_ولما تلاقينا على سفح رامةٍ
وجدتُ بَنان العامريةِ أحمرا
فقلتُ خضبت الكف على فراقنا
قالت معاذ الله ذلك ما جرى
ولكنني لما وجدتك راحلًا
بكيت دما حتى بللت به الثرى
مسحتُ بأطراف البَنان مدامعي
فصار خضابًا في اليدين كما ترى.
"
قيس بن ملوِّح"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتكثر الأحداث العصيبة والتي بعضها لا يتحملها القلب ولكن تستمر الحياة.
شهقت "ضحى" بخفوتٍ قبل أن تضع يدها على فمها ومن ثم نظرت نحو "رجب" الذي ظل ينظر للمارة بمللٍ كي تنتهي المناقشة، فعادت بالنظر إليه قبل أن تقول بثباتٍ:
_ طب معلش ممكن ثواني أعرف الطلاب إن باقي الحصة اتلغت علشان "رجب" هيتصدم جامد وأنا هحاول أمهدله الموضوع.
أومأ "موسى" لها بموافقةٍ، فتوجهت "ضحى" للداخل تخبر طلابها بانتهاء الشرح ويمكنهم المغادرة الآن ومن ثم لملمت أغراضها سريعًا وأخبرت المشرفين الذين يتولون إدارة المركز بإلغاء باقِ حصص اليوم، وتوجهت سريعًا إلى "رجب" الذي فور مجيئها تفوه بتساؤلٍ:
_ في حاجة يا أستاذتي، الباشمهندس بيقول إن حضرتك عايزة تقوليلي حاجة.
ابتسمت له بلطفٍ قبل أن تجيب بتريثٍ وحافظت على المسافة بين الإثنين وحاولت انتقاء الكلمات المناسبة التي تُقال في تلك الأخبار بعدما درست العديد من التعاملات مع هذه الظروف:
_ بص يا "رجب"! ربنا جابنا الدنيا هنا لعبادته وإرضائه، ربنا عاطينا جسدنا دا أمانة، فالواجب ناحيتنا نحاول الحفاظ عليه بقدر المستطاع حتى نقف أمام الله عز وجل ونُسأل عليه. لكل واحد وله عمر عارف بدايته إمتى لكن نهايته لا يعلمها إلا الله مديلك حريتك الكافية تعمل اللي أنتَ عاوزه واحنا المفروض نتعبده ونتأمل في ملكوته، دلوقتي والدتك ويشهد الله على حديثي إنها ونعم الأم ربت وأحسنت وعلمت وماحدش مننا شاف منها سوى الخير، ربنا أراد دلوقتي بقى يسترد أمانته يحاسبها على كل حاجة عملتها في حياتها، والدتك دلوقتي صعدت روحها لله عز وجل، والدتك سلمت أمانتها وتركت الدنيا وإن شاء الله طريقها للجنة، والدتك يا "رجب" توفاها الله.
وقع الخبر كالصاعقة على رأس الفتى الذي رمق معلمته بصدمةٍ شديدة لا يتخيل عقله بأن والدته غادرت الدنيا تتركه وحده! مصدر أمانه وقوته لم يعد لها وجودًا سوى بعض الذكريات منها، لم يشعر "رجب" بما حوله إلا عندما هبطت عبراته بغزارةٍ يردد بصوتٍ مختنق بآيةٍ كانت تحفظها أمه له عن ظهر قلب: