الفصل الاول : بداية اللعنه

1 1 0
                                    




كان صباحًا هادئًا في القصر الملكي، حيث تعيش عائلة دي أمبرسليان في مجدها العريق. لوك، الابن الأوسط للملك، عاش طوال حياته محاطًا بالبذخ والترف، لكنه لم يشعر يومًا بالانتماء إلى هذا العالم. رغم مكانته كأحد أفراد العائلة المالكة، إلا أن قلبه كان دائمًا يميل إلى البساطة والابتعاد عن البروتوكولات الملكية التي تكبّله.

كان القصر فخمًا، يطل على سفوح الجبال الزرقاء التي تشتهر بها إمبراطورية أمبرسليان. شرفاته الواسعة تتيح رؤية النجوم في السماء الصافية ليلاً، وتملأ حدائقه الأزهار النادرة التي لا تُزرع إلا في عوالم قليلة. ومع كل ذلك الجمال، كان لوك يشعر بأن حياته فارغة، ملأها التوقعات الكبيرة والآمال الثقيلة التي تضعها عائلته الملكية على عاتقه. أخوه الأكبر، الوريث الرسمي للعرش، كان دائمًا في مركز الاهتمام، بينما هو كان يتجول بين الظلال.

ذات صباح، قرر لوك الهروب من أجواء القصر الثقيلة، متخفيًا بثياب بسيطة كأحد سكان المدينة العاديين. منذ فترة، كان يشعر بالحاجة إلى الانعزال، والتفكير بعيدًا عن أعين العائلة والمستشارين. ولم يكن هناك مكان أفضل من السوق المركزي الصاخب، حيث يمكنه أن يندمج بين الناس دون أن يلاحظه أحد.

كان السوق يعج بالحركة، التجار ينادون على بضائعهم، الأطفال يركضون بين الأزقة، وروائح الطعام الطازج تملأ الهواء. كان الناس منشغلين بأمورهم، ولم يعرف أحد أن الشخص الذي كان يتجول بينهم هو أحد أبناء العائلة المالكة. سار لوك ببطء بين الأكشاك، متأملًا حياة العامة البسيطة، تلك الحياة التي يحلم بها في كثير من الأحيان.

بينما كان يتفحص بعض الكتب القديمة في أحد الأكشاك، شعر فجأة بشيء غريب. موجة من الحرارة اجتاحت جسده، وكأن شيئًا حارقًا يغلي تحت جلده. حاول تجاهل الأمر، لكنه سرعان ما شعر بألم حاد في ظهره، كأنه وسم مشتعل ينقش على جسده.

تجمد في مكانه، يده تمسكت بطرف الكتاب بقوة، وبدأ العرق يتصبب من جبينه. حاول التركيز، لكن الألم كان لا يُحتمل. تنفس بعمق، وألقى نظرة سريعة حوله ليتأكد أن أحدًا لم ينتبه. وبينما كان يهم بالابتعاد عن الناس، سقط على ركبتيه.

رأى أحد المارة اقترابه وسأله بقلق: "هل أنت بخير؟ تبدو شاحبًا."

بصعوبة، أومأ لوك برأسه وحاول الوقوف مجددًا. كان عليه أن يغادر المكان بأسرع ما يمكن. لا يمكن لأحد أن يراه في هذه الحالة، فالألم لم يكن مجرد عرضٍ جسدي؛ كان يربطه بشيء أكبر، شيء مظلم ينبض في أعماق جسده.

عندما وصل أخيرًا إلى مكان منعزل بعيدًا عن السوق، خلع قميصه بعجلة، وهناك، في مرآة صغيرة مكسورة كانت تتدلى من جدار متهالك، رأى الرمز. وسم غريب ظهر على ظهره، كان متوهجًا بلون أحمر غامق، ونقوشه تشبه تلك الرموز القديمة التي كانت تُستخدم في الكتب المحرمة. لم يكن مجرد وشم أو علامة عادية. كان شيئًا آخر، شيئًا مرتبطًا بعائلته وبأسطورة الشجرة المقدسة.

"لا... لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا..."، تمتم لوك لنفسه وهو يحدق في العلامة. كان يعرف القليل عن اللعنة التي تُروى في الأساطير، لكنه لم يكن يتوقع يومًا أن يكون جزءًا منها. لعنات الشجرة المقدسة كانت جزءًا من الماضي البعيد، ولكن أن تظهر على جسده؟ كان الأمر غير معقول.

بينما كان غارقًا في أفكاره ومحاولًا فهم ما يحدث، ظهرت فجأة شخصية غامضة من بين الظلال. رجل طويل يرتدي رداءً رماديًا داكنًا، وجهه كان مخفيًا تحت قبعة عريضة، ولم يكن صوته سوى همس غامض في الهواء.

"أنت لوك دي أمبرسليان، صحيح؟" سأل الرجل بصوت بارد.

لوك، وقد تفاجأ بوجود هذا الغريب، حاول الحفاظ على هدوئه. "من أنت؟ وكيف تعرف اسمي؟"

ابتسم الرجل بخفة وقال: "أنا أعرف أكثر مما تتخيل، يا أمير أمبرسليان. أعرف لعنتك، وأعرف سر الوسم الذي ظهر على جسدك."

ارتعش لوك من كلماته، لكن لم يكن لديه خيار سوى الاستماع. الرجل لم يكن شخصًا عاديًا، وكلماته لم تكن عابرة. كان هناك شيء خطير يحيط به، وكان لوك يدرك أن هذا الرجل ربما يحمل إجابات لما يحدث.

"لا تقلق،" تابع الرجل. "لن أخبر أحدًا عن وسامك، ولكن عليك أن تعلم أن هذا ليس مجرد صدفة. إنه مصيرك، والمصير لا يمكن الهروب منه."

شعر لوك بأن قلبه ينبض بسرعة. هل يعقل أن تكون هذه بداية النهاية؟

ابتلع لوك ريقه بصعوبة، وكل كلمة نطق بها الرجل الغامض كانت كأنها تثقل الهواء من حوله. حبس أنفاسه للحظة، محاولًا تحليل الوضع، لكنه كان غارقًا في دوامة من الشك والخوف. شعور جديد تسلل إلى داخله، لم يكن مجرد خوف من الوسم الذي ظهر على ظهره، بل خوف مما قد يعنيه ذلك.

"ما الذي تريده مني؟" سأل لوك بصوت منخفض، لكنه لم يتمكن من إخفاء القلق الذي تخلل كلماته.

اقترب الرجل خطوة نحو لوك، عينيه اللامعتين تظهران من تحت ظل القبعة، وكأنهما تخترقان روحه مباشرة. رفع يده اليمنى ببطء، وكأن الزمن تباطأ في تلك اللحظة. "إنه ليس ما أريده أنا، بل ما تريده الشجرة. الوسم الذي تحمل على ظهرك ليس مجرد لعنة، بل هو المفتاح... المفتاح لشيء أعظم بكثير مما تتخيله."

تراجع لوك خطوة إلى الخلف، شعر ببرودة تجتاح جسده. "مفتاح؟ ماذا تقصد؟"

ابتسم الرجل ابتسامة غامضة وكأنه يملك أسرار العالم. "ستعرف قريبًا، أمير أمبرسليان. لكن عندما يحين الوقت، لن يكون لديك خيار. الشجرة قد اختارتك، والوسم هو العلامة. العالم كما تعرفه على وشك الانقلاب."

ثم، دون أن ينتظر إجابة، استدار الرجل وبدأ يختفي ببطء بين الظلال، وكأن الأرض نفسها قد ابتلعته. ترك لوك واقفًا هناك، قلبه ينبض بجنون ويده تتلمس الوسم المحترق على ظهره.

قبل أن يختفي تمامًا، همس الرجل بصوت لم يكن من المفترض أن يسمعه أحد: "احذر، يا لوك... عندما يبدأ الظلام في النمو داخلك، ستكتشف أن القوة التي تبحث عنها تأتي بثمن لا يمكنك احتماله."

اختفى الرجل، تاركًا لوك وحيدًا في صمت الليل. الهواء من حوله أصبح أثقل، والعالم كما كان يعرفه بدأ يتلاشى ببطء. وكل ما كان في ذهنه سؤال واحد يتردد:

"ما الذي ينتظرني......؟"

ملعون الشجرة المختار حيث تعيش القصص. اكتشف الآن