نَسائِمُ الهَوى

38 3 3
                                    

راقبتُ قُرصَ الشمسِ يسطعُ ببطئٍ مُعلنًا عن ولادةِ يومٍ جديد، ياله مِن قرصٍ صغيرٍ لطيفٍ برتقاليُّ اللونِ قبل أن يزيدَ سطوعه، لكنه دافئٌ حتى وإنْ كنتُ وقتَ الظهر فهذا طقسُ ديسمبر البارد، وها أنا أجلسُ في شرفة منزلي أراقب شروق الشمس لأنني لَم أستطع أن أنام، ألُفُ حَولَ جسدي غطائي المفضل، أحضن بين كفيّ كوب الشوكولا الساخنة ليزيد من حرارة جسدي.

نسيت أن أُعرِفَ نفسي، أُدعى نسمة، أنا أصغر الأبناء في هذا المنزل، أصبحتُ طالبةً جامعيةً قبل شهرٍ فقط، لَم أنم الآن، أو لنكون أكثرَ دِقة، لقد استيقظتُ قبل قليلٍ كموعيدٍ ثابتٍ وأبدأ يومي مع كوب شوكولا ساخنة وصباحُ خيرٍ من الشمس وهي تسطع، أخذتُ نَفسًا عميقًا كي أُهدِئ قلقي؛ اليوم هو أول يومٍ لي في الجامعة، لستُ قلقة مِن الطريق أو مما يُدرَّس، بل إنني خائفةٌ مِن التعامل مع الناس؛ لا أستطيع التعامل بشكل جيدٍ مع أحد؛ ينخفض صوتي فجأة وأصمتُ كأنني مصابةٌ بالهلع إلا أنني بخير، ثم ما إن أرتاح لمن معي لا أتوقف عن الثرثرة!

قُمتُ مِن مكاني ومددتُ ذراعيّ، فتحتُ باب الشرفة المُغلق بهدوء؛ كي لا أُزعج والديّ وأخوتي في النوم، أخذتُ أمشي على أطراف أصابعي لأصل لغرفتي وبدأتُ بتغيير ملابسي وإعداد عينات الفطور لأجلي ولأجل والدي الذي استيقظ للذهاب لعمله، وعندما جهَزَ أبي قبلي، قال قبل ذهابه أن أُيقظ أحد إخوتي ليُقلني للجامعة وأنا وافقتُ واتجهتُ لغرفة إخوتي، دققتُ الباب مرةً قبل أن يُفتح، إنه طارق، يبدو أنه لَم يَنَم بَعد، قُلت:
- ليوصلني أحدكم إلى الجامعة كما طلب أبي.

تحولت أنظاره النعسة إلى الانزعاج، تذمر:
- لمَ وقع الاختيار عليَّ؟

ابتسمت له بضيق مرددة:
- قُلتُ أحدكم، أنتَ أو عُمر! هيا بسرعة لا أريد أن أتأخر!

تنفس بضيق بينما يوافق، أما أنا فعُدتُ لضبط ما تبقى مِن ملابسي بينما يرن في أذني صوت صفارة إنذار مرور القطار عند (المزلقان)* القريب من المنزل، من الجيد أنه لَم يرن وقت الشروق وإلا أفسد لحظتي المفضلة، ابتسمتُ ساخرةً مع تخيلي لمظهري إن صدع الصوت جاعلًا إياي أُلقي بما كنت أشربه أرضًا!

أفاقني من تفكيري صوت مواءٍ لالتفت للقط الذي امتزج الأبيض والنحاسي معًا كألوان فرائه، يرفع ذيله ويثني طرفه للخلف رافعًا أُذناه؛ يريد أن ألاعبه، أصدر مواءً آخر وهو يناظرني بفضول بعنيه الزيتونية، انحنيتُ له ومسحتُ على رأسه وهو بدا مستمتعًا بما أفعل، قُلتُ محدثةً إياه:
- لا أستطيع أن ألعب معك الآن؛ سأذهبُ للجامعة.

تركته ما إن سمعت صوت أخي طارق يناديني لنتحرك، فانتصبتُ واقفةً مودعةً قطي (بندق) وذهبتُ مع أخي.

في الطريق، أتتني رسالة من صديقتي المقربة ليلى:
- أين أنتِ؟

كان من المفترض أن تأتي معي ليلى بدلًا مِن طارق؛ فهي تقدمت للدراسة معي في نفس الكلية، لكن حدثت بعض المشاكل لديها منعتها من القدوم اليوم، تنهدتُ بينما أجيبها وأنا أخرُجُ من السيارة التي أوصلني بها طارق:
- وصلتُ الآن.

نسائم الهوى "ونشوت"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن