في اليوم التالي ، كان القلق مخيّما على البيت و ساكنيه ، حاولت "هيلين" التشبت بقناعاتها كغريقٍ ينازع الموت بالتشبت بقشّة ، بينما كان قلق بقية النسوة ممتزجا بحبهنّ لسيدتهن حيةً كانت أو ميتة ، حضّرن له احتياجاته كأي يوم عادي ، و لو أنه لم يبرح مكانه في غرفته ..
أمّا توماس ، فقد باشر أعماله في الحديقة مع شروق الشمس ، إيمانًا منه بأنّ الانشغال كافٍ لطرد الأفكار السيئة من رأسه ...و في الساعة المنتظرة ، بعد عشاءٍ سريعٍ غابت عنه الشهيّة ، أخذ السيد "ألبرت" الجالس في غرفته يراجع الخطوات المطلوبة و يتفقد مستلزمات التجربة ، كان يقارن بين المكتوب في دفتره و بين ما يوجد أمامه :
- طاولة بيضاوية الشكل ، مممم ، لن أنسى قطعة الخبز ، عدد الشموع ستة ، ربما أزيدها ثلاثا ، حسنا ..
أغلق دفتره متهيّئا لاجتماعٍ لم يعهد مثله أيّ من المشتركين الستة ..بعد دقائق ، كانت كلّ من كيت ، هيلين ، ماري ، توماس و سيّدهم ألبرت ، يقفون في غرفته حول طاولة بيضاوية ، قطعت خطوات "نيكول" سكونهم حين دخلت عليهم حاملةُ في يدها قطعة خبز وضعتها في أناةٍ على الطاولة ، ثم قالت جاهدةً لتمنع ارتجاف صوتها :
- ماذا الآن ؟
قال "ألبرت" في صوتٍ هادئٍ زاد من رهبة الموقف :
- أرجو منكم جميعًا إقناع أنفسكم أنّ لا شيئ غريب أو مخيف ، ثقوا بي ، الأمر كذلك فعلا !
ساندته "كيت" حين قالت :
- نثق بك يا سيدي ، كلها دقائق سنحظى خلالها بوقتٍ إضافيّ مع عزيزتنا "أماندا" ..
نظرت مبتسمةً إلى الحاضرين فبادلوها بابتسامةٍ لا تنمّ عن راحة ، سأل "ألبرت" :
- تحفظون ما علينا قوله ؟
أجبنه بإيماءة إيجاب في حين قال "توماس" :
- أجل نفعل ، إذا كان كل شيئ جاهزا فلنبدأ يا سيدي ..
- الشموع ..
شرعت "كيت" في إشعال الشموع التسعة سائلةً سيّدها :
- لماذا تسعة و ليس ستة ؟
أجابها :
- الأرواح ..تحبّ الشموع .. و الدفئ .. لذلك أضفت ثلاثا .. هل أضيف أكثر؟
قالت "كيت" مع إشعال آخر شمعة :
- لا داعي .. تبدو لي كافية ..
كانت "هيلين" تنظر للموقف ككلّ على أنه لعب أطفال ، لكنّ نيكول و ماري كانتا مؤمنتيْن أنّ أماندا ستكون ضيفتهم الليلة ..
طلب منهم ألبرت الجلوس على الأرضية التي بُسط عليها سجّادٌ أنيق ، أطفأ النور قبل أن يفعل مثلهم ، تذكّر أمر الهواتف و النّقرات فقال لهم :
- أغلقوا هواتفكم من فضلكم لا نريد أي مصدر تشويش ، تذكّروا ، نقرةٌ واحدة تعني "لا" ، نقرتان تعني "نعم" ..
فعلوا ذلك ، ثمّ شبكوا أيديهم بأيدي بعضهم البعض ، آخذين نفسًا عميقًا ، قبل أن يبدؤوا بترديد :
- عزيزتنا أماندا ، جئنا إليكِ بالهدايا من الحياة إلى الموت ، تواصلي معنا ، تنقلي بيننا ، أشعرينا بوجودك ..
لم يحدث شيئ بعد المرة الأولى فكرّروا :
- عزيزتنا أماندا ، جئنا إليك بالهدايا من الحياة إلى الموت ، تواصلي معنا ، تنقّلي بيننا ، أشعرينا بوجودك ..
رفعوا أصواتهم و بنبرة قويّة :
- - عزيزتنا أماندا ، جئنا إليك بالهدايا من الحياة إلى الموت ، تواصلي معنا ، تنقّلي بيننا ، أشعرينا بوجودك ..
إنتفضت أجسادهم عندما وقع إطارٌ به صورة السّيدة أماندا من على منضدة سرير السيد ألبرت الذي قال بصوت خافت :
- إستجابت ... إنّها هنا ...
كان الجميع واجمين عندما سأل :
- أماندا ، أهذه أنت ؟
سمعوا نقرتين على الطاولة ..
تابع ألبرت غير مكترثٍ للرعب الذي كساه :
- هل اشتقت إليّ ؟
نقرتان أخريان ..
- هل أنت مرتاحة ؟
أغمضوا أعينهم محاولين تمالك أنفسهم ، مرّت دقيقة سمعوا بعدها نقرة واحدة على الطاولة ..
تسارع نبض ألبرت و هو يضيف :
- هل الأمر متعلّق بطريقة موتك ؟ ....
كانت نقرة الإجابة قويّة أربكت ألبرت و طمأنته في آن .. لكنه أراد التأكّد :
- لم يقتلك أحد ؟
ازداد توتّره و هو ينتظر الإجابة ، ثمّ نُقر على الطاولة نقرة واحدة ..
إستغرب "ألبرت" من عدم راحتها رغم ذلك ، سأل:
- لستِ مرتاحة لسبب آخر ؟
جاء الرد بنقرتيْن فأضاف :
- هل بإمكاني أنا مساعدتك ؟
سمع نقرة واحدة تعني "لا" ، فشعر أنّ ذلك يكفي ، لم يقتلها أحد ، و لن يستطيع مساعدتها ، لا جدوى من إطالة الأمر إذن ..
نظر إلى الحاضرين ففهموا ما عليهم فعله ، فصلوا أيديهم المرتجفة و الرطبة ، قام "توماس" و أشعل النور الذي بعث في روحه الطمأنينة ثانية ، و قال :
- أطفؤوا الشموع ..
قام "ألبرت" شاكرا إياهم ، كانت نيكول متأثرة و هي تقول له :
- أرجو لها أن تنعم بالراحة قريبا جدّا ، كما أتمنى أن يكون الجواب الذي حظيت به كافيًا ...
أومأ إيجابًا فربّتت على كتفه مبتسمةً و همّت بالخروج للذهاب إلى غرفتها ، تبعتها ماري ، أما هيلين فكانت لا تزال غير مستوعبة الذي حصل :
- يجب أن يكون لتلك النقرات تفسير علميّ .. !
خرجت من الغرفة و علامات التيه باديةٌ على محيّاها ، تبعها توماس متمنّيا للسيد ألبرت ليلة سعيدة ، أما كيت ، أظهرت له ارتياحها لتحقق مراده ، مع تمنيها أن ترقد سيدتها في سلام ، فبادلها بامتنانه على ثقتها و مساندتها الدائمة ، تمنّت له ليلةً هانئة ثم خرجت و أغلقت باب غرفته وراءها ..جلس على سريره يفكّر في التجربة ككلّ ، أماندا و الأجوبة التي تحصّل عليها ، تذكّر الخطوات فاطمأنّ لعدم صدور أيّ تشويش قد يحيلها روحا غاضبة ، تناول دفتره من على المنضدة و قرأ مراجعا :
- عددنا كان ستّة ، الطاولة البيضاوية ، الشموع عددها يقبل القسمة على ثلاثة ، قطعة الخبز ، لا تشويش ، الأنوار منطفئة ، الأيادي متشابكة، نداؤنا كان صحيحا ..
قلب الصفحة و تابع :
- سألتها أسئلة تحتمل الإجابتين نعم أو لا ، الإقتناع .. آمل أنّهم كانوا مقتنعين بالتجربة ..
أنهينا الجلسة بفصل الأيدي و إطفاء الشموع و إشعال الأنوار ..
إقشعرّ بدن ألبرت و هو ينقل سبّابته إلى خطوةٍ أخيرة نسوا أمرها :
- عدم نسيان شكر الروح على تواصلها و إبلاغها أن تذهب مع تمني السلامة لها ؟
أغلق دفتره و هو يردد :
- لم نفعل هذا .. لم نفعل ...ازداد رعبه عندما انفتح باب الشرفة فجأة ، جاعلاً الستائر البيضاء تتراقص مع لفحات الهواء مؤكّدةً فرضية خوفه ، إبتلع ريقه غير عالمٍ ما عليه فعله ، لكنّ صرخة "كيت" من الأسفل .. قضت على آخر آماله بمرور الموقف على خير .....
![](https://img.wattpad.com/cover/371811574-288-k389089.jpg)
أنت تقرأ
أماندا
Horrorفي ذلك البيت الفكتوريّ بلندن ، حنينٌ إلى روح .. و ليلةٌ انتظر الجميع أن تمرّ بسلام .. لكن .. كان لأماندا رأيٌ آخر ....