Part 2 : عيون في الظلام

5 1 0
                                    



استيقظت زارا على ألم خافت في رأسها. شعرت وكأنها كانت في حلم عميق، ضبابي وغير واقعي، بينما الحقيقة كانت أكثر قسوة مما تخيلت. ذكريات الليلة الماضية عادت إليها ببطء، اللحظة التي دخل فيها رافائيل ميندوزا إلى الغرفة. وجهه كان جامدًا، خاليًا من أي تعبير، ثم الإبرة... تلك الإبرة التي أدخلت في جلدها دون تردد.

تذكرت كيف خارت قواها ببطء، وكيف شعرت بالعجز التام عندما سقطت على كتفه وهي تفقد وعيها. كان تحكمه الكامل في جسدها وفي كل ما يحدث حولها مرعبًا.

عندما فتحت عينيها بالكامل الآن، كانت الغرفة مضاءة بالضوء الخافت القادم من نافذة صغيرة، لكنه كان كافيًا لتكشف عن المكان البارد، الفارغ. شعرت بالتوتر يسري في عروقها، وجسدها النحيل الذي كان دائمًا مصدر ثقتها بدا الآن هشًا بشكل مخيف. شعرها الطويل كان متشابكًا وفوضويًا، ينسدل حول وجهها المتعب، ويديها المرتجفتان تشدان الغطاء حولها كما لو كان درعًا.

عيناها كانتا تتجولان في الغرفة بحثًا عن أي أثر لرافائيل. لكنه لم يكن هنا.

حاولت الوقوف ببطء، لكن قبل أن تتمكن من التحرك كثيرًا، انفتح الباب. وقف رافائيل عند المدخل، نظرته تلك الباردة الثابتة لا تزال موجودة، ولكن هذه المرة كان عليه أن ينهي شيئًا قبل مغادرته. كان عليه أن يضمن أن زارا لن تشكل مشكلة.

"لديكِ نظرة خائفة." قال بصوت خافت، وهو يقترب منها ثم قال :" هذا جيد ".

زارا لم تستطع أن تتحرك. خوفها بدا واضحًا في كل حركة صغيرة تصدر منها. حتى لو حاولت أن تبدو قوية، كان من السهل لرجل مثل رافائيل أن يرى كم كانت هشة.

جلس أمامها على حافة السرير للحظة، وعيناه تراقبانها بلا أي تعبير يُذكر. مد يده نحو جيب معطفه وأخرج حقنة أخرى. "لن أترككِ تتعبي نفسك اليوم أيضًا."

زارا نظرت إلى الإبرة، عيناها امتلأتا بالخوف والارتباك. حاولت التراجع، لكنها كانت ضعيفة جدًا. اقترب منها ببطء، وأمسك بمعصمها بلطف قاتل، ودفع الإبرة إلى جلدها مرة أخرى. لم تقل شيئًا. عرفت أنها لا تستطيع الهروب.

"أنتِ بحاجة إلى الراحة. عندما أعود، سنتحدث." قال ذلك بصوت بارد قبل أن يتركها تسقط ببطء في اللاوعي مرة أخرى.

مرّت الساعات ببطء بينما كانت زارا تغوص في اللاوعي، لا تعرف كم مضى من الوقت. عندما بدأت تستيقظ مرة أخرى، كان المكان مظلمًا. عادت إلى الواقع ببطء، حيث الألم الخافت في رأسها لا يزال حاضرًا، ولكن هذه المرة لم يكن هناك إبرة تعيدها إلى الظلام.

رفعت رأسها ببطء، تحاول التكيف مع الإضاءة الخافتة القادمة من الخارج. سمعت صوت خطوات ثقيلة يقترب. الباب فتح، ورافائيل ميندوزا دخل، تعابير وجهه متعبة بعد يوم طويل من العمل. كان يرتدي معطفه الأسود الذي جلب معه آثار الليل البارد، وعيناه القاسيتان كانتا تتفحصانها كما لو كانت دمية من لعبته.

جلس على الكرسي المقابل لهاري هو يتأملها من طول شعرها لملامحها الهادئة لجمال منحنيات جسدها ، وأخذ نفسًا عميقًا، مرخيًا جسده المتعب. هذه المرة، لم يكن هناك حقنة، لكن الجو كان مملوءًا بالتوتر.

زارا شعرت بالخوف يغمرها من جديد، جسدها  المغطى بالبطانية لا يزال يرتعش تحت نظراته الثابتة. كانت تعلم أن لا مفر لها من هذا الموقف. كان رافائيل ينظر إليها بتلك النظرة التي تجعلها تشعر وكأنها مجرد لعبة بين يديه، دون إرادة أو قوة.

بعد لحظة من الصمت، تحدث بصوت هادئ ولكنه محمل بالتهديدات المبطنة. "إذا سمحت لك بالتجول في هذا المنزل، أعطيتكِ غرفة مريحة ، و طعامًا جيداً ، هل ستثيرين غضبي؟"

زارا نظرت إليه بارتباك وخوف، الكلمات تتعثر في حلقها. كانت تعلم أنها لا تملك أي خيار، لكن السؤال بدا وكأنه امتحان قاتل. ترددت، ثم هزت رأسها ببطء، "لا... لن أفعل. أعدك."
" اتبعيني .." قالها ثم تحرك و هي وراءه تتبعه .
ظل رافائيل يراقبها بعينيه الباردتين، وكأنه يحاول قراءة ما بداخلها. ثم ابتسم، ابتسامة باردة لم تصل إلى عينيه. "هذه الغرفة التي ستمكثين بها ، هي بالقرب من غرفتي ليست ، هذا القصر ضخم، ويمكن أن تضيعين بسهولة. كثيراً من ماتوا هنا والخطر حولك لا يختفي . لذا، من الأفضل أن تبقي هنا قريبًا مني."

كان هناك شبح ابتسامة شريرة على شفتيه، لم يظهر إلا من خلال برود تعبيره. كان واضحًا أنه يستمتع برؤية خوفها، يحب أن يكون في موقع السيطرة. الفكرة أن تكون الفتاة الجميلة تعتمد عليه لحمايتها  كانت تثيره بطريقة مريضة.

"أتمنى أن تكوني مرتاحة هنا." قال رافائيل ببرود، وهو يفتح الباب استعدادًا للمغادرة. "وسأتأكد من أنكِ تتبعين القواعد ، سنتحدث بالصباح ، نوماً هنيئاً يا دميتي ."

زارا شعرت بشيء من الأمل، حتى لو كان قليلاً. ربما ستكون هذه الغرفة أفضل من كونها عالقة في مكان مظلم ومعزول. لكن خوفها كان لا يزال حاضرًا، وشعرت بأنها لا تزال تحت سيطرة هذا الرجل الغامض والقاسي.

رافائيل أغلق الباب خلفه وتركها وحدها في الغرفة، تشعر بالقلق والتوتر، ولكن مع قليل من الأمل في قلبها. كان واضحًا أن حياتها لم تعد تحت سيطرتها بالكامل، لكن عليها أن تتعلم كيفية التكيف في هذا العالم الجديد.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Sep 15 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

Zeroحيث تعيش القصص. اكتشف الآن