ألماظ حـــــــر

899 97 45
                                    

يقال إن الشدائد، تُظهر معادن الناس، منهم ك الحديد الذي يصدأ، إن تعرض لأي هبة ريح، ومنهم كـ الزجاج الذي يلتمع بالضوء، ولكنه هش عند أقل اصطدام ينكسر، ويتلاشى، ومنهم ما هو حر نفيس كالألماس، حتى وإن تعرض لأسوأ عوامل الحياة، لا يتغير؛ بل ستجده محتفظًا بقيمته ونقائه ورونقه.

***
يجلس في غرفته المظلمة منكبًا على نفسه، غارقًا في دوامته، يدخن بشراهة كَكُل ليلة من يوم الحادث، الذي تعرض له منذ أكثر من سنة.

عاد بالزمن، حين كان لا يبالي، ولا يهتم إلا بما يسعدها أو يخصها هي فقط.

يتذكر كيف كانت حالته قبل هذا الحادث بدقائق قليلة، كان سعيدًا، منطلقًا، يهاتفها وهو ذاهب إليها، فأخيرًا أمتلك البيت الذي كانت تتمناه.
كان يسمعها أجمل كلمات الغزل،ئ والعشق، حتي ظهرت سيارة أمامه من العدم، سقط الهاتف من يده، وأدار عجلت القيادة في هلع ليتفاداها، لكن لسوء حظه انقلبت سيارته عدة مرات...
نُقل للمشفى في حالة خطرة، ومكث للعلاج قرابة الثلاثة أشهر، كانت وقتها (شرين) خطيبته بجانبه ولم تفارقه، حتى سمعت مجموعة الأطباء المتابعين لحالته،على استحالة قدرته على المشي، أو الوقوف مرة أخرى، ومن وقتها لم يرَها، وكلما اتصل عليها، لا تجيب، حتى أنه وجد هاتفها في الآونة الأخيرة مغلقًا.
انتبه على حاله عندما فتحت(صفية) والدته باب الغرفة، ودخلت حاملة بين يديها صينية وعليها بعض الطعام، فقالت بعدم رضى؛ عندما وجدته غارقًا في ظلمته:

- إيه يا حبيبي، قاعد في الضلمة كدا ليه؟

رد عليها (محمد) متهكمًا:

- وهتفرق في إيه الضلمة من النور يا أمي! كله محصل بعضه.

وضعت "صفية" ما بيدها وقالت وهي تتوجه صوب النافذة؛ لتفتحها وأزاحت الستائر؛ ليدخل الهواء النقي والضوء:

- أكيد هيفرق كتير يا حبة عين أمك، هو فيه أجمل من نور ربنا!

لم يعقب، فتابعت هي:

- يلا عشان تاكلك لقمة وتاخد دواك.

رد عليها "محمد" بحدة بعض الشيء:

- أنا مش عاوز آكل ولا حتى آخد أدوية، أرجوكم سبوني في حالي بقى.

اقتربت "صفية" منه بقلب يعتصر من الحزن عليه،
وهي تراه بهذا اليأس والانهيار، فتكلمت بنبرة تقطر حنان، رغم الدموع التي تجمعت بمقلتيها:

- طيب أهدى يا حبيبي العصبية غلط عليك.

هنا قبض محمد على يد والدته التي تربِّت على كتفه، وقال برجاء مزق نياط قلبها:

- أرجوكِ يا أمي فهميني ليه شرين ما بتسألش عليا من وقت الحادثة؟ فيه حد زعلها أو قالها حاجة تضايقها؟

تطلعت "صفية" على حالته التي كل يوم تسوء عن اليوم الذي يسبقه، وقالت بنبرة مهتزة وهي تسحب يدها برفق:

قصص قصيرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن