٤

28 1 3
                                    


أتيت الدنيا محملا بالأثقال على عاتقي لكن التخلص من ذاك الثقل الصغير جعل الدنيا أثقل مما كانت عليه، كنت أظن أن التخلي عن البشر سهل من الطريقة التي تخلى عني بها الجميع.. لكن لماذا أعجز الآن عن مواصلة طريقي دون الالتفات في كل خطوة نحو ذاك الذي تخليت عنه.

......

حملت معي حبة الليمون التي وجدتها أمام الباب عندما كنت في طريقي للعمل، أعلم كيف حتى وصلت إلى هناك فأحدهم سرق البعض منها طازجا من الشجرة ولهذا السبب استيقظ باكرا ولهذا السبب أيضا امتلك كدمات وجراح جديدة، ربما لم أسأله عنها أو لم أشغل بالي بها لكني حتما لم أغفل عن تواجدها.

لست أعلم ما السبب الذي يجعله يحب ثمرة حامضة المذاق مهما أضفت من سكر لعصيرها المميَّه بالماء ستبقى ملامحك تنكمش إثر مذاقها، ربما هو فهم الحياة مبكرا.

على كلِّ، اعتبرت ما مررت به في الأسبوع الماضي كفجوة زمنية لا غير، حيث عايشت الكوابيس والأحلام في كلتا الحالتين: مغمى علي أو مستيقظ.

"لا أعلم ما عذرك هذه المرة حول غيابك الطويل هذا، ولا رغبة لي في سماعه فحتما سيكون كذبة تلفقها كي تجعلني أتراجع عن قراري بطردك لكن حقا هذه المرة الأخيرة وأنت تفعل هذا وإلا فلا تعد إلى هنا أبدا." قال مديري في العمل، ثم قدّم لي ظرفَ مال، أجرتي للشهر السابق، حينها فقط تنبهت أننا في شهر جديد، أمضيت أول أسبوع من الشهر الجديد أتخبط مع أوهام ميتة، مذهل... مرحبا بأبريل.

"لن أقدم لك حجة غيابي، فأنا لا رغبة لي في التفكير في واحدة أيضا، وكي نتفادى احتمالية وجود المرة القادمة أنا أخبرك أني أستقيل في الحال" أجبته متعبا ثم خرجت من مكتبه تاركا إياه في حالة من الذهول.

صدقا تعبت من هذا المكان فأغلب وقتي في الأشهر السابقة كان هنا وسط ضجيج الآلات والشجارات التافهة للعمال، من الثامنة صباحا إلى السادسة مساءً، ماذا قد أتوقع من مصنع يديره شخص يركض خلف المال ركضا هوايته استعبادنا. لا أعلم لماذا أجبرت نفسي على الصمود حتى، وكأني أردت تعذيبها ليس إلا.

ما إن خرجت أسرعت للبنك لأسحب ما جمعت فيه من أموال طيلة أزيد من أربعة وعشرين شهرا ثم توجهت إلى شركة القروض كي أتخلص من حملٍ ثقيل بالكاد كنت أتحمل وجوده على كاهلي إلا أن المفاجآت مستمرة في التفجر كحبات الفشار.

"تم دفع الدين منذ سنتين سيدي، لذا لا حاجة لك لإضافة قرش .. ملفكم مغلق وإلا كنا سنسبب لكم الصداع بإشعاراتنا" قالت سيدة التعاملات المالية الخاصة بشركة القروض، بطريقة من المفترض أنها تجعلني أتنفس الصعداء وأشكر الرب على مساعدتي في الخفاء، لكن لماذا شعرت بالغضب ما إن سمعت الخبر؟ ربما لأني ضيعت سنتين أجمع المال لأسدد القرض الذي كان سببا لوضع نقطة النهاية لحياة أمي، لولاه لما دخلت غرفة العمليات وربما كانت لتصمد أكثر قليلا هنا في هذا العالم.

My old reflection.Où les histoires vivent. Découvrez maintenant