الفصل الأول: 2012

33 2 0
                                    

القاعدة الأولى : فكر قبل فوات الأوان.

"الحياة تمضي بطريقة سحرية، تجعلنا نفكر بأننا حقا سنهلك قريبا، لأنها لا تعطينا شيءا واضحا يجعلنا نقوم بإدراك شتات الأمور حولنا. هل خلقنا فقط من أجل أن ندور في هذه الدوامة الأزلية ؟ أم أننا نهدف لأن نعرف إذا كنا مؤهلين للخضوع إلى عقبات الحياة و محاولة هزيمتها ؟
إنني أنزف ، أفكاري ، أحلامي ، وكل أموري الخاصة قد هربت مع هذا التيار القوي الذي جرفني إلى هذا القعر. أنا حتما في الحضيض.."

أديم الباشا

-"هل تعرفون نظرية نهاية العالم سنة 2012 ؟
نظر إليه جميع من في الغرفة بغرابة ثم قال أحد الجالسين بتذمر:
-ها قد عاد.. ألا تمل من هذه الأمور يا أديم؟ لو كنا ميتين لكنا تحت التراب الآن فكفاك عبثا و تصديقا لهذه الأمور.
إلتفت إليه رجل آخر و قال بصوت حازم:
-فل تدعه و شأنه يا حسان، إن هذه الأمور حقا تجذب الإهتمام ، هيا أكمل يا أديم.
تذمر حسان قائلا بنبرة غاضبة:
-لو كان يبحث عن عمل حقيقي بدل البحث عن النظريات العلمية ، لجعل والده يرتاح من التفكير في مستقبله!
إبتسم أديم الباشا قائلا :
-ومن قال أنني لا أبحث عن عمل ؟ لن أعمل إلا في تخصص أحلامي.
سخر حسان من كلامه ثم تابع :
-هههه ، حسنا إذا، أريد أن أراك تعمل في الادارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء إذن، في الأحلام طبعا.
ضحك جميع من في المكان من النكتة التي بدت سخيفة في عين أديم ثم تكلم أحدهم قائلا:
-كفاك مزاحا ثقيلا يا حسان، لا تنسى أنك رُفضت في خمسة و عشرون شركة لتجد تخصصك و في الأخير تعمل في تخصص مخالف تماما لما درسته في الماضي .
ضحك حسان ثم تكلم:
-إذا كان الصبر مُرًّا فعاقبته حلوة .
تكلم رجل آخرا محاولا تهدئة الوضع قائلا:
-كفاكم جدية هنا، أتركوا أديم و شأنه إنها الطريقة الوحيدة التي يستطيع أن يعبر بها عن نفسه ، لماذا نعقد الأمور ؟ هيا يا أديم أكمل ما كنت تتفوه به قبل قليل.
أخذ هذا الأخير نفسا عميقا ثم تابع ما بدأه:
-بدأت القصة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي عندما انتشرت شائعة تتحدث عن وجود كوكب غامض في المجموعة الشمسية، اكتشفه السومريون قديماً وأطلقوا عليه اسم "نيبيرو Nibiru". هذا الكوكب يدور حول الشمس دورة كاملة كل 3600 سنة، وتقول الأسطورة أن هذا الكوكب سيمر بين الأرض والشمس في العام 2012، ويتسم هذا الكوكب المزعوم بقوة مغناطيسية كبيرة ستتسبب في زلازل وفيضانات هائلة وتغييرات مفاجئة تقضي على أغلب سكان الكرة الأرضية أو عليهم كلهم.
هدأ المكان و أبدى الجميع ملامح الاهتمام ثم تكلم حسان قائلا:
- يال هذه الأمور التافهة، نحن في سنة 2025 تقريبا و قد مرت 13 سنة ، هذا يعني أنها شائعة ، ولا يجب على الكائن البشري العاقل تصديق أي كان على وسائل التواصل الاجتماعي.
تكلم الجميع في نبرة واحدة :
-حسان !
-حسنا حسنا هيا أكمل نظريتك التافهة.
نظر إليه أديم نظرة تحذير ثم تابع قصته:
-ظهرت هذه النبوءة للمرة الأولى على يد الكاتب زيشاريا زيستيشن الذي نشر كتاباً عن الكوكب الحادي عشر، يقول فيه أنه حصل على وثائق سومرية تتحدث عن هذا الكوكب، ثم أكد البعض هذه المعلومة بعد اكتشاف ناسا لكوكب غامض سمته الكوكب X في العام 1983، وقال الكثيرون أنه الكوكب نيبيرو الذي اكتشفه السومريون ، فكانت أخبار هذا الكوكب بمثابة بركان راكد إنفجر بعد مئات السنين. مما جعل العالم في حالة هلع.
قاطع حسان حديث أديم للمرة الثانية قائلا بسخرية:
-يال التخلف ! يربطون أية ظاهرة بالسحر و الأساطير ، عالم متخلف. الحمدلله على نعمة الإسلام.
حدق الجميع بهذا الأخير و على عيونهم علامات التحذير ثم تابع أديم الكلام قائلا:
- وقد التقت هذه المعلومات بظهور معلومة أخرى تتعلق بحضارة المايا. حيث كانت المايا من أعظم الحضارات الإنسانية التي اشتهرت بحساباتها الفلكية الدقيقة، نظرا للرابطة الدينية و الثقافية و هذا ما جعلهم يهتمون بعلم الفلك بطريقة مهمة. وكانت أحد الإنجازات الهامة التي ابتكرها شعب المايا هي وضعهم لتقويم المايا، وهو عبارة عن سلسلة من الجداول الرياضية التي تتنبأ بالكوارث الجوية والأحداث الفلكية. ليس بناءاً على أساطير وخرافات، بل بناءاً على حسابات رياضية دقيقة يقوم بها علماء الفلك و الفلاسفة و الرياضيين.
دهش أحد الجالسين ثم قال:
-كيف لك أن تقوم بحفظ كل هذا؟
إبتسم أديم و قال:
-هوايتي جمع المعلومات و مشاركتها مع الجميع. لا تقاطعني مجددا ، دعنا نكمل. أين كنا ؟ نعم لقد تذكرت. فكما قلت لكم ظهرت مشكلة جديدة ، و هي أن أن هذا التقويم سينتهي في 21 ديسمبر سنة 2012 ، حيث يرى شعب المايا أن البشر يعيشون في دورات تمتد 5126 سنة، وبما أن اول ظهور لآخر سلالة من سلالات الإنسان كان في 3114 سنة قبل الميلاد ، ستكون نهاية دورتهم في العام 2012.
تمتم حسان بصوت مسموع:
-أستغفر الله! أصبحنا نلقب بالسلالات البشرية !يال التخلف !
نظر إليه أحد الجالسين و قال:
-إذن مالذي تريده أن يقول ؟
-نحن لسنا سلالة ! نحن بشر نمتلك عقل ميزنا الله عن باقي المخلوقات لهذا نحن لسنا بسلالة أو فصيلة . على أية حال ، تابع حديثك يا هذا أريد أن أسمع النهاية .
عم الصمت قليلا في الغرفة ثم تنهد أديم و تابع :
-على أية حال ،لم تنتهي الحكاية هنا، بل زادت سوءاً حين أعلنت ناسا أوائل عام 2011 عن إعصار شمسي قوي للغاية في العام 2012، قد يتسبب في أضرار تصل لترليونات الدولارات. مما جعل العالم أجمعه ينقلب رأسا على عقب. هذه نهاية القصة لليوم .
أبدى الجميع ملامح الإستياء و تكلم أحدهم :
-قصة مثيرة للاهتمام، هلا تحكي لنا قصة أو نظرية أخرى ؟
نظر أديم إلى ساعته اليدوية ، ثم قال:
-لقد تأخر الوقت ، يجب أن أكون في المنزل قبل الساعة الثامنة لأن على والدي تناول دوائه.
-حسنا إذن أبلغ السيد كريم تحياتي .
خرج أديم من ذلك المقهى ، و فجأة إنقلبت ملامحه من سعادة إلى لامبالاة ثم بدأ يمشي في الأزقة المظلمة متجها إلى بيته الذي بدى في نظره شيءا يشبه الجحيم ، لا ، بل الجحيم بذاته. بقي ينظر يمينا و يسارا محاولا كبح حزنه العميق الذي يحيط بقلبه. فالبطالة أرهقته، و كلام والده المتواصل عن إيجاد عمل أتعبه. بقي يحاول التخلص من أفكاره السوداوية عن الإنتحار و إنهاء حياته،لكنه لا يقدر على ترك والده يواجه الحياة بمفرده فهو الوحيد المتبقي له بعد أن ماتت زوجته. وبينما كان هذا الأخير يغوص في بحر أوهامه، ظهر عجوز أمامه و كان ينظر إليه مطولا، شعر أديم ببعض الخوف من تلك النظرة و قال بصوت أجش:
-هل أستطيع مساعدتك يا سيدي ؟
بقي هذا الرجل ينظر إليه بنظرات شديدة الحدة و تكلم فجأة بصوت خافت:
-العذاب قريب إستعد له جيدا...
فجأة إختفى الرجل في لمح البصر، حاول أديم إستيعاب ما حصل للتو ثم فرك عينيه و قال :
-لابد و أنني أتخيل ، لم يكن هناك أحد هنا صحيح؟ أظن أن حزني قد تسرب للعالم.
أسرع هذا الأخير في المشي ثم وصل لبيته بسرعة. فتح أديم الباب ببطأ ثم قال:
-السلام عليكم.
نظر إليه والده نظرة باردة ثم قال بدون رد السلام قائلا:
-هل وجدت عملا ؟
تنفس أديم بعمق ثم قال:
-يجب عليك تناول دوائك الآن.
-قبل ذلك أجبني ، هل وجدت عملا ؟
تنهد أديم و قال:
-لا ، لم أجد شيءا.
نهض السيد كريم و إتجه نحو إبنه ثم صفعه بقوة قائلا:
-ألا تخجل من نفسك؟ هل تعرف أنك السبب في حالتي هذه؟ أتظن أنني لا أعرف أنك تكذب علي كل يوم على البحث عن عمل و تذهب للمقهى لنشر قصصك و نظرياتك التافهة؟ أنا لن أدوم لك طويلا ! غيرك قد تزوج و أنجب أطفال و أنت لازلت تطمح لطموحات وردية ! إكبر ! و إنهض و أخرج من عالمك الطوبوي ! إحلم أحلاما واقعية !
أمسك أديم نفسه كثيرا ثم صرخ بقوة:
-طفح الكيل ! لقد مللت من تكرارك لنفس الجملة ونفس الكلام! أتظن أنني لا أشعر بالألم لإيجاد وظيفة تناسبني؟ أنا لن أدع أحدا يحاول هدم صقف أحلامي و لو كان أنت! لن تذهب كل محاولاتي و مجهوداتي هباءا منثورا ! وأعلم أن ربي لن يخيبني أبدا !
-أنت تحلم كثيرا ، لماذا لا ترضى بأية عمل ؟ لماذا تجعلني أفكر كثيرا بشأنك أيها الأحمق ؟ أنت السبب في جعلي هكذا!
-أتظن أنني أرضى أن ادوس على مجهوداتي من أجل بعض المال ؟هذا لن يحدث و لو كلفني ذلك حياتي!
ثم إتجه أديم نحو غرفته و أخذ يشرب دواءا لتهدئة نفسه و يداه ترتعشان من الغضب. و قال و هو ينظر إلى نفسه في المرآة :
-فل تهدأ يا أديم ، إنه والدك ، إنك أمله الوحيد المتبقي.
فجأة ظهرت صورة الرجل الذي قابله في الشارع في مكان إنعكاسه ثم تكلم بعد ضحكة هستيرية:
-العذاب قريب ، استعد له جيدا يا.. أديم.
فجأة فتح أديم عينيه و إنتفض و بقي يتنفس بصعوبة ، ثم وجد نفسه داخل فراشه. تكلم هذا الأخير بعد عناء قصير :
-إنه حلم، إنه كابوس، لا أعرف لماذا يواصل هذا العجوز الظهور في أحلامي.
فجأة سمع أديم إشعارا من هاتفه، لكنه لم يبد له إهتماما كبيرا. نهض ببطأ ، ثم أمسك هاتفه، شهق هذا الأخير لما رآه و صرخ بأعلى صوته والصدمة تعلو وجهه:
-أبي !!! لقد قُبلت في NASA !!

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: 4 days ago ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

لعنة أنتاركتيكا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن