الفصل الأول || أنا الريح، أنت الماء

90 13 2
                                    


|| أنا في مهب الرياح، أنت في أعماق المياه ||

𖦹


كان يقف أمام المرآة المضببة يُشاهِد ظلّه ببال راحِل. إلى أين رحل تحديدا؟ هو لا يدري، ولا يُريد أن يدري؛ ولحسن حظّه، لفَحه نسيم صقيعيّ بغتة أعاده لحواسّه فسارع لارتداء ثوب الحمام الخشن كي يتفادى نزلة برد ستزيد على حياته الجميلة جمالا فوق الطبيعة.

الباب كان موصدا والنافذة لم يعرف كيف يفتحها منذ وصولِه إلى هنا قبل أسبوع، حتى لو عرِف فلن يُخاطِر بمقابلة أي حشرة ستزحف إليه من الأغصان خارِجها. لذا من أين يأتي هذا الهواء الذي يصقع عظامه؟

دون تفكير مطوّل في الأمر، لام جسدَه الحسّاس كالعادة وحمل المنشفة يُجفف خصلاته العسليّة الداكِنة. كانت طويلة تصِل إلى ذِقنه وكثيرة التموجات، عليه تسريحها بحذر كي لا يبدو وكأنه نهض من فراشه وتكعكل إلى الفصل مباشرة غير آبِه بشكله ولا بسمعة جامِعة أورفيك في اليوم الأول من الفصل. لكن ليفعل ذلك عليه مسح البُخار من على المرآة وكم يكره النظر إلى ملامِح وجهه التي ورِثها من أسوأ شخصين على الأرض، بالنسبة له على الأقل فالعالم يراهُما في صورة من المثاليّة يُقتدى بها...

على مضض، مسح الزجاج بكمّ ثوب الحمّام وركّز على لحيتِه الباهتة. لو نتفها بملقط شعرة بشعرة، كم سيكون ذلك مريحا ومشتتا للأصوات العديدة التي تتحارب داخل عقلِه. إلا أنه ليس لديه الوقت الكافي الآن.

حمَل شفرة الحلاقة بيُسراه وأخذ بيُمناه بعضا من الرغوة طلى بها ذقنه جيّدا، ثم بحذرٍ شديد وضع الشفرة على بشرته وحلَق بها إلى الأسفل. ليست مرّته الأولى، لكنه في هدوء هذا الصباح، يخشى أن تغلِبه الأفكار الدخيلة فيقترِب كثيرا من شريانِه السباتي ويُنهي حياته بتلك السهولة.

ربما لن يكون ذلك قرارًا سيئا للغاية، فهو يستحِق بعض الراحة... إلا أن الشخص الذي سيجِد جثّته لا يستحِق تلك الصدمة. وفي حمّام ناصِع البياض كذاك؟ حتمًا سيكون عبئا على فريق التنظيف المسكين.

رمى الشفرة بسرعة عندما انتهى وصفع خدّيه بسائل ما بعد الحلاقة، لذعته الساخنة أعادت رشدَه قليلا وتذكّر أنه نسِي تسريح شعره كما نوى في الأصل. لذا وضع شمع التصفيف بين أنامِله ودعَكه كي يذوب ثم مرّرها بين خُصلاِته يُصففها بعشوائية لأنها لن تتعاون معه لو عامَلها بحرص على شكلِها. في الختام، استعمل مجفف الشعر -كي يُدفئ عنقه أكثر منه ليُجفف شعره- وغادر الحمّام البارِد رغم أن البخار ما يزال يتصاعد من جدرانِه.

كان ممتنّا لأنه ليس لديه شركاء في الغرفة بعد وبإمكانِه التبختر بثوب الحمام إلى الخزانة، لأنه لو أخذ ملابِسه معه داخِل الحمام سيُوقِعها لا محالة؛ هكذا سُمعته في تنسيق أطرافِه.

جاسبرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن