شُرفة الأقدار المتشابكة

81 11 0
                                    


في صباح هادئ على غير العادة،كانت جيني تجلس وحيدة في شقتها، تمسك بفنجان قهوتها بين يديها، وتنظر بعينيها إلى المدينة التي استيقظت على نبضها المعتاد. كانت الأضواء التي أبهرها بريقها في الليلة السابقة تبدو الآن مجرد نقاط بعيدة، باهتة أمام برودة الحقيقة التي كانت تخفيها خلف ملامحها الهادئة. كان الصمت يغلف كل شيء من حولها، إلا تلك الأفكار التي تتقافز في ذهنها كالأمواج المتلاطمة على شاطئ مهجور.

كانت جيني تخطو خطواتها الأولى في عالم الأزياء، كانت تعلم أن هذا الطريق لم يكن معبدًا بالورود. كانت تعرف، في أعماق قلبها، أن النجاح في هذا العالم ليس هبة تُمنح، بل صرحٌ يُبنى لبنةً لبنةً، بالصبر والتخطيط والحكمة. في تلك الليالي الطوال، حيث كانت تجلس وحدها في غرفتها، تتأمل في مرآتها الصغيرة، لم تكن ترى في انعكاسها مجرد شابة طموحة. كانت ترى في نفسها روحًا تتوق إلى الانطلاق، تتوق إلى الانتصار على كل القيود التي حاولت أن تكبلها.

حينها، كانت قد وضعت عينها على ليسا، مالكة "Veil Couture"، التي كانت أشبه بنجمة بعيدة تضيء دربًا طويلًا ومضنيًا نحو القمة. لم يكن اهتمام جيني بليسا نابعًا من إعجاب ساذج أو انبهار مبالغ فيه، بل كان نوعًا من التقدير البارد لعقلية امرأة استطاعت أن تصنع من نفسها أسطورة حية في عالم الموضة. لم يكن هناك حب في قلب جيني تجاه ليسا بل كان هناك تصميم هادئ، لا يعرف الرحمة، على جعلها خطوةً في طريقها نحو تحقيق أحلامها.

دعت ليسا جيني الليلة الماضية لحضور العرض الخاص، كانت جيني تعلم أن هذا اللقاء ليس صدفةً، بل نتيجة لخطوات مدروسة بعناية. كانت تعلم أن تصميماتها ستترك أثرًا عميقًا في ذهن ليسا، وأن ظهورها في تلك الأمسية كان جزءًا من خطة أكبر. كانت تعلم أن اللحظة التي ستلتقي فيها بليسا وجهًا لوجه ستكون حاسمة، وأن عليها أن تسيطر على كل كلمة وكل نظرة.

عندما وصلت جيني إلى المكان، كانت تتوقع لقاء ليسا. شعرت بقلبها ينبض بسرعة، ولكن لم يكن ذلك بسبب الشغف أو التوتر، بل بسبب الشعور العميق بأنها على وشك الوصول إلى مرحلة جديدة في خطتها. كانت تدرك أن ليسا قد وضعت عينها عليها، وأن هذه اللحظة هي الفرصة التي تنتظرها.

"جيني، أنتِ هنا"، كانت كلمات ليسا ناعمة، تحمل دفئًا لم يكن يعني لجيني سوى أنه خطوة أخرى في الطريق الصحيح.

"نعم، كنت أتوق للحظة التي ألتقيكِ فيها مرة أخرى"، أجابت جيني بنبرة هادئة، مخفية وراءها طموحًا لا يعرف الرحمة. كانت تعرف أن كلماتها ستترك الأثر الذي تريده في قلب ليسا.

عندما طلبت ليسا من جيني مرافقتها إلى الشرفة الخاصة، كانت جيني تعرف أن اللحظة قد حانت. الشرفة كانت مكانًا مثاليًا مكانًا يمكن فيه للأفكار أن تتلاقى وتتصادم بعيدًا عن أعين الفضوليين. كانت تعرف أن هذه اللحظة هي التي ستحدد ملامح المستقبل.

بينما جلستا هناك، شعرت جيني بيد ليسا تلمس يدها. كانت اللمسة باردة، مثل نسيم الفجر الذي يلامس جبين الأرض النائمة. لم يكن في تلك اللمسة شيء يثير قلب جيني أو يشعل فيه شرارة عاطفة. كانت تشعر بالهدوء، بالسيطرة، وبأن كل شيء يسير وفقًا لما خططت له.

"جيني"، بدأت ليسا تتحدث بصوت هادئ، "منذ اللحظة التي رأيتكِ فيها لأول مرة، شعرت بشيء يتجاوز الكلمات..."

استمعت جيني لكلمات ليسا، ولكن عقلها كان يعمل بسرعة، يفكر في الخطوة التالية. كانت تعرف أن هذه اللحظة هي لحظة الحقيقة، وأن عليها أن تستغلها بكل حكمة. كانت تعرف أن ليسا تراها كشخص يمكن أن يشاركها في رحلتها، لكن جيني كانت ترى في ليسا فرصة للوصول إلى ما تطمح إليه.

"لقد كنتِ دائمًا مصدر إلهام عميق لي"، أجابت جيني بابتسامة خافتة، دون أن تدع مشاعرها الحقيقية تظهر على وجهها. كانت تعرف أن هذه الكلمات ستسحر ليسا، وستقودها إلى حيث تريد.

عندما اقتربت ليسا لتقبيلها، شعرت جيني بأنها تسيطر على الموقف بالكامل. لم تكن القبلة سوى وسيلة لتحقيق ما تريده، لم تكن تعبيرًا عن حب أو شغف، بل كانت خطوة أخرى نحو هدفها. كانت تعرف أن هذه القبلة ستربط ليسا بها أكثر، وستفتح لها الأبواب التي تحتاجها للنجاح.

وفي تلك اللحظة، بينما كانت شفتي ليسا تلامسان شفتيها، كانت جيني تفكر في المستقبل. كانت تعرف أن المشاعر يمكن تأجيلها، أو حتى تجاهلها، لأن ما يهم حقًا هو الوصول إلى القمة، مهما كان الثمن.

كانت تعرف أن رحلتها قد بدأت للتو، وأن الطريق أمامها طويل، ولكنه مليء بالوعود.
لم تكن بحاجة للعاطفة؛ كانت بحاجة للقوة، للحكمة، ولقدرة لا تنضب على التخطيط والتنفيذ.

في أعماق نفسها، كانت جيني تعلم أن هذه اللحظة هي بداية النهاية لكل شيء قديم في حياتها، وبداية لشيء جديد تمامًا. كان طموحها هو الذي يقودها، وكان قلبها هو الذي يرسم الطريق نحو المجد.

إغواء الظلال حيث تعيش القصص. اكتشف الآن