أثناسيا .. سيصل العمّ نورمان أو زوجته العمة آيلا لاصطحابك للمزرعة .. إياكي و أن تغادري مكانك فأنت لا تعرفين أي أحد هنا و ستضيعين بسهولة .. لذا كوني فتاة مطيعة و انتظري بهدوء دون إثارة المتاعب "

من كثرة ما كرر والدها هذه الجملة على مسامعها طوال الرحلة حفظتها عن ظهر قلب .. لقد نزلت من القطار الذي غادر توا و قد شدّد عليها والدها عدّة مرات بعدم الحراك من مكانها و كأنها طفلة صغيرة .. ليس و كأنها شابة في ربيعها السابع عشر و على أبواب الثمانية عشر ..

سهول كوتسوولدز حيث تعيش القصص. اكتشف الآن