༺༽روتردام༼༻كانت السماء ملبدة بالغيوم مما جعل الغلاف الجوي يُضفي على مدينة روتردام شعورًا بالكآبة والهدوء إذ تُعدُّ ثاني أكبر مدينة في هولندا، تنبض بالحياة وتزخر ببنية تحتية مبتكرة، لا توحي أبدا بالدمار الواسع الذي تعرضت له أثناء الحرب العالمية الثانية مما استدعى إلى إعادة بنائها بتصميم معماري حديث وراقٍ، تحتضن العديد من المعالم البارزة كالمتاحف والمعارض الفنية. اضافة إلى أقدم الأحياء التي تُثري جانبها الثقافي التاريخي..
ومنطقة ديلفشافن أسمى مثال في ذلك كونها نجت من القصف، كما أنها تعدُّ مسقط رأس العديد من الشخصيات التاريخية الهولندية.
جمالها الطبيعي أخَّاذ، بدهاليزها الضيقة، جسورها الحجرية، مبانيها العتيقة، ومقاهيها المنتشرة.صدر صوت رعد خفيف مُنذِرًا بأن الأحوال ستؤول إلى الأسوء خلال هذه الظهيرة، حين وقفت امرأة شابة بعد أن كانت جالسة تحتسي قهوة ماكياتو(١) في محلٍ مُقابل منظر طاحونة ديلفشافن(٢) البديع، مستعدة للمغادرة. بينما هي تجمع أغراضها المتمثلة في بعض الأوراق وتضعها في حقيبها قاطعها صوت رنين جوالها، فأجابت المكالمة مُثبتة الهاتف على أذنها، مُستعينة بكتفها ويداها ترتبان الأوراق:
"نعم سيدي"
"أجل.. ستجهز المقالة بعد يومين"
"أنا فقط مازلت بحاجة إلى بعض المصادر.."
"لا تشغل بالك أبداً بالتفاصيل سأهتم بالأمر"
"شكراً سيدي، مع السلامة"ثم التقطت الهاتف بيدها الحرة، ووضعته في الحقيبة عشوائيا، عدّلت شعرها المتموج البني الذي تتدرج ألوانه بعد أن التصق برقبتها فانسدل على معطفها، ثم مشت خطوتين مبتعدة عن الطاولة بعد أن تركت الحساب عليها، لكنها توقفت واستدارت مجددا لدى نسيانها شيئاً مُهمًا. لقد كانت بطاقتها، عليها صورتها وبعض المعلومات عنها حيث تُظهر اسمها بجلاء: "ديستني ڤان ليوين"، تعمل كصحفية استقصائية.
تركت سيارتها مركونة بجانب المحل لثقتها بأنها ستكون في أمان تحت أنظار من يعملون هناك، إنهم أصدقاؤها والبعض منهم عاشرتهم منذ الطفولة. اختارت التنزه مشيًا لأن الجو راقها كثيرا، وملأها الشوق لروتردام، فقد عادت ديستني ڤان ليوين بعد شهر قضته خارج المدينة لأجل دراسات ضرورية.
لقد كان الجو مثاليًا لزيارة مكتبة هولشتاين، المكان الذي لطالما كان ملاذًا لها ولكل الباحثين، إذ تحتضنه المدينة كجوهرة نادرة تضيء وسط الأركان الباردة، حيث تُخبئ بين رفوفها الأسرار العهيدة. تُعَدُّ كُعبةَ المعرفة ومَجْمع للعقول النيرة ومزارٌ للباحثين الذين يتوقون إلى كشف الغوامض المتوارية في بطون الكتب. تنبض بالحياة تحت إشراف مالكها السيد روتجرت هولشتاين، الذي يقلبها بيدِ الخبيرِ.
عند دخولها المكان المنشود، استحوذت عليها رائحة الكتب القديمة تختلط برائحة الخشب، مما أنعش تفكيرها بذكريات طفولتها. كانت المكتبة تشع بالدفء والسكينة، وأضواءها الخافتة تخلق جوًا من الراحة والطمأنينة. رفوف الكتب الممتدة على طول الجدران، والطاولات الخشبية المصقولة، كل ما سبق يذكرها بالأيام التي قضتها هنا مع عمها.
أنت تقرأ
حراس المعرفة | Guards of knowledge
Mystère / Thrillerصحفيَّة استقصائيَّة تجدُ نفسَها وسطَ مؤامرةٍ تُنسَجُ خيوطُها في قلب روتردام العريقَة مع عالِم آثارٍ تُطوِّقهما الصدَفُ معًا بطريقةٍ مُريبةٍ. خلال رحلتها، تشهدُ ما تقشعرّّ له الأبدانُ وما يندَى لَه الجبينُ. لحظةُ خطرٍ واحدةً ستكونُ كفيلةً بانتشالِها...