وهم

11 1 0
                                    


وقفّ شاب أعلى بناية عالية تحت سماء صافية لليلة قمراء بدرها متوهج و متالق فكسا الأرض بردا من لجين ثم بانت تلك النجوم التي تحف به ببهاء

يقف بينما يقاوم أغلال الحسرة و الحزن و قد خرجت تنهيدة مؤلمة ثقيلة مِن ثغره  ثم تحدث و كان قاصداً نفسه التي لطالما مقتها و كرهها كرهاََ شديدا
" إن سقطتُّ و مُتّ ثم صعدتّ روحي لبارئها هل سيتغر العالم؟ "

مرت عليه وصيّة صديقه الوحيد " لملم شتات نفسك لأنه ليس لديك الآن أعز عليك منك "

و على إثرها شقت ابتسامة طريقها إلى وجهه الذي إمتلأ بالدموع فأغمض عينيه مهدئاً روع ذاكرته الهائج محاولا تجاهل فيضانات أحاسيسه المظلمة  و أفكاره الكثيفة و لكنه لما آخذ ذاك النفس ثم ما لبث أن زفره حتى خالجته ذكريات الفقد الأليم لتطعن بقوة كل محاولاته في الهرب منها و تمسكه هى من عنقه كاتمة أنفاسه

يبصر من شاهق مكانه و هو يقف على حافة البناية رؤوس الأنام أسفله بدوا كأسراب نمل بحركتهم الرتيبة و سعيهم في حياتهم

"أما كان عليك أن تأخذني معك و تريحني فلقد تشبعت خلايا جسدي و عقلي بالإجهاد و التعب لم تختفي إلا حين تعلقت بك بشدة ، لم ترحل إلا حين أصبحت محور عالمي المظلم
في الوقت الذي كنت بأمس الحاجة إليك يا صديقي " تحدث و ذاك الحزن المتجبر صار كيانه ، حبيسه و سجنه الذي سيطر على كل مشاعره و جمدها فطغى على آخر ما بقى في روحه من الإنشراح

زارت نسمة رياح وحدته و ما حضرته إلا لتهنئ و تهدئ ثم هجرت فخذلت وأشقت

"انتظر و انا الذي اعتدت الانتظار كان هو فوق قلبي كجمر ملتهب يكوي كل ما فيني حتى انصهرت لكن و الان ها قد أن الأوان لن ابقى بهذا الجحيم و الألم " تحدث و ابتسامة أسى مشفقة تربعت على شفتيه

نيران الوصب الشديد ذاك بأنحاء بدنه زحفت إلى عقله و فكره و رمت عليهما تعويذة جعلتهما مشتتين و ضائعين بين حوائط زنزانة كبيرة إنه متوتر مشتت لا شيء يطمر حزنه

تائها بين أفاعي أفكاره المقيتة تلدغه كل ثانية حتى انتشر سمها و سيطر على كامل كيانه فاقتحمته خاطرة شريرة لينظر إلى بُعد الأرض عن مكانه المرتفع لا يهم فهو يريد لقاء صديقه على كل حال بل و يتوق إلى ذلك

تناهت ضحكة خلابة إلى مسمعه فالتفت  نحو مصدرها و رأى شاب في ثيابِِ بيضاء ذا إبتسامة جميلة محبّبة شعره أسود منسدل و تناثرت خصلات منه كأنها خيوط حرير معتمة و انسابت بلطف على جبينه المليح

"رأيتك تقفّ هناك منذ زمنّ طويل فكرت في أنّك مللت الوحدة هل تمانع انضمامي إليك ؟ و مُسامرة ليلك ؟"
تحدث ذو الثياب البيضاء بصوت هادئ مريح ولج إلى مسمعه كأعزوفة رفيقة

أطال الشاب النظر فيه بدا له غامض و غريب ، أيضاً مع ثيابه البيضاء الرقيقة ترآى له شفافا كمياه الغدير في هدأة الليل

وهم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن