سماءٌ تحت الأنقاض

64 6 37
                                    

طرقاتٌ متواترةٌ تسللت إلى مجالِ سمعي، ووخزاتُ ألمٍ انتشرت في كامل جسدي، قبل أن ينجلي ستارُ الليلِ من حولي شيئًا فشيئًا، متقهقرًا أمام ارتفاعِ أجفاني...

حطامُ أبنيةٍ عن يميني، ومثلُها عن شمالي ومن فوقي، هذا ما أبصرت مع ذهاب الغاشية عن عينَيّ، حبيبات الرمال احتلت رئتي - أم علي القول كانت بالفعل مستقرة فيها؟! - فَسَعَلت، وفورما فعلت توقف صوت الطرق ورن صدى ارتطام شيء بالأرض، قبل أن يأتيَني نداء الذي اندفع نحوي، منفرج الأسارير مخطوف الوجه:

- سما!

انقضَّ علي عناقًا، بل بالأحرى اعتصر جسدي، ثم همس وفي صوته رجفة:

- إلهي! خفتُ كثيرًا.

نطق جملته وابتعد فجأة متسائلًا وعيناه تتفحصانني:

- بماذا تشعرين؟ هل يؤلمكِ جسدك؟

أومأتُ وأنا أقيم ظهري بمساعدته، وأجبته محاولة استعادة وعيي:

- قليلًا... الألم الأكبر... أظنه في قدمي!...

بترتُ عبارتي تزامنًا مع انفراج جفنَيّ، وبَلَغَت دقات قلبي أذنَيّ، حينما وقعت عيناي على أطراف ساقَيّ فلم أبصرها، حيث سحقها حطامُ إسمنت، وتدفقت منها الدماء مغرقة القماشَ الذي شُد على مسافة أسفل ركبتَيّ، حاجبًا الدم عن المرور أبعد من ذلك...

تجمعت الدموع في مقلتَيّ الجاحظتين، والتفتُّ إلى أخي مضطربة الأنفاس، فحاول رسم ابتسامة تَجْتَرُّ الاطمئنان وهو يقول:

- لا بأس، ستكونين بخير، أوقفت النزيف تمامًا كما علمني والدي... سيختفي الألم قريبًا بإذن الله، وعندما نخرج من هنا سأمنحكِ أطرافي وأشتري لي أخرى، لن تشعري بأي اختلاف، أنا أعدك.

لمعت عيناه بدموع صرخت بأن يا ليتني أُصبت مكانك، فلم أدرِ أكان يحاول طمأنتي أم تهدئةَ روعِ نفسِه بحديثه السابق، لكن أنفاسي انتظمت هونًا ما، وكذلك ضربات قلبي، فجففتُ أدمعي، وجبت المكان بعينَيّ ألقي عليه مضطربةً السؤال الذي كان يشغلني مذ تفرق جفناي:

- أين نحن؟ ماذا حدث؟

لم أبصر بمساعدة ضوءِ المصباحِ اليدوي المثبتِ في الأرض، غير حطام الصخور، والإسمنتِ المثقوبِ بأسياخٍ حديدية مطل علينا من كل حدب وصوب، على أقصى يميني كانت كومة من فتات الصخر يستلقي بجانبها سيخٌ حديدي بطول الذراع، وعلى يساري كان جسد أخي الصغير ممددًا!
سرت الرجفة في عروقي وعاد لعينَيّ اتساعُهما، غير أن ذلك لم يدم، فقد أتاني القول الشافي:

- هو بخير، نام قبل ساعة تقريبًا.

حررتُ هواء صدري، فأجاب سؤالي الثاني:

- جاء الدور علينا... الملاعين قذفوا حينا بقنبلة.

اشتعلت عيناه حقدًا مع نطقه جملته، ثم أردف وهو يمسح على رأسي باسمًا:

||سماءٌ تحت الأنقاض|| حيث تعيش القصص. اكتشف الآن