كأعصار مدمراً يقتلع كل ما يقابله، وقع الخبر فوق رأس أفراد العائلة مثل الحطام، فهنهم من ابتلع ريقه بصعوبة بالغة، وهو يناول كوبًا مثلجا من الماء، ليبتلع الخبر، و منهم من لاحت فوق شفتيه ابتسامة خبيثة ماكرة و فرحة تنذر بلذة الإنتصار تداعبه، و منهم من سقط في بئر عميق من ذكريات لايمحوها الأ الدم فالعين بالعين، ومنهم من انضرب بقوة فوق رأسه كأن احجار من الجحيم قد إصابته..
فتحت عينيها الزرقاتين بإتساع وهي تهبّ من جلستها واقفة تسأله:
هتجوز مين يا عاكف؟ قولت مين؟
لم يتغير جمود عينيه قيد شعرة بل أحست هي بالقشعريرة تزحف على أوصالها من بروده وهو يكرر ببساطة:
هتجوز فريدة، فريدة الأغا.
طار العبث اللحظي من الوجوه في ثانية وحل مكانه الجمود الذي ارتسم على ملامح كل أفراد العائلة، باثًا في قلوبهم قضمة الصقيع الموجعة..
وصدح صوت العمة كبيرة العائلة بنبرة حاقدة:
أنت أكيد اتجننت ياعاكف، عن دون بنات كفر
بهرام كلهم رايح تتجوز ديه؟ تتجوز من بنت الراجل اللي رمّٓل اختك وهي لسه في عز شبابها و أنا حرمني من ابني الوحيد، ابني اللي ماليش غيره، أنت أكيد حصلك حاجة.
ابتسم بسخربة وكاد ان يرد بهدوء إلا أنه تفاجئ بشقيقته إلهام قبضت على قميصه بقبضتين من حديد تلهث:
على جثتي الجوازة ديه تتم، سمعت على جثتي ياعاكف، قولي عايز اختك اللي ربيتك تموت من حسرتها؟ عايز تقهر عمتك أكتر ماهي مقهورة؟ رد عليا، جاوبني ياعاكف.
فى صمت خيم عليهم كسحابة سوداء .. تبادلا النظرات لبرهة حتي اعتقدت أنه سيتجاهل كل كلامها و يرحل بتأنيب الضمير ليعود بعد فترة نادمًا يعتذر .. لكنه خالف توقعاتها مجيباً بجفاف جامد وهو يفك اصابعها عن نسيج قميصه:
بعد الشر عليكي وعلى عمتي، مفيش أبدا حاجة هتحصل من اللي قولتي عليها.
ثم رفع كفها الذي مازال متشنج نحو فمه يلثمه:
آبلة، أنا عايزك تطمني، جوازي من بنت الأغا، ما هو إلا جواز مصالح وبس، جواز صفقة لازم تتم.
سحبت يدها بقوة من كفه تصرخ باكية:
بت الأغا شيطان هيدخل بينا، دخولها البيت ده هيكون خراب، بلاش، ياخوي، بلاش ياعاكف لو ليا شوية غلاوة جوه قلبك، يبقى بلاش.
حدقت في عمتها التي جلست تلتزم الصمت و اقتربت منها تقل:
من بكره، لا من دلوقتي، مستعدة اخاد عمتي و نروح نخطبلك أحسن وأحلى بنت في الكفر كله بت المأمور او بنت دكتور الصحة وفي كمان...
اوقفها وهو يزفر بهدوء مردداً:
آاااابلة، كفاية، أنا خلاص اختارت اللي هتجوزها واعملوا حسابكم اننا هنروح كلنا نطلب ايدها ان شاء الله يوم الخميس.
عضت على أسنانها وهي تصيح بغل و عيناها الزرقاتين تبرقان كالقطط المستسرسة:
ده لو كان آخر يوم في عمري مستحيل، رجلي تخطي عتبة القصر ده، ناسيت، معقول تكون خلاص ناسيت كل اللي حصل.
ثم مسحت دموعها و عادت تردد وهي تطبطب فوق صدره مبرره:
اه ممكن تكون ناسيت، لا أكيد أنت ناسيت، اه مأنت كان عمرك يادوب، تمن سنين اما حصلت المصيبة، بس أنا هفكرك ده واجبي ما أنا أختك الكبيرة اللي ربيتك وخليتك راجل ملو هدومه كل أهالي الكفر تحت طوعه.
ثم لطمت خديها صارخة بغل:
اللي عايز نروح نقدملها ديه، عيلتها اخدوا منا الغالي، نبيل جوزي وحبيبي وابن عمتك، نبيل اللي كان في مقام اخوك الكبير .. في الأول جت الحية خاطفة الرجالة عمتها أخدت مني الراجل الوحيد اللي حبيته، وبعدين ابوها المجرم جه و حرمني منه، حرمني من جوزي وحرم عمتك من ابنها الوحيد، و انت جاي بعد كل ده .. جاي بعد عشرين سنة من الحزن والقهر تقولي اتجوز بنتهم.
انعقد حاجبي إلهام برفض و تمتمت بملامح واجمة متجهمة تمتلئ بالقسوة:
العايلة ديه لعنة، كلهم ملعونيين، بنتهم ملعونة زيها زيهم، لو قربتلها ولا اتجوزت منها هتكون أول من يصيبه لعنتها بعد السنين ديه كلها.
تآوه عاكف بتعب و ارتخت أكتافه بثقل بينما يناظر بعتب باقية أخواته الذين لم ينبثوا نبت
شفاه، كأنهم اصيبوا بالخرس او ربما بالخوف من صلف شقيقتهم الكبري و عمتهم .. لكنه هو
الخوف و التراجع ليس من شيمة طباعه، أنه رجل تلك العائلة و حاميها سواء شاؤوا أم أَبَوا...
أنا مصمم إني اتجوز فريدة وده أخر كلام عندي ومتخافيش أنا مش ناسي ولا عمري هنسي أبدا لكن رأيئ بردك مش هيتغير، و اللي يحب منكم أنه يروح معايا يبقى كتر خيره طبعا أنه وقف جنبي في يوم زي ده، و اللي مايحبش يبقى براحته.
هتف عاكف كلماته الأخيرة بهدوء وخرج مسرعًا من غرفة الصالون بخطوات واسعة وهو مصمم بل أنه قد ازداد تصميماً...#يتبع
#عاكف_فريدة
#نبتدي_منين_الحكاية
YOU ARE READING
نبتدي منين الحكاية
Lãng mạnحكاية بدأت في كفر بهرام... رواية... رومانسية/ إجتماعية..