إجتماع

9 3 0
                                    

مرّ يومان آخران على ذلك النحو ، و في اليوم التالي و دون سابق إنذار ، خرج من غرفته و نادى على "كيت" ، صعدت إليه مسرعةً آملةً أن يكون قد عاد إلى طبيعته ، غير أنه فاجأها حين قال :
- أخبري الجميع بأن يجتمعوا في غرفة المعيشة ..

راقب المجتمعون خطوات سيدهم و هو ينزل على الدرج ، مقطّبا حاجبيه ، طلب منهم الجلوس ، اتخذت النساء مجلسهنّ بينما بقي توماس واقفا واضعا يديه خلف ظهره ، رأى "ألبرت"  الترقب مرتسما على وجوههم  و حركاتهم جميعا ، تَحرُّك قدمي "ماري" في عصبية ، ترويح "كيت" بيديها  التماسا للهواء ، نقر "هيلين" بأصابعها على طرف الأريكة ، مسح " نيكول" المتكرّر لوجهها بمنديلها ، و توماس من خلف تلك الأرائك يذرع المكان جيئة و ذهابا ..
كان وقع كلامه حين بدأه أخيرا كوقع قنبلة ألقاها بينهم ، رغم أنه قال في هدوء :
- لا داعي للقلق ، أنا بخير و كلّ شيئ على ما يرام ، لم آتكم بخبر سيئ ، هدؤوا من روعكم...
شعر بالراحة تنتشر في المكان عندما سمع تنهيدات متفرّقة ..
توقّف توماس عن أكل أعصابه و جلس هو الآخر ، ثم قال :
- أخبرنا يا سيدي سبب اجتماعنا هذا ..
هتفت النسوة مواقفات طلبا للأمر ذاته ..
فقال سائلا إيّاهم سؤالا يعرف جوابه جيدا :
- كم مرّ على وفاة "أماندا" ؟
قالت "كيت" منتحبة :
- سيدتي المسكينة .. في الشهر القادم سنحيي ذكرى وفاتها الأولى ..
مسحت "نيكول" دموعها بمنديلها و قالت :
- فلترقدي في سلام ..
نقّلت "هيلين" ناظريها بين الحاضرين قائلة :
- آسفة يا جماعة ، تعلمون ، لم يمض على خدمتي هنا الكثير ، فلترقد في سلام و لتحفّ روحها الملائكة ، كيف ماتت ؟
طأطأ "ألبرت"رأسه حزنا ، ربّت "توماس" على كتفه مواسيا إيّاه ، حلّت غيمة حزن على الأرجاء قبل أن تجيبها "ماري" التي تحلّت بالشجاعة :
- ورم خبيث ، قضت آخر أيّامها في غيبوبة دخلتها بعد عمليّة جراحيّة .. 
غطّى "ألبرت" عينيه بكفّه وسط همهمات حزينة جالت بالمكان ، ثم تمالك أعصابه و قال :
- أعلم أنها عزيزة على قلوبكم ، فما بالكم بقلبي أنا ؟ ، أصحو في كل يوم على أمل أن يكون موتها كابوسا أستيقظ منه لكن ...
سكت شاعرا أن الموقف كان يحتاج إلى عدد رجال أكبر ، دموعهنّ المنهمرة أقلقته ، فكّر أمن الحكمة طلب مراده منهنّ ؟ هل سيقوين على تحمّل هول التجربة ؟ ماذا سيكون مصيرهم لو فشلوا؟
فهمت "كيت" معنى سكوت سيّدها ، فشرعت تمسح دموعها و تطلب منهنّ تمالك أنفسهنّ و عدم مضاعفة حزنه ، قالت متصنعة الحيوية :
- إنها ترانا حيث هي ، مبتسمة و مرتاحة ، شاكرة على أننا لم نترك السيد ألبرت وحيدا ..
ابتسمن في طمأنينة ، بينما كان "توماس" يتمنى انتهاء كل هذا بأن يعرف سبب هذا الإجتماع الطارئ ..
سأل "توماس" السّيد "ألبرت" ثانية :
- مالسبب من اجتماعنا هذا ؟
أضافت "كيت" متسائلة :
مالذي جعلك تنزوي بغرفتك؟ أهي نوبة اكتئاب ؟
قالت "نيكول" و هي تفتح منديلها لاستقبال موجة جديدة من الدموع :
- لكن لِمَ يكتئب فجأة ؟ ربّما رآها في حلمه ..
و شرعت تبكي و تنتحب..
ضمتها مساعدتها "ماري" محاولة تهدئتها :
- لا بأس عزيزتي ، إهدئي و لنسمع ما يريد قوله ..
رأت "هيلين" في حزن المحيطين بها مقدار محبتهم لسيدتهم ، فقالت :
- من الواضح كم كانت رائعة لتشعروا حيالها بكل هذا ..
أجبنها في انفعال مؤكّدات كلامها بينما أومأ "ألبرت" برأسه إيجابا ، لم يتمالك "توماس" نفسه ، قال بصوتٍ عالٍ :
- كفى أرجوكنّ ..
عمّ الصمت فتابع موجّها كلامه للسيد "ألبرت" :
- أرجوك يا سيّدي أطلعنا على سبب اجتماعنا ليلتفت كلّ منا لعمله ..
قطع كلاما على وشك أن يصدر من الحاضرات بأن قال :
- من فضلكنّ التزمن الصمت قليلا ، دعوا التحدث للسيد "ألبرت"..
وافقنه فشعر "ألبرت" أنّ عليه الكلام و الاختصار فقال :
- أريد مساعدتكم ..
أجاب "توماس" :
- فيم تحتاج مساعدتنا ؟
قال "ألبرت" حاسما الموضوع :
- في التواصل مع أماندا !
شهقت النسوة غير مصدّقات ما سمعنه ، قال "توماس" ضاحكا :
- هل أنت جادّ يا سيدي ؟
تابع "ألبرت" موضّحا :
- أعلم أنّ ما سأقوله سيكون صعبا على استيعابكم ، لكن لا تقلقوا ، قضيت وقتا كافيا تعلّمت خلاله كيف ..
قاطعته "كيت" مرتعبة:
- كيف تتواصل مع .. مع امرأة ميتة !!!
- أجل يا كيت ..
سمع همهمات نابعة عن خوف فتابع :
- إهدؤوا أرجوكم ..
قال "توماس" منفعلا :
- كيف تريد منّا أن نهدأ ... ماذا تقول بحقّ السماء ..!
كانت النسوة اللواتي يعرفن "أماندا" في طريقهنّ لتفهّم وضع سيدهنّ ، أمّا "هيلين" ، فقد شعرت أنها في مكان يملؤه الجنون و اللاّمنطق،  قالت في توتّر :
- من فضلك يا سيدي إعفني من هذا ، لا أستطيع أن أكون طرفا في ...
قاطعها راجيا :
- عليك ذلك ! ، ستة .. الأمر يلزمه ستة ليتم ...
وجد كل واحد منهم نفسه يعدّ الحاضرين ليجد أنه سادسهم ...
قالت "كيت" راغبة في اختصار الشّرح :
- هل هي جلسة استحضار أرواح ...؟
إقشعرّت أبدانهم فور سماعهم ذلك ، شعروا أن قلوبهم تفزّ عندما رأوه يومئ إيجابا :
- نعم يا سادة ، جلسة استحضار أرواح ، أريد أن أسأل أماندا ، لا أحد غيرها يستطيع الإجابة على سؤالي ..
نظر إلى "هيلين" نظرة رجاء و توسّل :
- تفهّمي الأمر يا هيلين .. أرجوك ..
كانت دموع "هيلين" بمثابة الموافقة التي كان يرجوها ..
قال "توماس" :
- لكن يا سيدي ..
- توماس .. أرجوك .. لن يأخذ منّا كل ذلك بضع دقائق ..
وجّه كلامه للبقية آملا أخذ موافقتهم جميعا :
- لن يلحقكم أي ضرر ، سنكون معا ، وقت قصير كفيل لآخذ جوابا ، أرجوكم ..
لم تقو نيكول على الكلام ، كانت مشاعر "ماري" مختلطة بين الخوف و الشفقة ،  منطق هيلين كان مطمئنا لها ، كانت تفكر :
- لا ضرر في أن أشبع رغبته ، تلك الظواهر غير مثبتة علميا ، لن يحصل شيئ ...
كانت "كيت" تشعر بالولاء الدائم لسيدها ، لذلك فقد قالت له مبدية مساندتها :
- أنا موافقة ، سأساعدك ..
وافقن تباعا بإيماءة منهن ، أما "توماس" فقد كان همه الوحيد ، هو إنهاء كل ذلك و بأيّ ثمن ، فوافق هو الآخر ..
شعر "ألبرت" بالراحة و قد نال مراده ، أخبرهم في هدوء معلنا انتهاء الاجتماع :
- اشكركم جميعا ، لن أثقل كاهلكم اليوم ، فلتكن ليلة الغد هي ليلة التنفيذ ، آسف على الإطالة ، يمكنكم الالتفات لأشغالكم الآن ..
قام الجميع مهمهمين و توجه كل منهم لعمله آملين مضيّ تلك الليلة على خير ...

أماندا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن