فِي قلَب عاصِفة هَوجاء تعصِف بالغابة الكثِيفة، تجرِي امرَأة وقَد لاحَ مِن ملبسهَا أنها خادِمة، بقَلق ودمُوع عينيهَا تتَلألأ تَحت الأمطَار مَع قسوَة الرياَح التِي لم تردَعها، بل زادتهَا إصرَارًا عَلى إنقاذ الرضِيعة التِي تحمِلها بين ذرَاعيها، تَاركةً القصر خلفها، والخوَنة يطاردُونهَا عَازمين على هَلاكهمَا.عندمَا بلغت كوخًا مُتواضعًا طرَقت بَابه بعُنف، ثُمّ وضَعت الطِفلة برِفق وبجانبهَا مِشبك شَعر يحمِل رَمز مميزًا لتِنين، رَمز قوّة وحِماية، كانت تحركهَا بيَد مرتعِشة بينمَا العوَاصف تشتَد، وصَوت الخيَال تقتَرب وكل لحظَة قد تكُون الأخِيرة.
كانَ عذرَها الوحِيد أن تبقى هنَاك بِضعة لحظَات، قَبل أن تلقِي نَظرة حولهَا يلِيه انسحَابها واكتِناف العتمة لهَا، تاركةً خَلفها صَوت البَاب وهو يُفتح.
حَيث سُمعت الأصوَات المزعجة والضَوضاء داخِل الكوخ، مِما جَعل صاحبَه يخرج بسُرعة مُتبعًا صَوتَ الطَرق ذَاك، يَجِدُ جسمًا تغطِيه أقمشَة ثقيلَة مَا ان فتحهَا برفقٍ حتّى وَجدها طِفلة حدِيثة الولادَة نائمَة عَلى عتَبة كوخه، وعلى ضوء الشمُوع الباهِتة لفتَه المشبَك والرَمز العريق عليهِ فتوّصل إلى استنتَاجه بسُرعة، عرَف من هي المَولودة ومِن أين جَاءت، وما الدوّر الذِي يتعيّن عليهَا القيَام به.
باستِلهام مِن شجَاعة والإصرَار الذي أبدَاه أي مَن أنقذَ هذه الرُوح الحدِيثة، ودُون تردد حَمل الرجُل الطِفلة برِفق إلى دَاخل كوخه، حَيث أدرَك أن مَصيره قد تغيّر، مُقررًا أن يعتني بهَا وينشئهَا، يَعلم أن هَذه المُهمة ليسَت سَهلة، لكنّه كانَ مُستعدًا لتقدِيم كل ما يَملك، من الحُب والتدرِيب، ليُعد الطفلَة لمستقبلهَا العظيم، والإتيَان بحَقهَا.
ْ
ْ
ْ
ْ
ثوَى الغرُوب مِيقَاته، فَبدَأت الشَمس تتَراجَع بهُدوءٍ نَحو الأفُقُ مُلوّنة السمَاء بظِلالٍ مِن الذهَب وَالنَار، حَيثُ انتَشرَت ألوَان الشفَق الوَرديّة والبُرتقَاليَة عَلى مدَى وَاسِعٍ تُشَابهُ لوحَاتٍ زَيتيّة مَرسُومَة بتَفانٍ، السُحُب التِي كانَت بيضَاء فِي وَقت الظهِيرة، أصبَحَت الآن مُتألقَة بطَابع دَافِىء تتَحوّل ببُطء لخُيُوط ذهَبية وفِضّية تشِعُ مِن خَلف الأفُق، الأشجَار والأبنِية المُتواضِعة تَبعثُ بظِلالهَا التِي تتمَددُ تَدريجيًا.
تَلاشَى الضَوء تَدرِيجياً ليَمنَح السمَاءَ لوناً أرجُوَانياً داكِنًا، بَينمَا تُحافِظ الشَّمس عَلى لَمعَة خَافِتة كأنّهَا توَّدِع اليَوم بآخِر لمحَة مِنَ الألقِ.
بَينما كانَ ضَوء الشَمس الغارب ينسَل بين الأكشاك والرُفوف مختلطًا مَع أضوَاء الفوَانيس الصَغيرة التِي بَاشر التُجّار بإشعالِها هنا وهنَاك، الهوَاء كان يحمِل رَائحة التوَابل والأعشَاب التِي امتَزجت بعبْق الفوَاكه الناضِجة.
![](https://img.wattpad.com/cover/374058645-288-k797005.jpg)