الفصل الأول

111 11 3
                                    


في عالم يعج بالمظاهر والزخارف، يكمن جمال خفي لا يُرى بالعين المجردة، هو جمال الأرواح، جمال الأحلام التي لا تذبل، وجمال الأمل الذي ينبثق في أوقات اليأس، هذا الجمال يسكن في القلوب النقية التي ترى العالم بأعين مختلفة، تلك التي تحتفي بالتفاصيل الصغيرة وتجعل من البساطة لوحة فنية.

هو جمال العطاء دون انتظار مقابل، جمال الابتسامة التي تشرق في وجه العالم حتى في أصعب الأوقات، هو تلك اللحظات التي نشعر فيها بأننا جزء من كل، نتواصل مع الكون والناس من حولنا بأسلوب يتخطى الكلمات.

هذا الجمال هو الومضة التي تشعل نار الإلهام فينا، هو الموسيقى التي تسمعها القلوب دون أن تُعزف، هو الندى الذي يروي ظمأ الزهور في الصباح الباكر، دون أن يُرى، إنه الجمال الذي يراه القلب ويتذوقه الروح، حينما نجد السلام والطمأنينة في أبسط الأشياء ونكتشف أن أجمل الأشياء في الحياة ليست مرئية.

هكذا يكون الجمال الذي لا يُرى؛ جمال لا يحتاج إلى عينين، بل إلى قلب مفتوح وروح متأملة، تُحلق في فضاءات الجمال الخفية وتُدرك أن أعظم النعم هي التي تُشعرنا بالكمال دون أن تُرى.

دلفت والدتها إليها بغضبٍ، وأردفت بنبرةٍ جامدة خالية من العاطفة، وبصوتٍ حاد:

_اسمعي، أنتِ من بكرا تروحي لِـ دكتور تغذية وتخسي، مفيش حد هيبص في وشك وأنتِ كده.

ابتلعت الغصة المريرة التي تشكَّلت في حلقها، وتجمَّعت الدموع في عينيها، وقالت بنبرةٍ مُنكسرة:

_حاضر يا ماما، بعد إذنك، أنا رايحة الشغل.

تركت والدتها، وخرجت من البيت حاملةً على قلبها حزنًا عميقًا، حزنًا لا يفارقها،حزينة من كل شيء، من حالتها التي تحاصرها، ومن كلمات والدتها التي تغرقها بالألم، شعرت وكأن لا أحد يراعي مشاعرها، لا أحد يقف إلى جانبها في لحظات ضعفها، والأشد مرارة هو أن من كان من المفترض أن يكون الدعم الأول لها، وهي والدتها، لا يُظهر سوى تقليل دائم من أنوثتها، وكأنها لا تستحق الاحترام أو التفهم، كان حديثها أشبه بنصلٍ يغرز في قلبها، يذكرها بكل ما فقدته من حنان كان يجب أن تجده في أكثر شخص يُفترض أن يكون الأقرب إليها.

وصلت إلى مقرِّ عملها، حيث تعمل مدرسةً في إحدى المدارس الحكومية، كأنها في رحلة يومية تُجبر عليها، تتنقل بين جدرانٍ تعرفها جيدًا، لكن روحها تشعر بالغربة داخلها.

دخلت إلى المدرسة وكأنها تحمل على كاهلها جبالًا من الحزن، بدأت يومها كما في كل مرة، بنفسٍ منكسرة وروحٍ متألمة، تائهة بين الدروس التي تشرحها والذكريات التي لا تفارقها.

ومع مرور الوقت، انتهت حصتها، وعادت إلى واقعها، تاركة وراءها جدران الفصل التي شهدت على لحظات من حزنها العميق، خرجت من الفصل، وتوجهت إلى غرفة المعلمين، كأنها تبحث عن مأوى، عن لحظة هدوء وسط صخب الحياة.

الجمال الذي لا يُرى Where stories live. Discover now