ماذا يجري

55 7 0
                                        

رنَّ المنبّه في تمام السابعة صباحًا، ليعلن بداية يوم آخر من العذاب. مددت يدي في كسلٍ لأُسكت أكثر الأصوات إزعاجًا في العالم، ثم زحفت نازلًا من السرير كما لو كنت أهرب من حلم ثقيل، متّجهًا إلى الحمام. لماذا كل هذا الخمول؟ غسلت وجهي، ارتديت ملابسي، وفتحت الباب لأواجه يومًا جديدًا بلا روح.

لماذا أذهب إلى العمل أصلاً؟ أوف...
آه، نسيت أن أقدّم نفسي.
أنا نادر... لا، اسمي الكامل: نادر محمد الشراشيبي. أشتغل في مهنة غريبة نوعًا ما – باصطاد عصافير من الغابات وأبيعها لمحلات الطيور. المشكلة؟ حظي دايمًا عكسي. باصطاد أي حاجة إلا الطيور! مرة اصطدت فيل صغير... آه والله، فيل!

بعيش لوحدي، بابا وماما مسافرين، وأخويا الكبير شغال بره. عمري عشرين سنة.

خرجت من البيت، أغلقت الباب خلفي، ومشيت بين العمارات. نظري تعلّق بلوحات الإعلانات. تجمّدت.

صورتي.
مطلوب للعدالة.
مكافأة لمن يدل عليه.
مكتوب تحتي كلمة واحدة: قاتل.

"إيه ده؟ أنا جون ويك ولا إيه؟!"
بدأت ألاحظ صورتي في كل مكان.
ثم سمعت اثنين يتحدثان:
"النهارده نادر هيضرب ضربته... 14 أغسطس... هيقتل كل البنات اللي اتولدوا في اليوم ده."

أنا؟! أنا بعمل كده؟! ليه؟!

جريت راجع بيتي، أغلقت الباب بإحكام، وأنا قلبي بيدق بشكل هستيري.

14 أغسطس... ده تاريخ ميلاد سلمي، حبيبتي السابقة.
بس... إزاي يعني أقتل كل البنات اللي اتولدوا في اليوم ده؟!
إيه الهراء ده؟! مش قادر أتذكر حاجة من اللي حصلت امبارح أصلاً.
أصوات سيارات الشرطة في الشوارع زادت، وصوت الميكروفونات يخترق الجدران:

"لا تخافوا، لن يفلت هذه المرة."

فتحت موبايلي، دخلت على جوجل، وكتبت:
نادر – 14 أغسطس – جريمة
وظهرت الكارثة.

في 14 أغسطس 2006، حدثت أفظع جريمة في العالم. قُتلت أكثر من 500 طفلة من مواليد هذا اليوم، في محافظات مختلفة.
والمشتبه الوحيد: أنا.

إزاي؟ وقتها كنت عندي خمس سنين! حتى لو كنت كبير... إزاي أقتل العدد ده كله في يوم واحد، وفي أماكن مختلفة؟!

الذعر بدأ يتمكن مني.
فجأة... خبط على الباب.

"مين؟"
"أنا حمزة... صاحبك."
فتحت الباب بحذر. وجهه عادي... يمكن زيادة عن اللازم. دخلته.

"في إيه يا حمزة؟"
ابتسم وقال:
"النهارده يومك... هتضرب ضربتك كالعاده، يا نادر."

"إيه؟ أنا مش هقتل حد!"
ردّ بابتسامة باردة:
"إزاي؟ ده بقالك أكتر من 15 سنة بتعمل كده."
"حمزة .. إنت كويس؟ قتلت العدد ده كله ازي
يمكن تكون ساحر ولا حاجة!"
صرخت فيه وأنا بفقد أعصابي:
"أنا صاحبك بقالك 20 سنة... إزاي تقول كده؟"

تركت حمزة ودخلت الحمام. أقف أمام المرآة، أُحاول أن أسترجع أي ذكرى.
ولا شيء.

كيف قضيت كل هذا الوقت هنا دون أن يُكشف أمري؟
كل شيء في هذا اليوم يبدو وكأنه تحوّل فجائي.

فتحت موبايلي، بحثت عن اسم سلمي... لا يوجد.
الصور... الرسائل... حسابها على فيسبوك... كله اختفى.
دخلت موقع إلكتروني بعنوان:
"ضحايا نادر"

تاريخ... محافظة... ضحايا.
كتبت: 2006
ظهرت قائمة تضم 500 ضحية.
فتحت محافظة معينة، فظهرت الأسماء.
سلمي إسماعيل بلال...
حبيبتي!

إزاي؟! ليه؟! والأغرب... إني مش حاسس بأي حب ناحيتها!
بس أنا فاكر...
سلمي، 18 أغسطس 2020.
وقعت في حبها من أول لحظة.
فضلت ألاحقها سنتين، وهي ترفض، لحد ما وافقت.
عشت معاها أجمل أسبوع... وبعده سقطت في أقسى شهور الجحيم.
دعيت، صليت، استغفرت، قرأت قرآن... وما خرجتش من قلبي.
جربت أنساها مع صحاب، بنات، سفر... بس فشلت.
رجعتلها، وافترقنا، ورجعنا تاني... دايمًا النهاية ألم.

في يوم، في المحاضرة، الدكتور كان بيتكلم عن السفر عبر الزمن.
سألته:
"هو ده حقيقي؟"
قال:
"فيه نظريات... وفيه كائنات، وآلات... بس الأغرب، كائن اسمه عقرب الوقت، طائر شوهد في عصور مختلفة... نفس الشكل... نفس التفاصيل.
هو الوحيد اللي بيسافر بين الأزمان، لكن محدش قدر يكتشف سره."

ضحكت وخرجت، وقلت لنفسي: "هو الزمن شريط فيديو ولا إيه؟"

لكن...

أول امبارح، كنت في الغابة.
شُفت طائر ضخم، بلون ذهبي، عليه نقوش غريبة... أرقام فوق أرقام.
قلت: "ده هيغنيني!"
صوبت ناحيته ببندقيتي، وأطلقت سهم مخدر... لكن أول ما السهم لمس ريشه، اختفى!
كأن دوّامة بلعته.

ثم... لا شيء.

هل كان فعلاً عقرب الوقت؟
ولو كان... هل فعلاً رجعني بالزمن؟
ولو رجعني... هل أنا من قَتل كل هؤلاء؟ ولماذا؟! كيف؟!

خبط حمزة على باب الحمام.
بصوت هادئ قال:
"نادر... الشرطة برا. عرفوا إنك هنا... اهرب!"

---

ميقات ـ Miqat حيث تعيش القصص. اكتشف الآن