مواجهة أخرى

7 0 0
                                    

بدأت قصتنا في قرية نائية، تحيط بها الجبال الشامخة من كل جانب، كحراس حصن معزول في قلب البرية. ليس غريبًا على هذه القرية المنسية أن تُسمع فيها صيحات رجال يصارعون من أجل البقاء، أو زعيق النساء يشكين الظلم والفقر الذي يكبلهم.


الذئب المفترس ضد الفارسة الحسناء، بطلانا المتناقضان كاللهب والمياه، يقفان في منتصف الطريق مواجهين بعضهما البعض، تلتهب عيونهما بنار الغضب المكبوت.

جاريت، ذلك الرجل الذي لا تكاد تقرأ في ملامحه شيئًا سوى القسوة واللامبالاة، ينظر إلى إيلا بازدراء. أما إيلا، فتلمس وجهها المتوتر انزعاج واضح، ولا تخفي سخطها تجاه الذي يجعلها تشعر بالاشمئزاز كلما اقترب منها.

"أ أنت مفتونة بمعاكستي؟" قال جاريت بنفاذ صبر. "ألا عمل لك غير عرقلة أعمالنا؟"

استدارت إيلا مواجهة جاريت، وامتلأت عيناها بغضب. "أعمالكم؟ أنت تقصد عمليات السرقة والنهب التي تقوم بها عصابتك البائسة على حساب أهالي القرية؟"

خطا جاريت خطوة إلى الأمام، مقبضًا بقوة على سكينه الحاد. "ابلعي لسانك السليط وإلا مزقته! أنت لا تعرفين شيئًا عما نفعل."

ردت : "أعرف كل شيء عنكم! أنتم مجرد لصوص ومجرمون تسرقون من الفقراء لتبددوا أموالكم على المخدرات والخمر."

كاد جاريت أن ينقض عليها، لولا تدخل امرأة مسنة وقفت بينهما. "كفى هذا الجدال العقيم! أليس لديكما ما تفعلانه سوى إحداث المزيد من المتاعب في هذه القرية المنكوبة؟"

نظر جاريت للعجوز بغضب، ثم التفت ببطء إلى إيلا، التي أحست بنبض قلبها في أذنيها، وهددها:
"إن وقعت عيناي ثانية على وجهك القبيح.. سترين ما الذي سيحل بك."

ثم مضى بخطى سريعة، متركًا إيلا وسط الطريق، وقد اختفى في ظلمة الليل البارد. المرأة المسنة وضعت يدها على كتف إيلا بحنان، لكن العينين الحزينتين لا تخفيان قلقها على غد هذه القرية.

-

جلس ألفريد ماسكا صورة بالية لزوجته المتوفاة. كان يحدق في ملامح وجهها المتألق بنور الشمعة التي تضيء الغرفة البسيطة. ما الذنب الذي اقترفه حتى ينتهي به المطاف في هذه القرية المليئة بالمعاناة؟

نظر إلى أطفاله النائمين في الغرفة المجاورة، وتنهد بحرقة.

سمع صوت باب المنزل يفتح ببطء، فالتفت ليرى إيلا تدخل إليه وهي ترتدي ثيابها المتسخة. قبل أن يسألها، سبقته بالكلام. "أنا بخير يا أبي. لا تقلق، فهذا الأمر لن يتكرر."

جلست بجواره وأمسكت يده، تنهدت مدركة مدى إرهاقه ومعاناته الخفية. "ها قد عدت من المزرعة. لقد أنهيت كل ما كان علي فعله اليوم." هزت رأسها بخيبة أمل. "لن أفهم هذا الرجل أبدًا، لا جاريت ولا عصابته المتوحشة."

مسح أبوها شعرها بحنان. "لا تلوميهم يا ابنتي. هؤلاء الشباب هلعوا من الفقر والظلم الذي يكتنف هذه القرية. لقد أُجبروا على أن يصبحوا ذئابا مفترسة تصارع من أجل البقاء."

رفعت إيلا نظرها إلى أبيها، دموع الحزن والأسى تملأ عينيها. "لكن هذا لا يبرر ما يفعلونه! نحن مجرد ضحايا لعنف واستغلال لا ينتهي."

لم يجد أبوها ما يقوله. كان لسانه عاجزًا عن التعبير عن كل ما يمتلئ به قلبه من مرارة وألم. فقط ضم ابنته إليه في صمت، وهما يستمعان إلى شخير الأطفال من الغرفة المجاورة.

خارج المنزل، كان جاريت يقف بمفرده على حافة الطريق، ينظر إلى القرية الخامدة تحت نجوم الليل. كان قلبه يغلي غضبا، لكن ملامح وجهه القاسية كانت تخفي ندوبًا أعمق. هناك، في ظل تلك الليلة المظلمة، تمتد أيدي الماضي القاسي لتلامس قلبه، مذكرة إياه بأشياء أراد نسيانها منذ زمن.

🎉 لقد انتهيت من قراءة الأشواك المتلاحمة 🎉
الأشواك المتلاحمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن