البارت 4

315 5 6
                                    

                                           
                                                 

العراق..بغداد

حول البيت القديم المغلق يدور إلياس بخطوات بطيئة..
دورة خلف دورة كأنه سيبقى يطوف في مدار سرمدي لن يتوقف أبداَ..
البرد يجعل أنفاسه تخرج كأنها تنفث دخان بركانه الدفين..
ضحكتها تتحرش بذاكرته..
صوتها يداعب أذنيه..
نعومة لمساتها تعيره بخشونة الحياة بعدها..

_آه يا (حواء).. آه!.. كيف مضت كل هذه السنوات دونك؟! أين عساكِ الآن تكونين؟! ماذا فعلت الأيام بكِ؟! تذكرينني كما أذكرك؟! تذكرين الجرح أم الحب؟! تلعنينني أم تشتاقين إليّ؟! بخيلٌ عليكِ الطريق برفقة كما كان معي أم كان أكرم معكِ عني؟! لا زال الأقحوان على صدرك يجدد عهد الوفاء أم أن ما بيننا كان رماداً ذرته الرياح؟!

صفير الريح في أذنه يقطع نزيف أفكاره فيشد معطفه عليه شاعراً بالمزيد من البرد..
البرد هنا..
هنا أمام بيتها لا يشبه نظيره في مكان آخر..
البرد هنا أقسى.. أشرس.. وأدوم!

_أين انت الآن؟! لا تزالين تحبين الليل تزعمين انه صديق العاشقين.. ؟! أم انك وجدت فجراَ يحتضن قلبك ويزيد أمله في النهار؟! أنا على الوعد يا (عاشقة الليل).. على الوعد.

خطواته تتوقف أمام البوابة المعدنية المغلقة..
خلف سياجها المعدني المفرغ تبدو له الحديقة المهملة..
من يقنع الأشجار الهرمة هذه أن براعم الحب في قلبه لاتزال صغيرة يانعة كما هي؟!!

أصابعه تمتد لتمس القضبان المعدنية للبوابة..
صقيع فوق صقيع..
لكنه يتشبث بها كأنه ينفي عن نفسه تهمة الخذلان الخائن!

_أنا هنا يا حواء.. أنا هنا..

لم ينتبه أن صوته خرج مسموعاً إلا عندما سمع الصوت الواهن خلفه :
_تعرف حواء؟!

يلتفت بحدة لتتسع عيناه وهو يميز العجوز الجالس على كرسيه المتحرك.. أحدهم يقف جواره صامتاً ويبدو انه سائقه فقد بدت خلفهما السيارة التي توقفت لتوها..

_يبدو أن شرودك لم يجعلك تنتبه لتوقف السيارة ونزولي منها..
يقولها العجوز ببعض الإشفاق وقد بدا صوته الرفيق كأنه يحفظ أسراراً لا حصر لها..
يتحشرج صوت إلياس وهو يحاول تمالك نفسه قائلاً :
_من أنت؟!

يتقدم العجوز بكرسيه أكثر نحوه قائلاً :
_الا يفترض أن اسالك أنا هذا السؤال؟! أنت تقف أمام بيتي!
_بيتك!!
يتمتم بها إلياس بذهول قبل ان يهز رأسه مردفاَ بهتاف مستنكر :

_هذا بيت (حواء الرباح) وعائلتها.. أنا لا أعرفك.. أنت لست من عائلتها!
يهز العجوز رأسه ليقول مفسراَ :
_صحيح.. لست من عائلتها.. هي باعت البيت لي!

تتسع عينا إلياس مصعوقاً قبل ان يجد نفسه ينحني ليجلس على ركبتيه أمام العجوز دون تحفظ هاتفاً بلهفة :
_متى؟! وكيف؟! هل رأيتها ؟! تكلمت معها؟! تعرف مكانها؟! هاتفها؟!
يرمقه العجوز بنظرة مشفقة وقد قرأ العشق اليائس في عينيه ليقول كأنه يعتذر عن ذنب لا يفهمه :

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Sep 16 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

على خد الفجرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن